خاص بآفاق البيئة والتنمية
اقتصاد الرفاه (welfare economics) فرع من علم الاقتصاد يُعنى بإدخال القيم الأخلاقية والمفاهيم الإنسانية في عمليات التحليل الإقتصادي وفي معالجة النظم الاقتصادية وتقويمها. ضمن هذا الحقل تتلازم الجوانب الاقتصادية مع جوانب اجتماعية معينة وتتداخل معطياتها، ولا سيما أن البحث فيه يتعلق بتحقيق أهداف اقتصادية ذات مضامين اجتماعية من أجل مجتمع الرفاه أو من أجل نظام اجتماعي.
وبذلك تصبح الرفاهية الإقتصادية، أحد أجزاء الرفاهية الاجتماعية العامة الذي يمكن قياسه نقديا بطريق مباشر أو غير مباشر. ويعتقد بعض الاقتصاديين أن دراسة الرفاهية الاقتصادية يجب أن تقتصر على تحليل الأسباب والعوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق أكبر قدر من الاستقرار النفسي والمادي والاجتماعي للفرد ضمن مجتمع معين، وهي بذلك تكون دراسة علمية إيجابية. ويعتقد البعض الآخر أن دراسة الرفاهية الاقتصادية يجب أن تشمل دراسة وتقييم الكفاءة الاقتصادية والنظم المتعلقة في توزيع الموارد بما يؤدي إلى تحقيق أكبر قدر من المنفعة الاجتماعية وتوفير الظروف التي يمكن عن طريقها أن تقوم السياسات الاقتصادية في تحقيق الرفاهية للمجتمع.
ویعرف الوضع الأمثل للرفاهیة عندما یتحقق فیه أقصى مستوى معیشي لجمیع أفراد المجتمع، دون استثناء. بحیث إن حصل أي تغیر في هذا المستوى الأمثل فسيؤدي إلى زیادة في المستوى المعیشي لبعض الفئات الاجتماعیة، ولذلك، فإن هذا التغیر لابد أن ینجم عنه إلحاق الضرر بفئات اجتماعیة أخرى، بل وبالأنظمة المحيطة والمرتبطة بالمجتمعات الإنسانية خاصة النظام البيئي، الذي يعد المصدر الرئيس لدعم حياة الإنسان على الأرض، فهو يأخذ منه أنواع الموارد التي تدعم وتطور مستوى رفاهيته كافة.
ويؤدي استغلال أو استهلاك الموارد الطبيعية إلى مخرجات مصاحبة تسمى آثاراً خارجية أو متعديات تنتج مصاحبة لاستخدام الموارد، وهي تكون ذات آثار سلبية تؤثر على الرفاه الاقتصادي للمجتمع ككل، إذا لم يتم تصحيح آثارها بالسياسات الاقتصادية المثلى. وهو ما جعل العالم يتحول نحو التركيز على فكرة توفير الرفاهية الاقتصادية والرفع من المستوى المعيشي لأفراد المجتمع مع الحفاظ على النظام البيئي وصيانته، كنظام للأجيال الحالية والقادمة أو ما يسمى بالتنمية المستدامة أو القابلة للديمومة.
ومن هنا يظهر الارتباط بين إقتصاديات الموارد كأحد فروع علم الاقتصاد، التي تختص بتطبيقات الأسس والنظريات الإقتصادية على الموارد الطبيعية، والعلم خاصة العلوم الإيكولوجية ومجالاتها المتعلقة بالموارد الطبيعية أو ما يعرف بعلم الاقتصاد البيئي. وهذا ما سنحاول توضيحه كبداية ضمن المحور الأول. على أمل أن نستعرض في المحور الثاني السياسات التصحيحية التي تفرضها دراسة النظريات الإقتصادية على الموارد الطبيعية، والتي لا تخرج عن الإلتزام بمبادئ التنمية المستدامة، حيث تسعى إلى توفير الرفاهية الإقتصادية للجيل الحالي والأجيال القادمة، دون أن يأخذ جيل حقوق الجيل الآخر مع الحفاظ على البيئة وصيانتها وحفظ نظم دعم الحياة التي توفرها للجيل الحالي وللأجيال القادمة.
- التكامل بين النظام البيئي واقتصاديات الموارد:
تعتبر المعرفة العلمية بناء متماسك متصل الحلقات فما عُلِم من العلوم خصوصا العلوم الإجتماعية تكون له حدود قاطعة فاصلة، بل عادة ما ترتبط بشكل أو بأخر ببعض العلوم القريبة منه سواء في مادتها(محتواها) أو منهجها(أدواتها التحليلية)، والموارد الإقتصادية كعلم يتصف أيضا بهذه السمة. ويقف علماء الإقتصاد وعلماء البيولوجيا وعلماء البيئة الإيكولوجية وغيرهم، على رأس العلوم التي تربطها بعلم الموارد الاقتصادية وشائج صلة قوية. ومرجع هذه الصلة أن الإنسان يواجه مشكلة ثنائية الأبعاد. فالاحتياجات الإنسانية تمثل أصل المشاكل العديدة التي يواجهها الإنسان، ويحاول التغلب عليها منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، وفي محاولته لإشباع هذه الاحتياجات كان على الإنسان أن ينتج العديد من السلع والخدمات المختلفة وهو أمر لا يتحقق له بدون توافر المواد الإقتصادية.
وخلال حقب عديدة من الأزمنة، تأكد للإنسان أن هذه الموارد نادرة، فضلا عن أن حاجاته متزايدة ولا تنتهي، وهكذا تظهر المشكلة الثانية الخاصة بكيفية استخدام الموارد الإقتصادية وطرق الحفاظ عليها وتنميتها وإدارتها، مع تجاوز التحديات التي تعاني منها موارد الأرض المحدودة، خاصة بعد الاستخدام الجائر والاستهلاك المفرط للمواد النابضة التي لعبت دور المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وقد ظهر هذا الدور على شكل علاقة طردية بين معدلات استهلاك للموارد وبين معدل النمو لأي دولة. وهذه العلاقة الطردية بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات الاستخدام (الاستهلاك)، تحتم أهمية دراسة آليات ونظريات استخدام وإدارة هذه الموارد لضمان استمرار النمو والتنمية الاقتصادية على المدى البعيد. خاصة بعد ظهور أزمات عالمية التي أبانت عن عدم استغلال المواد المتاحة بشكل أمثل، فكلما زادت معدلات الاستخدام، زادت معدلات التلوث البيئي، وهو ما يوضح علاقة عكسية بين مستوى نظافة البيئة (جودة النظام البيئي) ومعدلات استخدام الموارد.
وهذا يوصلنا مباشرة إلى مبدأ العلاقة العكسية (التبادلية) بين رغبة كل الدول في الحصول على معدلات نمو اقتصادية عالية وفي الوقت نفسه رفضها لمعدلات عالية في تلوث البيئة. والقضية المهمة التابعة لهذه العلاقة العكسية(التبادلية) هي أن التغير في مخزون الموارد القابلة للنضوب أو انخفاض مستوى جودة المواد البيئية في إجمالها غير قابل للتصحيح أو الاسترجاع، فمتى ما تم أي تغيير في أحدها فلا يمكن إعادة هذا التغير إلى الوضع السابق بسهولة، كما أنه إذا كان بالإمكان استرجاع بعض ما فقد فإنه عادة ما يحتاج إلى مدد طويلة، كما أنه يكون مصحوبا بتكاليف باهظة على المجتمع.
مما سبق، يمكن القول أن تحقيق التوازن بين نمو اقتصادي دون التأثير السلبي على النظم البيئية، يعتبر من أهم الجوانب الاقتصادية التي تحاول النظرية الاقتصادية تفسيرها. فهي تحاول تحديد السياسات المثلى التي يجب إتباعها لتصحيح مسار استهلاك مورد ما أو لتعديل تلوث أو إهلاك أحد مكونات النظام البيئي.
كما تهدف إلى توضيح العلاقة بين الاقتصاد والموارد وتبرز معنى المادة في البيئة وعلاقتها بالاقتصاد. وكذاك طبيعة استخدام الإنسان للموارد، كما يشمل التكامل بين النظام البيئي والاقتصاد ومفهوم التنمية المستدامة، ومن خلال المناهج التنموية التي تحملها مدلولات التنمية المستدامة، يمكن تحقيق التكامل لتوفير الرفاهية الإقتصادية للجيل الحالي والأجيال القادمة دون أن يأخذ جيل حقوق الجيل الآخر مع الحفاظ على البيئة وصيانتها وحفظ نظم دعم الحياة التي توفرها للجيل الحالي وللأجيال القادمة
- سياسات تصحيحية لمؤثرات خارجية غير كفؤة:
هناك نوعان من السياسات التي يمكن تطبيقها أو استخدامها لتصحيح أو منع عدم الكفاءة الناجمة عن وجود مؤثرات خارجية أو متعديات سلبية تؤدي إلى انخفاض منفعة مستهلك أو انخفاض إنتاجية منتج مثل التلوث. ذلك باستخدام التدخل المباشرة من قبل الحكومة، أو باستخدام الحوافز المالية عن طريق آليات السوق.
- السياسات الحكومية لتصحيح المتعديات: عن طريق اللوائح والأنظمة والقوانين والمواصفات والمعايير للسيطرة على أشكال التلوث وأنواع المؤثرات الخارجية.
- آليات السوق لتصحيح المتعديات الخارجية: فرض الضرائب عن طريق سندات قابلة للتداول بحيث تقوم الحكومة بتحديد مستويات مختلفة من التلوث وطرحها على شكل أذونات في عملية مزايدة للشركات التي ترغب في هذا المجال، وكذلك بالنسبة لمختلف الاستغلالات المؤثرة على البيئة. إعمال ما يعرف بالمفاوضات ونظرية كواس، حيث يقترح رونالد كواس أنه في حالة عدم تدخل الحكومة فإنه يمكن من خلال المفاوضات الطوعية بين الأطراف المتأثرة الوصول إلى ظروف تؤدي إلى نتائج كفؤة على اشتراط تدني تكاليف المفاوضات وتقليل إجراءاتها.
- سياسات الحفاظ على رفاهية الأجيال القادمة:
كما هو معروف أن مصطلح الاستدامة تعني الالتزام بأن نترك العالم كما استقبلنا، أي الالتزام بأن نترك للأجيال القادمة القدرة على أن تكون في مستوى الرفاهية التي تعيشها الأجيال الحالية نفسها.
وهو ما تحاول سياسات النظرية الإقتصادية تحقيقه، فهي تنطلق من مبدأ أن هناك معدل استخدام أمثل لتحقيق معدل محدد من النمو الاقتصادي يوصل إلى الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للأجيال الحالية والقادمة، وذلك من خلال رسم سياسات تساعد على فهم سلوك المستهلك والمنتج لاستخدام الموارد بطريقة منطقية. ومن بين أبرز هذه السياسات والتي لا تخرج عن نطاق شروط التنمية المستدامة نجد:
- ثبات مخزون رأس المال الطبيعي: أي أن الجيل الحالي يترك للأجيال القادمة رأس المال نفسه الذي تُرك له من قِبل الأجيال السابقة أو أفضل منه، مع الأخذ بالاعتبار معدل الاستهلاك السنوي لرأس المال.
- تحقيق العدالة بين الأجيال: يعتبر مفهوم صعب التحقيق ولكنه مع ذلك يتوافق مع مبادئ العدالة الاجتماعية، ومتمم لمفهوم ثبات قيمة مخزون الرأس المال.
- الكفاءة في الإستثمارات: يقصد بها توجيه جانب من الأرباح للاستثمار في البحث العلمي خاصة التكنولوجيات الإبتكارية والتقنيات التي يمكن من خلالها تحقيق التوازن بين الاستهلاك وتحقيق النمو مع الحفاظ على النظم البيئية...
فقد كان الاعتقاد السائد في القرن الماضي يعتبر، أن النمو الاقتصادي يقوم على حساب البيئة وأنه لا يمكن الجمع بين هذين التوجهين، وأن أي تحسين في نوعية البيئة يعني إعاقة النمو الاقتصادي، كما أن أي نمو اقتصادي يعني القضاء على البيئة وتدميرها.
لكن وبفضل الجهود البحثية والعلمية، ومن خلال التخطيط الاقتصادي الفعال تبث أن تحقيق النمو الاقتصادي وارتفاع المستوى المعيشي، لا يحتمان بالضرورة ارتفاعا مماثلا في الاستهلاك، إذ يمكن خلق توليفة مناسبة لمتطلبات الحفاظ على البيئة وجودة نظامها، بخفض استهلاك الموارد الاقتصادية مع إمكانية مضاعفة الرفاهية الاقتصادية بنصف ما يستهلك حاليا، من خلال التخطيط الاقتصادي-البيئي بعيد المدى، بالاعتماد على كفاءة استغلال المواد المتاحة وتوزيع استخدامها زمنيا ومكانيا وقطاعيا، وذلك بمعرفة الأسس العلمية والتطبيقية التي تدرج ضمن تخصصات دراسة اقتصاديات الموارد.
الهوامش:
- أحمد جلال: الأبعاد الإقتصادية للمشاكل البيئية وأثر التنمية المستدامة، دار خالد الحباني للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2017.
- حمد بن محمد آل الشيخ: اقتصاديات الموارد الطبيعية والبيئة، الرياض-عبيكان للنشر، الطبعة الأولى 2007.
- جميلة مرابط: الطاقات المتجددة وغير المتجددة، أطروحة الدكتورة في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-فاس-2018.
- النظم البيئية ورفاهية الإنسان، الإطار الفكري للتقييم، تقرير لفرق العمل والتقييم البيئي للألفية، برنامج عالمي بمبادرة السيد كوفي عنان سكرتير عام للأمم المتحدة 2001.
- النشرة الربيعية للزراعة الدولية بعنوان"الاقتصاد البيئي والتنمية المستدامة"، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بالتعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الإيطالي، يناير 2003.
- Field barry,C. And martha field.environmetal economies ; an introduction.third edition. Section5.mcgraw hill ; boston.2002.