كيف تؤثر مُشترياتنا على البيئة من حولنا؟ قراءة في كتاب "الذكاء البيئي"
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تغمرنا الفرحة أحيانًا ونحن نُقدم الهدايا لأطفالنا بمناسبة وغير مُناسبة، فالألعاب اليوم أرخص من أي وقت مضى وقد لا يصل ثمن اللعبة الصغيرة أحيانًا إلى "5 شواقل"، فلماذا نحرمهم؟ هذا الموقف البسيط هو ما جعل الكاتب "دنيال غولمان Daniel Goleman" يؤلف كتابه "الذكاء البيئي Ecological Intelligence". حيث اشترى لحفيده لعبة رخيصة جدًا، وقبل أن يسلمها لحفيده وقعت بين يديه مقالة تُشير إلى أن اللون الأصفر "الفاقع" في الألعاب الرخيصة يعود إلى أن الطلاء يحتوي على كميّات من "الرصاص" السام. فقرر أن يحتفظ باللعبة ليخوض رحلة طويلة في مُحاولة لفهم الأبعاد البيئية لكُل المنتجات التي تدخل البيوت دُون أي تفكر بأضرارها المُحتملة، ليُقدم للقارئ خلاصة هذه الرحلة في هذا الكتاب، الذي لن نتناول منه هُنا إلا أهم الأفكار.
الشفافيّة الرديكاليّة...!
هل يُمكن أن نتخيّل قطعة من الملابس "الصينية" الرخيصة التي نشتريها من أسواقنا مع صُورة للطفل الفقير الذي عمل عليها كي تصلنا بهذا السعر؟ أو لربما صورة النهر الذي تُلقى فيه نفايات مصنع الملابس هناك؟ هذا ليس سهلًا، لأننا لا زلنا لا نعيش في عصر "الشفافيّة الرديكالية" التي يدعو إليها "غولمان" في كتابه، وهي ليست مُعقدة، بل قد وُجدت بأشكال مُختلفة حتى في الماضي، وفي تجارة زيت الزيتون أيام الرومان، حيث كان يُكتب على جرّة الزيت وزنها والمكان الذي زُرعت فيه كما التاجر وحتى الموظف الذي دُون كُل هذه التفاصيل. قد نجد اليوم شيئًا من هذه الشفافيّة ولكننا نجد الكثير من "التضليل" أيضًا، حين نشتري منتوجات تحمل رموزاً معقدة لا نفهم منها شيئًا غالبًا مثل E133 أوE122 وغيرها من الرموز بدًلا من استخدام وسائل أسهل للمستهلك. ولكن الأمر لا ينتهي هُنا، بل يبدأ فقط، فيُطالب الكاتب أن يحمل المنتج وسمًا يُعبّر فيه عن المخاطر على البيئة وعلى من يصنعه، وليس فقط "البصمة الكربونيّة" كما يحصل أحيانًا. وبالتالي فإن المستهلك سيتمكن من الحُكم على ما يشتري بشكل أسهل، وهذا سيُساهم في استجابة السوق والصناعة للمطالب البيئية، وبالتالي يُمكن أن ننعم بالعيش في عالم أفضل، على حد قوله.
رسم توضيحي 1 تقييم دورة الحياة، مصدر الصورة: rollandinc.com
تقييم دورة الحياة!
قد لا نُدرك للوهلة الأولى لماذا الشفافيّة مُهمة إلى كُل هذا الحد، ولكن في الواقع فإن المُشكلة تبدأ في أن نظرتنا إلى الكثير من المنتجات تقتصر على السعر المميز والشكل الجذاب، ولكن هل هذا كُل شيء؟ بالطبع لا.. يؤكد "غولمان" أن للمُنتجات دورة حياة كاملة ولها أعمارها وهو ما لا يخفى على كُل مهندس صناعي يقوم بـ تقييم دورة الحياة Life Cycle Assessment، بينما نجهله أكثرنا. فلو فكرنا بكيس من البطاطا المُقرمشة "تشيبس" وأردنا أن نقيم دورة حياته وتحديدًا حساب "البصمة الكربونيّة" الخاصّة به، والتي تُقدر بـ 75 غرام من ثاني أكسيد الكربون للكيس، فلا بُد أن نبدأ بالتفكير بهذا الكيس مُنذ اللحظة التي زُرعت فيها حبات البطاطا والطاقة التي صُرفت عليها حتى نضجت، كما لا بُد أن نُفكر بالجرار الزراعي الذي استخدم لجمعها من الحقل وكُل "الكربون" الذي نتج خلال عملية تنظيفها وتقطيعها وطهيها وإعدادها، ثم تغليفها وتخزينها وحتى إيصالها إلى المتجر كما لا بُد من مراجعة أساليب التخلص منها وإن كانت قابلة للتدوير أم انها ستُدفن في الأرض وكفى. قد يبدو هذا مُعقدًا ولكن، ماذا لو كانت هنالك وسائل إبداعية تجعلنا نفهم ذلك بشكل مُبسط؟ هل ستبقى سلوكيّاتنا الاستهلاكيّة كما هي؟ ماذا لو أدركنا حقًا الأبعاد الحقيقيّة لكل تلك المنتوجات التي نستهلكها بشكل يومي؟ كُل هذا بالإضافة إلى الإدراك بأنه ليس كُل ما يُصوّر اليوم على أنه بيئي هو بيئي فعلًا.. كما أن الأثر البيئي لا يقتصر على التأثير على المياه والتربة والهواء، ولكنه يمتد بتأثيراته على الانسان والكائنات من حوله. هذا كُله يجعل "الشفافيّة الرديكالية" مسألة ضروريّة من أجل مُستقبل أفضل.
الخطوات الأوليّة!
بما أننا نعيش في عالم يُعاني من فوضى وفيضان المعلومات، فإن إقحام المستهلك بما لا يُطيقه من "معلومات جافّة" لا يُمكن أن تساعد كثيرًا، وهنا يُقدم "غولمان" للقارئ مجموعة من المُبادرات التي حاولت أن تسعى كي تحقق شيئًا من الشفافيّة. مثل مُبادرة موقع "GoodGuide" التي تسعى بأن تُزيل كُل العوائق من أمام المستهلك الذي يرغب حقًا بفهم حقيقة ما يُدور خلف أسعار ما يشتري وخلف الأوسمة "الجميلة" التي تتميز بها مشترياته، والمميز في الفكرة هو تبسيط المعلومات وإتاحة إمكانية الوصول إليها بأسرع شكل ممكن للمُهتمين. موقع Skin Deep يتميز مثلًا بأنه أكثر تخصصًا ويتيح معلومات مهمة ومبسطة عن الكثير من مواد التنظيف ومساحيق التجميل. هذه المواقع وغيرها ليست إلا خطوة بسيطة على طريق طويل، يحتاج إلى المزيد من "جيوش الوعي البيئي" - كما يسميهم الكاتب – مثل الخبير البيئي "دارا اورورك Dara O'Rourke" الذي كتب مقالة حول ظروف العمل الكارثيّة التي يعيشها عُمال شركة Nike في فيتنام في صحيفة نيويورك تايمز، فكانت سببًا في انتشار القصة على مستوى عالمي مما ساهم في إحداث تغييرات جذريّة في معاملها، بعد أن كانت تُجبر بعض العمال على العمل لمدة 18 ساعة يوميًا!
رسم توضيحي 2 تطبيق GoodGuide لتقييم الأثر البيئي، مصدر الصورة: http://ecowarriorprincess.net
انتقادات حول الكتاب
على موقع " goodreads" لم يحظ الكتاب إلا بـ 3.6 نجوم[1]، ورغم وُجود نسبة لا بأس بها منحت الكتاب 5 نجوم لما فيها من عناصر دمج مميزة بين العلوم الإنسانية من فلسفة وعلم نفس مع علوم مثل الكيمياء والبيئة، إلا أن النسبة الأكبر منهم وجدت أن الكتاب يستحق 4 أو 3 نجوم فقط، فقد وجد بعضهم أن الكتاب يحتوي على كم هائل جدًا من المعلومات التي تجعل القارئ يتخيّل وكأنه يعيش في عالم من المواد الكيميائية فقط، كما وجد البعض بأن الفكرة الأساسيّة وهي "الشفافية الرديكالية" كان بالإمكان إيصالها دُون "أطنان من الأمثلة" التي ساقها الكاتب في أكثر من 250 صفحة، وبالرغم من كُل الامثلة فقد شكك بعض القُراء بقدرة "الشفافية" الخارقة على التغيير، إلا أن أكثر القراء وجدوا فكرة "الشفافية الراديكالية" مميزة، وتستحق التفكّر أكثر.