تكرست ثقافة النظافة داخل قرية طورة الغربية الخضراء أسوة بالمجتمعات الغربية، لكن دون الحاجة إلى عمال نظافة. فعلى المستوى الجمالي، نالت طورة عام 2015 لقب أجمل قرية في استفتاء الجامعة العربية الأمريكية، بالإضافة إلى الثناء والمديح الذي يكيله كل من يزورها، سواء على المستوى الحكومي أو الخاص أو الشعبي، وانعكس ذلك على مؤسسات القرية ونظافتها مثل المدارس والمجلس القروي والمساجد. حركة الشبان والأطفال والأهالي خلال ليالي المناسبات ملحوظة، ووقتها يخرجون معا بحملات نظافة عامة وتنظيف المناطق العامة بالمياه، وهي حركة مجتمعية عفوية، لكنها تعبر عن تكاتف وتعاضد الجميع.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
ثقافة النظافة والجمال البيئي آخذة في الترسخ بقرية طورة الغربية |
يُشرف مدير مدرسة طوره الغربية الثانوية، مؤيد قبها منذ عام 2011 على مبادرته الخضراء التي اختار لها اسم "نحو قرية أنظف"، ويتباهى بأن الحاجة لعمال النظافة أصبحت جزءًا من الماضي، فقد انخرط 1200 مواطن، هم أهالي طورا الغربية كلها في عمل يومي منذ ست سنوات لتنظيف تجمعهم.
تُطوّق السعادة قبها، الذي نجح في هندسة أثر لافت لتجمعه المحلي، ويتفاخر بأن وزير الحكم المحلي طلب الإقامة في القرية؛ لشدة نظافتها.
يحمل الأربعيني مؤيد البكالوريوس في الرياضيات والماجستير في الإدارة التربوية، وعمل رئيسًا لنادي القرية، ونال عضوية مجلسها المحلي، وجمعيتها الخيرية، لكن أحلامه الخضراء كبيرة، وبدأ بتحقيق بعضها شيئًا فشيئا.
تستلقي طوره إلى الغرب من جنين وتبعد عنها 23 كيلومترًا، وتخاذي جدار الفصل العنصري، وتجاورها من الشرق نزلة زيد والطرم ومن الجنوب يعبد، وتقع برطعة ومحمية العمرة غربها، ومن الشمال أم الفحم وظهر المالح. يقطنها 1200 مواطن، غالبيتهم يعملون بالوظائف الحكومية أو الزراعة أو داخل فلسطين المحتلة. فيها مدرستان ثانويتان للذكور والإناث، ومسجدان، ومركز صحي، ونادٍ رياضي، وجمعية خيرية، وأخرى زراعية ومركز نسوي، ومؤسسة خاصة، وروضة.
مؤيد قبها مهندس قرية طورة الغربية الخضراء
تحاور آفاق "قبها"، وتسلّط الضوء على مبادرته البيئية، وهنا نص اللقاء:
القرية الأنظف
ما الذي دفعك لإطلاق مبادرتك؟
اخترت اسم "نحو قرية أنظف" لمبادرتي، ومن أهم دوافعي لها، المحافظة على نظافة القرية ورسم صورة حضارية لها. وأول ما فكرت به تكريس ثقافة النظافة داخل طورة أسوة بالمجتمعات الغربية، لكن دون الحاجة إلى عمال نظافة. واليوم تعيش مبادرتي بالتعاون مع المجلس الشبابي، الذي انطلق عام 2011.
ماذا عن النجاحات التي استطعتم تحقيقها؟
على المستوى الجمالي، نالت طورة عام 2015 لقب أجمل قرية في استفتاء الجامعة العربية الأمريكية، بالإضافة إلى الثناء والمديح الذي يكيله كل من يزورها، سواء على المستوى الحكومي أو الخاص أو الشعبي، وانعكس ذلك على مؤسسات القرية ونظافتها مثل المدارس والمجلس القروي والمساجد.
أطفال قرية طورة الغربية يتولون الحفاظ على قريتهم نظيفة طيلة أيام السنة
كيف تفاعل أهالي القرية مع المبادرة؟
تعلمون أن طبيعة البشر أحيانا ربما تعارض كل جديد، وتضع العراقيل أمامه، فتركنا الأمور تسير بطريقة طبيعية وسلسة، ووضعنا هدف إدماج الأهالي بها بطريقة طبيعية، ودون ضغط من أحدـ كانت الخطوة الأولى زراعة الأشجار على جوانب الطرقات، فكان الجيران في منطقة العمل يقدمون للمتطوعين الضيافة وأحيانا المعدات، وبعضهم يشارك بالعمل، ثم انتقل الشبان إلى تنظيف شوارع القرية، وصارت المشاركة من الأهالي تتزايد حتى وصلنا اليوم أن الكثير منهم يخرجون للتنظيف بلا تخطيط مسبق، ولكن حسب الحاجة لذلك.
ومن القصص التي تستحق الذكر حركة الشبان والأطفال والأهالي خلال ليالي المناسبات، ووقتها يخرجون معا بحملات نظافة عامة وتنظيف المناطق العامة بالمياه، وهي حركة مجتمعية عفوية، لكنها تعبر عن تكاتف وتعاضد الجميع.
قرية طورة الغربية الخضراء قضاء جنين الحاجة لعمال النظافة أصبحت جزءا من الماضي
وجهة خضراء
كيف كانت طورة الغربية قبل المبادرة البيئية، وكيف هي اليوم؟
ربما العديد من الأهالي والمواطنين كانوا لا يشعرون بمبادرة تنجز، أو بعمل يجري التحضير له، ولكن عندما تكون خطط العمل ذاتية تأتي النتائج أفضل. الحديث قبل عن قريتنا قبل المبادرة وبعدها، قد لا يعطي المبادرة المستمرة حقها، فالمنظر العام للقرية خير شاهد على ذلك، ومن حسن الحظ أن المبادرة تزامنت مع تعبيد الشوارع، وكان لهذا دور بارز في إنجاح المبادرة. والحكم على التغيير صار يأتينا ممن عرف القرية قبل عام 2011 وزارها بعده.
قلتم أن قريتكم من أنظف القرى، وأنكم لم تعودوا بحاجة إلى عمال نظافة، كيف انعكس ذلك على المجلس القروي، وهل جرى تعميم تجربتكم لتجمعات أخرى، أو سمعتم تعليقات ايجابية من زوار أجانب؟
لا يتوانى المجلس القروي عن تقديم أي دعم ومساعدة مادية أو معنوية للشباب؛ لإنجاح المبادرة، ويجتمع باستمرار مع المجلس الشبابي، ويتبادل معهم وجهات النظر والخطط المستقبلية لمزيد من التطوير، وثمة مقر دائم للمجلس داخل هيئتنا المحلية.
وجرى تعميم تجربتنا من خلال اجتماع موسع لستة مجالس شبابية على مستوى الضفة الغربية في منتجع مراد السياحي ببيت لحم، بالتعاون مع مركز تطوير المعلم (المورد) وبدعم من مؤسسة CHF.
ومن أبرز التعليقات أن وزير الحكم المحلي طلب دونم أرض للعيش في القرية. فيما علّق وفد من الحكم المحلي:" ما دامت قريتكم بهذا الجمال والتنظيم، فهي ليست بحاجة إلى مشاريع". والكثير من الزوار عندما كانوا يصلون طورة الغربية كانوا يشعروا أنهم داخل مناطق محتلة منذ عام 1948، أو في بلد أجنبي.
واللافت إجابة عضو المجلس المحلي أحمد لوفد كندي حول عدد عمال النظافة في القرية، حين قال: لدينا 1200 عامل نظافة. فاستغرب الوفد من الرد، وأخذ يشرح لهم أن سكان القرية 1200 كلهم يساهمون في المحافظة على نظافتها.
قرية طورة الغربية قضاء جنين
ماذا عن خطط تطوير المبادرة أكثر؟
تطوير المبادرة مرهون بأفكار المجلس الشبابي؛ لأنهم اليوم يعتبرون مؤسسة قائمة بذاتها، ويعملون وفق الأولويات والاحتياجات الأكثر إلحاحًا. وهناك توجه لإقامة متنزه عام لأهالي القرية، وزراعة المزيد من الأشجار داخلها، وفي المناطق العامة.
ما المعدل الحالي لإنتاج الفرد من النفايات؟ وهل تفرزونها؟ أو تجرون لها إعادة تدوير؟ أو تصنيع أسمدة عضوية؟
لا توجد إحصائية دقيقة لمعدل إنتاج الفرد من النفايات في القرية، لكن المعدل الشهري لطورة يتجاوز 25 طنًا، تنقل من الحاويات إلى مكب النفايات الصلبة (زهرة الفنجان).
قرية طورة الغربية لوحة بيئية جذابة
انتهاكات وتعديات
في محيطكم تعديات بيئية خطيرة ( زراعة دخان، وصناعة فحم) عدا عن تدمير الاحتلال للأرض ومصادرتها وإقامة جدار الفصل العنصري. كيف أثر ذلك عليكم؟ وكيف استطعتم تجاوزه؟
أجل، هناك زراعة للتبغ بشكل كبير نسبيًا خصوصًا القرى المجاورة. وكان لذلك أثر سلبي واضح على زراعة البقوليات والخضروات، التي أصبحت شبه معدومة. أما الجانب الأخطر في الأمر فوقوع القرية بمحاذاة جدار الفصل العنصري، ووقوع آلاف الدونمات خلفه، ما أدى إلى صعوبات في ممارسة الزراعة والاهتمام بالأرض؛ لأن أصحابها مقيدون بتصاريح الاحتلال، وانعكس ذلك على أشجار الزيتون، التي صارت عرضة للإهمال جراء عدم حصول مالكيها على أذون الدخول، مع العلم أنه تم الاتصال بمحامين لمتابعة حقوقهم في الوصول إلى حقولهم.
واللافت أيضًا، حرمان الأهالي من أكبر محمية طبيعة في فلسطين (أحراش العمرة) التي كانت متنفسًا وملاذًا لأهالي القرية.
من هو الأستاذ مؤيد قبها؟
أعمل مديرًا لمدرسة طوره الغربية الثانوية، وحاصل على شهادة البكالوريوس في الرياضيات والماجستير في الإدارة التربوية، وأب لثلاثة أولاد وبنتين، عملت رئيسًا لنادي القرية وعضوًا في مجلسها القروي وجمعيتها الخيرية، واجتزت العديد من الدورات المحلية والخارجية.
التحدي البيئي الأبرز في فلسطين كلها، أن المجتمع لا يعتبر البيئة أولوية، كيف تجاوزتم هذا؟
لعل اهتمام القرية بالتعليم والمنافسة عليه أسس جيلا مثقفًا ومهتمًا برفعة قريته وتطويرها، فلدينا الكثير من المغتربين ورجال الأعمال الذين قدموا لطورة ما يدعمهم ويساندهم في تطوير أفكارهم ومقترحاتهم. ندرك أن البيئة أولوية، لذلك وضعنا منذ 7 سنوات خطة الوصول إلى قرية جميلة تستلهم ثقافتها من بين ثنايا منظرها الخلاب، الذي يؤسس لثقافة بيئية نظيفة، تنعكس إيجابًا على المدرسة والشارع والبيت.
aabdkh@yahoo,com