مؤتمر بون للمناخ... لم يعد من داعٍ للركض
حبيب معلوف
أهم ما لفتنا في المؤتمر الـ23 حول المناخ الذي انعقد في بون (المانيا)، أن أحداً لم يعد يركض في الأروقة، إن من الصحافيين الذين يتابعون الوفود أو المفاوضين أو الخبراء... لمعرفة ماذا يجري من مباحثات، أو لناحية الوفود أنفسهم والمفاوضين. الاسترخاء والبرودة هي سيدة الموقف.
ليست البرودة ناجمة عن برودة الطقس بالطبع، إنما عن طبيعة المفاوضات والقضية نفسها بعد مرور ربع قرن على انطلاقتها!
لوجستيا الدولة المستضيفة أيضاً كانت مسترخية في التحضيرات. مركز الصحافة بعيد جداً عن الأحداث وعن قاعات الاجتماعات، وكأنه خارج المقر الرسمي الأساسي (بولا زون). كما تم إبعاد مقر النشاطات والعروضات والمحاضرات والمجتمع المدني (بون زون) كثيراً عن مقر المباحثات الرسمية، بالرغم من تخصيص ما يقارب من 50 مبنى لاستضافة هذا الحدث الذي بلغ عدد المشاركين فيه 28800 مشارك لمدة أسبوعين.
ولعل في ذلك مؤشر إضافي على التباعد بين الأفكار وعلى استنفاذ الحوارات نفسها التي بدأت منذ ربع قرن حول القضية نفسها، أي منذ إقرار الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ في قمة الأرض في الريو عام 1992.
لم يعد أحد يركض لحضور مؤتمر صحافي أو لمتابعة عروضات أو محاضرات أو نقاشات أو لعرض تقارير… ليس بسبب تقدم وسائل الاتصال والمعلومات، بل بسبب تراجع الحماسة، لأن معظم الدراسات والآراء باتت مكررة، لا تتغير فيها إلا بعض الأرقام ارتفاعاً، سنة بعد أخرى. وقد تم إقامة أكثر من ندوة بحضور لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من المشاركين!
حتى النشطاء في ما يسمى المجتمع المدني المتابعين لهذه القضية، ما عادوا يركضون للاعتصام والتظاهر وممارسة الضغوط على ممثلي الحكومات لزيادة الالتزامات، بعد أن حصلوا في معظمهم على صفة مراقبين في المفاوضات.
لم يعد أحد يركض، حتى من القطاع الخاص الذي يريد أن يستثمر في الأزمة، وكأنه عرف حصته من سوق الطاقة والمناخ (2 إلى 3%) واستكان لها، إذ ظهر أن الدول تضمر غير ما تعلن. وتتعهد غير ما تخطط فعلاً. وأن قطاع الطاقة الأحفورية، لا يزال هو المسيطر حتى إشعار آخر… لا بل هناك اتجاهات واضحة لزيادة الطلب على الفحم الحجري وإنشاء 1200 محطة جديدة عاملة على الفحم في 59 دولة في العالم لا سيما في الصين وتركيا وروسيا وبلدان نامية أخرى!
هذه الازدواجية في الخطابات وبين التعهدات والسياسات الحقيقية للدول، لم تعد مقتصرة على البلدان الصناعية الغنية، التي لم تنفك تطلق الوعود منذ ربع قرن بخفض انبعاثاتها، في حين لا تزال تتسابق على استخدام أوسخ أنواع الوقود (كالفحم)، تنفيذاً لأبسط قواعد السوق: وقود أرخص، طاقة أرخص، إنتاج أرخص، سلع أرخص = منافسة أكبر، أرباح أكبر. ولا أحد يتجرأ على كسر هذه القاعدة، بالرغم من كل الخطابات وكل الوعود والتعهدات والاتفاقيات… وبالرغم من كل الكوارث المناخية من أعاصير وفيضانات وجفاف وارتفاع درجات حرارة الأرض وتحمض المحيطات وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات وتهديد الكثير من الجزر والشواطئ حول العالم. الازدواجية بين التعهدات والسياسات الحقيقية للدول هي عند الدول المتقدمة كما عند تلك النامية، فهذا لبنان، الذي تعهد بإنتاج 20% من طاقته من مصادر متجددة، أطلق في الوقت نفسه ورشة للتنقيب عن النفط والغاز! ولم يعر أي أهمية لمفاوضات المناخ، ولا وضع لبنة واحدة في بناء نظام جديد لتغيير السياسات والاستراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ.
كان يوم الجمعة في العاشر من نوفمبر الماضي يوماً طويلاً للتفاوض حول قضايا التمويل، الذي انتهى، كما مؤتمر بون، من دون نتيجة. وقد وصف أحد الظرفاء عملية التفاوض حول هذا الموضوع بأنها مثل "مطاردة الكلب لذيله"! وهو توصيف يمكن أن ينطبق على المفاوضات بأثرها في الفترة الأخيرة، إذ يتوقف الجميع عن الركض لإنقاذ المناخ وباتوا يدورون في مكانهم وينتظرون قدرهم.