بعد فضيحة المياه المصدرة إلى قبرص، أي مياه معبّأة يشرب اللبنانيون في بلاد الينابيع؟ ومن يراقب؟

فيما أثيرت في كانون ثاني الماضي قضية إمكانية تزويد لبنان قبرص بالمياه، والتي أنكرت السلطات الرسمية اللبنانية وجودها... كانت الفضيحة في مكان آخر. اذ كشفت دائرة الصحة العامة القبرصية عن مصادرة كمية من المياه المعدنية الطبيعية المعبأة، مصدرها لبنان، التي تبين أنها ملوثة، عند محاولة إدخالها السوق القبرصية عبر مرفأ ليماسول!
وتحديدا تم الكشف عن مخالفتين، الأولى تتعلق بالاسم التجاري للمياه الذي لم يتم التصريح عنه من اجل الحصول على الموافقة من قبل الدوائر المختصة لكي يتم تسويقه في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصا أن الاتحاد يتشدد في منع استعمال عبارة "مياه معدنية طبيعية"، من دون إذن مسبق من اللجنة المختصة التي تعطي الموافقة، لكي يتم لاحقا ادراج الاسم التجاري في اللائحة التجارية التابعة للاتحاد الأوروبي. والمخالفة الثانية والأكبر، ظهرت بعد اخذ عينات من عبوات المياه المستوردة، إذ تم التأكد من خلال التحاليل المخبرية الجرثومية عن وجود خطر وبائي من جراء احتواء هذه المياه على جرثومة pseudomonas aeruginosa بنسب عالية. مع الاشارة الى ان معايير الاتحاد الاوروبي تشترط ان تكون نسبة الجراثيم صفراً. مع العلم أيضا، أن هذه الجرثومة، تصنّف جرثومة خطرة كونها تتسبب بأمراض متعددة كالتهاب الأمعاء والتهاب الاذن (وهي امراض شائعة كثيرا في لبنان!). وتشير المعلومات الى ان الكمية التي ضبطت في مرفأ ليماسول، والقادمة من لبنان هي 4224 غالونا سعة 5 ليترات للغالون الواحد، أي ما يقارب 21120 ليترا.
وبعد تأكد دائرة الصحة العامة من ان هذه الجرثومة الموجودة في المياه وبائية، وتشكل بالتالي خطرا وبائيا على الصحة العامة، أعطت الدوائر الرسمية المختصة الأمر للمستورد لكي يتلف البضاعة في قبرص او لكي يعيد تصديرها الى لبنان.
وقد تم ابلاغ جهاز الوقاية المبكرة التابع للاتحاد الاوروبي المختص بالمواد الغذائية وأعلاف الحيوانات، لتبليغ الدول الأعضاء، حرصا على الصحة العامة.
وما ان نشرت الصحافة القبرصية الخبر تحت عنوان مياه ملوثة من لبنان، و حجز آلاف الليترات الملوثة مصدرها لبنان، وبعد ان نشرت الخبر احدى المؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي تساعد على مراقبة صلاحية المواد الغذائية للاستهلاك البشري في دول الاتحاد... ارسلت دائرة الخدمات الطبية والصحة العامة في وزارة الصحة القبرصية كتابا الى سفير لبنان في قبرص ميشال خوري، بعد اتصال هاتفي من الأخير لاستيضاح الموضوع، تعلمه باسم شركة المياه المصدرة واسم شركة الشحن القبرصية، وباسم الجرثومة المكتشفة.
بدوره وجه سفير لبنان في قبرص كتابا الى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية (مديرة الشؤون الاقتصادية) طالبا إبلاغ المراجع الرسمية المختصة لاتخاذ الاجراءات اللازمة للتشديد في مراقبة المواد المصدرة، حفاظا على الصحة العامة من جهة، وعلى سمعة المنتجات اللبنانية من جهة اخرى.
ولاحقا وجه مدير الشؤون الاقتصادية بالتكليف في وزارة الخارجية اللبنانية، كتابا إلى وزارة الاقتصاد والتجارة طالبا الاطلاع وإجراء المقتضى.
أما وزارة الاقتصاد، فقد أحالت الموضوع الى مديرية حماية المستهلك ثم الى دائرة قمع الغش... الخ ولم يُعلم ما هي الاجراءات التي اتُخذت بعد ذلك، مع العلم أن فاتورة هذه المياه التي أرسلت إلى قبرص، مصدقة من وزارة الصحة ومن وزارة الاقتصاد ومن غرفة التجارة في المنطقة (منطقة وجود الشركة!)، ويبدو ان فحص المياه كان قد طال فقط الكوليفورم الناجم عن الصرف الصحي، وقد تبين خلوها منه.
أي مياه معبأة نشرب في لبنان؟
لم نجد من داع للكشف عن اسم هذه الشركة، صاحبة الفضيحة، التي لا توزع في لبنان بشكل واسع جدا، بالرغم من اسمها الرنان القريب من اسم شركة كبرى لتوزيع المياه المعبأة في لبنان... ولكن لا بد أن نطرح بعض الأسئلة، خصوصا أن هذه الفضيحة، لم تكن يتيمة مع بداية هذا العام، إذ تم رد 13440 عبوة مياه معدنية طبيعية من سوريا، لعدم صلاحيتها أيضا للاستهلاك! مع العلم ان اسم هذه الشركة المعبئة للمياه كبير وتاريخي، وهي مرخصة ومشهورة جدا في السوق اللبناني، كما التي رّدت من قبرص!
فالأسئلة الملحّة التي تطرحهما الفضيحتان: أي مياه نشرب في لبنان؟ من يراقب جودة المياه المعبأة والمختومة في عبوات أو غالونات، وخصوصا تلك التي يدفع ثمنها المستهلك اللبناني خوفا وشكًا من تلك التي تصله إلى المنزل (إذا وصلت) من مصالح المياه؟ هل كان على الفضيحة أن تأتي من الخارج، لكي نتنبه أن هناك مشكلة كبيرة في سلامة مياه الشرب في لبنان، وفي آليات مراقبتها؟