شذرات بيئية وتنموية...جفاف الشتاء و"تحرير" جنين وفوضى الاتصالات وسواد السُكّر...

خاص بآفاق البيئة والتنمية
حزن
الجميل أن السنة تنتهي بموسم الشتاء وتبدأ به أيضًا. هذا الفصل نقطة ضعفي، أحبه وأكرهه في آن؛ ففي باب الحب أهيم بمطره وبرقه ورعده وغيومه الملبدة، وأكره الشمس إن لازمته أو اختطفه الجفاف. مر ثلثا كانون الثاني 2017 دون مطر حقيقي على فلسطين التاريخية، عدا بعض الحالات التي استأثرت بها مناطق الشمال، وفرصة عدم استقرار جوي يتيمة، فيما لا تبشر التوقعات القادمة بالخير.

كان شهر كانون الأول الماضي الأكثر بردًا ومطرًا منذ عام 1992، بحسب بيانات دوائر الأرصاد الجوية. الأمر بعث على الأمل، لكن انحباس الأمطار الذي سيطر على معظم الشهر الأول من عام 2017 غيّر الحال لسوء الطالع.
تتابع منذ أمد الأرصاد الجوية الرسمية أو التي يطلقها هواة، وتقرأ في اليوم الواحد أكثر من 30 نشرة، وتسمع الكثير من الشائعات التي تهول بقدوم شتاء وثلوج لم تعرفها البلاد، ولم يشاهدها العباد.
غير الجميل في مواقع الطقس أنها تعجز عن تقديم توقعات دقيقة، وتحرص أن تبدل تنبؤاتها كثيرًا. كسؤال عرضي: ما دمنا نعجز عن توقع يجانب الصواب أربعة أيام، كيف ننشر توقعات لعشرة أيام وبعضنا يتباهى بتقديم نشرة تنبؤ قبل 12 يومًا.

ملاحقة خرائط الطقس ورادار الأمطار يوجع القلب غالبًا، وبخاصة حين تكون الشمس سيدة المشهد وسط الكانونين الجارين.
نعيش على الأمل، ونرتقب طويلاً مواسم الخير، ونصاب بالحسرة إن سمعنا عن "انحراف" منخفض جوي. شتاء بلا مطر سيكون مغلفًا بالحزن ومسكونًا بالدعوة إلى تبدل الحال.

الشتاء أيضًا مناسبة اجتماعية جميلة، ومنجم للذكريات، ففي الطفولة، كنا نتسابق إلى ساحة المنزل لنرى فقاعات الماء التي تشكل دوائر متناسقة. كان أخوتنا الأكبر سنًا يدعون أن هذا الشيء يسمى" شيخ المطر"، وهو يعاقب من يحدث الفوضى، أو لا يرد على والديه. ولا نسقط من ذاكرتنا جلسات السمر اليومية، التي كانت تعقد كل مساء شتوي وفيها تحمل العمة عذبة-رحمها الله- كانون النار وننتظر مسلسل الثامنة والنصف في التلفزيون الأردني. هذا العام يبقى الرهان على شباط الخبّاط لإنقاذ الموسم، بحول الله.

مشهدان
شهدت جنين نهاية عام 2016 وبداية 2017 هدم سينمتها القديمة، وإعادة الحرية للأرصفة المحتلة وتنظيم أسواقها. في الصورة الأولى، تحولت سينما جنين التاريخية إلى ركام، بعد فشل محاولات إنعاشها. وانتصر رأس المال على الثقافة والتراث والفن والذكريات الجميلة. وأعاد التطوّر الثاني الأمل بالسير في أسواق لا تسكنها الفوضى. يمكن اليوم للمار من أسواق جنين أن يشاهد الأرصفة بعد استعادة الحرية من المعتدين عليها، وبالإمكان أن يجد متسعًا لمركبته إن أراد الوصول لمتجر، وهناك مؤشرات للمضي في المزيد من الإصلاحات.

سينما جنين التاريخية تحولت إلى ركام
الصورتان غير منسجمتان: هدم السينما وتغول المال، وتنظيم أسواق المدينة، ولكن اللافت أن رئيس لجنة البلدية الانتقالي د.محمد أبو غالي صار يسير في الشوارع ويشرف بنفسه على تنظيم الأسواق، وهي الصورة التي لم يعتدها الناس لرئيس بلديتهم خارج مكتبه، وبعد انتهاء أوقات الدوام الرسمي.
نتمنى أن نعيد النظر في تدمير تراثنا الثقافي، وأن تتواصل جهود تنظيم المدينة، ويصل الأمر لوقف الزحف الأسود على الأراضي الزراعية في مرج ابن عامر، ونرى جنين نظيفة تستعيد عافيتها بلا نفايات تتزاحم في كل مكان، وأن ينتهي الأمر بالحفاظ على المباني التراثية الشاهدة والشهيدة على جذورنا.

وسائل الاتصال الحديثة والتلوث الإشعاعي
حوار
تدير نقاشًا حول وسائل الاتصال الحديثة وما سببته لنا من عزلة وخمول، خلال تدريب لجامعيين. نتوقف في الحوار عند فصول كثيرة، وينقسم المتدربون إلى معارضٍ ومؤيد لمجرد نقد وسائل الاتصال، وتحليل ما سببته لنا من متاعب.
عليك وأنت تعيش في عالم يعج بوسائل التواصل أن تشغل نفسك كل دقيقة، وحتى إن أردت الفرح، فإنك تسارع إلى هاتفك النقال لالتقاط صورة "سيلفي" لابتسامتك أو مائدتك أو تبث مباشرة جلسة سمرك. في هذه التقنيات التي تنتشر في كل زاوية: بث متواصل لكل حركة وسكون، ونشر سريع للحزن والفرح، وسباب ونفاق، وشتم وتمجيد، وكذب كثير والقليل من الصدق.
إزاء هذه الفوضى، أقترح أن نمضي يومًا بلا هواتف نقالة، وبعيداً عن شبكات "الواي فاي"، وبلا حواسيب لوحية، أو اتصالات افتراضية، وأن نخرج لاكتشاف أنفسنا، والتمتع بمحيطنا، والنظر إلى الأفق بدل التحديق في شاشات وأرقام.
يتحمس فريق من الطلبة، ويجربون ذلك بالفعل، ويكتبون نصوصًا ورقية جميلة، تقول إحداها: الحياة بلا اتصالات أجمل.
ليتنا نمضي إلى زمن أسهل وأبسط وأقل سرعة وتكلفة واستهلاكًا للأعصاب، فقد عشنا فترة ثمانينيات وتسعينيات جميلة، لهونا بالثلج، وتابعنا كأس العالم بتلفاز منزوع الألوان، وذهبنا إلى جيراننا دون حجز 10 مواعيد سابقة، وطهونا الطعام دون توثيق لما نأكل، ولم نتطوع للبوح المجاني بما نفكر، وبمكان تواجدنا، وضحكنا ولعبنا بلا شبكات إنترنت مجنونة.

السم الأبيض
تجربة
تسير نحو تدشين سنة ثالثة بلا سكّر تمامًا، فقد وضعت المسحوق الأبيض على اللائحة السوداء، في كل طعامك وشرابك. اليوم ترفع شعار:"الحياة بلا سُكّر ...عسل"، والجميل أن تتخذ قرار مقاطعة السكر الصناعي في مناسبة تكثر فيها مغريات الحلوى والمشروبات والطعام، والأجمل أن تتفحص قبل شراء أي سلعة مكوناتها. من غير اللطيف أن تكتشف إدخال هذه المادة البيضاء إلى المكسرات والخبز. ومن غير المفهوم أن تبتعد عن السكر الطبيعي المتوفر في لائحة طويلة من الفاكهة لصالح شيء يضر بك. وإن أردت أن تعرف محاذير هذه المادة، فكل ما عليك فعله، قراءة هذا النص، الذي نشر قبل نهاية عام 2016، لتتخذ قراراً بمعاقبة السكر: نشرت مجلة "شترن" الألمانية، تقريرا حول تجربة قامت بها إحدى العائلات الألمانية، تتمثل في البقاء شهرا كاملا دون استهلاك مادة السكر، حيث أعد كارستن الذي يبلغ من العمر 48 سنة، برفقة زوجته وأبنائه الثلاثة، قائمة مواد غذائية خالية من السكر؛ لتناولها لمدة شهر كامل، وقامت العائلة بوضع كل المواد الغذائية المحتوية على السكر من حلوى، ورقائق، ونوتيلا، ومشروبات غازية، وعصير، ومعلبات، وزبدة، وفواكه، ومربى، في علبة كرتونية بهدف إقصائها عن نظامهم الغذائي، كما أنها تخلت عن المقبلات، مثل العسل والحلويات، واقتصر نظامها الغذائي على اللحوم، والخضروات، والحليب.
وقالت الصحيفة إنه بعد شهر من التجربة الغذائية؛ تم توجيه أفراد العائلة إلى مركز التغذية، وكانت النتائج كالآتي: أصبح الأب كارستن يتمتع ببنية قوية بعد أن انخفض وزنه بحوالي 3.1 كيلوغرام، وأوضح تخطيط القلب أن خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري قد زال بحسب ترجمة "عربي 21". أما كلاوديا؛ فقد انخفض وزنها بمعدل 2.3 كيلوغرام، وبالنسبة للابن فابيي فقد انخفض وزنه بمعدل 1.2 كيلوغرام، وتحسنت مستويات دمه، وفقد خمسة سنتيمترات من حجم بطنه. وقال طبيب التغذية الذي أشرف على هذه التجربة، أولاف لاتنتسن، إن "الدهون في البطن تعد المسبب الرئيس لعديدٍ من الأمراض، مثل السكري وأمراض القلب، ولذلك كانت هذه التجربة مفيدة لصحة فابيي".
وبعد هذه التجربة؛ تحسنت بشرة سيلينا، التي كانت في البداية مليئة بالعيوب، أما الآن فقد أصبحت بشرتها أكثر نضارة. كما أظهر تحليل الجلد ثلاثي الأبعاد بالنسبة لبقية أفراد العائلة؛ أن البشرة تصبح بعد العيش دون سكر أكثر صفاء واسترخاء. وأشارت الصحيفة إلى أنه إلى جانب هذه المزايا؛ تحسنت القدرة على التركيز."
إذن، ليتنا نهتم قليلاً بصحتنا وبغذائنا...
aabdkh@yahoo.com