خاص بآفاق البيئة والتنمية
تنوع في أصناف الصابون البلدي الذي تنتجه ميسم أبو مريم
زيارة ميسم أبو مريم 33 عاماً من نابلس، لإحدى المصابن في مدينة نابلس قبل ست سنوات، كان دافعها لتبدأ خطواتها الأولى في مشوار الألف ميل، مع مشروع صناعة الصابون البلدي الذي قررت العمل فيه.
لم تكن أبو مريم التي تخصصت في إدارة الأعمال في جامعة القدس المفتوحة قد تخرجت بعد، حين دفعها مساق بإحدى المواد الجامعية إلى التبحر في صناعة الصابون، فرحّبت بذلك كونها من الأشخاص الذين يفضلون استخدام المواد الطبيعية في حياتهم اليومية.
بعد ان التحقت في دورة تدريبية خاصة في كيفية عمل الصابون البلدي، تمكنت أبو مريم من اتقان الطريقة التي يتم فيها طهي هذا النوع من الصابون باستخدام "الطريقة الباردة"، لكن بأسلوب مختلف أطلقت عليه فيما بعد اسم جودي، تخليداً لروح ابنتها التي توفيت قبل شهرين فقط.
أصناف الصابون البلدي الذي تصنعه ميسم أبو مريم النابلسية مثل صابون الكركم والزنجبيل والحليب
مصبنة منزلية
تعد مدينة نابلس من أبرز المدن التي تشتهر بصناعة الصابون منذ أكثر من ألف عام وكان فيها عشرات المصابن التي اندثرت مع الزمن ليتبقى منها ثلاثة فقط، لكن أبو مريم أرادت ان تحوّل غرفةً في منزلها إلى مصبنة للحفاظ على هذا التراث.
تطهو أبو مريم الصابون في غرفة خاصة، بمساعدة نجلها معتز (طالب في الصف التاسع) وأخواتها.
تبدأ طبخة الصابون مع زيت الزيتون الصافي وهو مكون أساسي فيها يخلط باستخدام الطريقة المعتادة في صناعة الصابون" الطريقة الباردة"، يعتمد فيها فقط على مزج المكونات مع الإستمرار بالتحريك، باستخدام أدوات بسيطة مثل الخلاط اليدوي لمدة ثُلث إلى نصف ساعة.
يمرُّ الصابون بمراحل عدة ليخرج بالشكل المطلوب، أول هذه المراحل هو خلط الهيدروكسيد بالماء، تصف أبو مريم المرحلة بأنها الأصعب قائلة: "هذه المرحلة تحتاج لدقة شديدة إذ يجب استخدام ميزانٍ إلكترونيٍ دقيق لضبط هذه المرحلة كون هيدروكسيد الصوديوم مادة حارقة وخطيرة، ويجب أخذ الحذر عند استخدامها وعدم ملامستها للجلد، لذلك يجب الإنتظار لمدة ستة أسابيع قبل الاستخدام حتى يختفي مفعول الصوديوم، ويكتمل تفاعله مع الزيت ويصبح صابوناً مفيداً للبشرة".
تضاف الصودا بعد مرور 24 ساعة إلى خليط الزيت والمكونات الأخرى التي تضاف حسب رغبة الزبون.
بعدها يُصبُّ خليط الصابون في قوالب خاصة التجأت لها أبو مريم تحمل أشكالاً وأحجاماً مختلفة حتى تجف، ومن ثم في اليوم التالي يصبح الصابون جاهزاً للتقطيع، ويُترك بعدها ليجف بالكامل لمدة ست ساعات.
أما بخصوص توفر المواد تبين أبو مريم: "وجودي في نابلس ساعدني كثيرا وسهل حصولي على المواد الخام اللازمة مثل زيت الزيتون والسمسم وطين البحر الميت".
صابون ميسم أبو مريم الجاهز للتسويق
منتج يرضي كل الأذواق
سعت أبو مريم منذ بدء مشروعها في صناعة الصابون إلى خلق لمسة تميزها عن غيرها من أصحاب منتجات الصابون الأخرى، لذلك عملت على إدخال مكونات جديدة كزيت السمسم بديلاً عن زيت الزيتون، والأعشاب مثل حبة البركة والقهوة أو الزعتر والكركم والقرفة.
"ما يميز منتجي هو إنه طبيعي ودائماً احاول تطويره وتحسينه باستمرار لكن مع الحفاظ على صفاته الأساسية". تقول أبو مريم.
تعمل أبو مريم ستة أصناف من الصابون وهم (صابون طينة البحر الميت، وصابون الكركم والليمون، وصابون القهوة والقرفة، وصابون الليف والزنجبيل، وصابون الفحم بالإضافة إلى صابون الحليب).
"أعمل الكثير من الأصناف ولكل نوع زبائنه، غالباً الصابون "التجميلي" وهو صابون مدعم بأعشاب محسنة للبشرة يطلبنه النساء، فيما صابون زيت الزيتون الصافي يطلبه أكثر الرجال وكبار السن، حتى الأطفال لهم حصة من جودي، أعمل الصابون بأشكال محببة لهم".
ترى أبو مريم ان الناس في يومنا يهتمون في الشكليات كالإلتفات لشكل قطعة الصابون وعلى ألونها لذلك اهتم بتلوين الصابون باستخدام نفس المادة التي استخدمت في المكونات، بالإضافة لوضع معطر يضيف رائحة باستخدام زيوت عطرية طبيعية لضمان الحصول على منتج طبيعي بالكامل. "الناس قديماً كانوا يهتمون بالفائدة التي يحصلون عليها جراء استخدامهم للصابون النابلسي" تعتقد أبو مريم.
صابون المصانع
الصابون البلدي أو النابلسي كان يستخدمه الأجداد لما له من فوائد عديدة على البشرة كون المواد التي كان يصنّع منها طبيعية بالدرجة الأولى وبعيدة عما يصنّع ويضاف إلى أصناف الصابون الحديث، سواء كانت الخاصة في الجسم أو الشعر.
تتكون منتجات الإستحمام الحديثة من مواد كيمياوية مختلفة، العلبة الواحدة تحتوي على ما لا يقل عن ثلاثين مادة مثل البروبولين والصوديوم والايجونول والسيتغونل، والبانثولين والجلاسيرين والميثيل.
مع ظهور عدد مهول من الشركات الخاصة في صناعة المنظفات الذي أصبح الصابون البلدي غير قادر على منافستها، سواء كان في السعر أو حتى في الجودة والشكل، فأصغر علبة منها مثلاً تباع بأضعاف ما تباع به قطعة واحدة من الصابون.
أما أبو مريم فأرادت ان تثبت العكس بأن للصابون فوائد عدة ويستطيع منافسة ما ينتج حديثاً ومن هذه الفوائد: يرطب البشرة وينظفها ويخلصها من كل الرواسب كما يساعد على تفتيحها ويجددها، ويخفف من بعض ما تتعرض له البشرة كحب الشباب.
معدات تصنيع الصابون البلدي في مشغل ميسم أبو مريم
كميات متواضعة
تنتج أبو مريم 50 كغم شهرياً وتسوق منتجاتها في نابلس ولبعض المحالات في الخليل وطولكرم.
تعمل ميسم وسط زحمة من المصانع والشركات التي تنتج مئات الأصناف من الصابون بأشكال وأنواع مختلفة، وأكثر ما تراه منافساً لها هو وجود منتجات مستوردة ذات مواصفات وصفتها بالشكلية، تعتمد على الرائحة وطريقة التغليف وكذلك الشكل واللون الجذاب، وترى صعوبةً في الترويج والتوزيع لمنتجاتها نظراً لصغر حجم مشروعها، وتعتقد أن بعض المؤسسات تعرقل حصولها على التراخيص اللازمة لتطوير مشغلها البسيط.
رغم أنها تعمل للحصول على التراخيص اللازمة لتوسعة نطاق عملها وإنشاء مشغلها الخاص لزيادة الإنتاج.