أنظمة إنذار مبكر للزلازل في إسرائيل... وغياب الاحتياطات الوقائية في مناطق السلطة الفلسطينية لمواجهة الكارثة الطبيعية المتوقعة باحتمالية مرتفعة
آثار زلزال عام 1927 في فلسطين
خاص بآفاق البيئة والتنمية
وصلت الإجراءات الإسرائيلية الخاصة بإنشاء نظام إنذار مبكر للزلازل إلى مرحلة متقدمة، ويتوقع خلال عام 2015 اكتمال إنشاء النظام، وبالتالي تشغيله من قبل المعهد الجيولوجي الحكومي الإسرائيلي. وسيتمكن النظام من بث الإنذار للتجمعات السكانية الإسرائيلية الكبيرة؛ بحيث أن الفترة الزمنية التي تفصل بين لحظة بث الإنذار ووصول الموجة الزلزالية الكبيرة (ربما المدمرة) إلى المناطق الجغرافية المحددة تتراوح بين 10 إلى 30 ثانية فقط. بمعنى أن بث الإنذار للمراكز المختلفة يكون تحديدا بعد وقوع الزلزال، وقبل أن تصل الموجات المدمرة الناتجة عنه في باطن الأرض إلى المباني في المناطق المختلفة.
وأثناء الزلزال القوي الذي ضرب كاليفورنيا في شهر آب الماضي، تم تشغيل نظام إنذار مبكر بشكل تجريبي. وتستعين الجهات الإسرائيلية المعنية بالمعرفة القائمة في هذا المجال بكاليفورنيا، كما أنها تنوي أخذ الدروس المستقاة من التجربة الأخيرة هناك في الاعتبار. ومن المعروف أن أنظمة الإنذار المبكر معمول بها في بعض الدول الأخرى مثل اليابان؛ إلا أن الظروف الجيولوجية والتكتونية هناك تختلف عما هي في فلسطين؛ لذا قررت إسرائيل الاستعانة بالتجربة الكاليفورنية.
وبحسب التقارير، نجح نظام الإنذار في كاليفورنيا ببث إنذار قبل عشر ثوان من وصول الموجات الزلزالية المدمرة.
وتبذل حاليا الجهود العلمية لتطوير طرق متطورة تمكن الخبراء من التنبؤ بالزلازل المحتملة بدقة أكبر. ويقول فريق من الباحثين الروس بأنهم نجحوا في التوصل إلى مستوى عال من القدرة على التنبؤ بالزلازل المحتملة.
وتنوي إسرائيل إقامة 150-120 محطة تحوي أجهزة للكشف عن الزلازل في المناطق غير المستقرة زلزاليا، وتحديدا البحر الميت وجبل الكرمل. وسيتم وضع المحطات في الملاجئ القائمة ببعض التجمعات السكانية، أو في ملاجئ خاصة بعمق بضعة أمتار، بهدف توفير بيئة خالية من الضوضاء.
وفي حال ضربت الزلازل منطقة ما، تبث تلك المحطات خلال ثوان قليلة معلومات حول حدوث الهزات الأرضية إلى نظام التحكم والرقابة. مبدأ تشغيل أجهزة الكشف قائم على أساس الكشف عن الموجة الأولية للزلزال والتي لا تسبب دمارا وتتحرك بسرعة خمسة كيلومترات في الثانية. وبحسب تقديرات باحثي المعهد الجيولوجي الإسرائيلي، من غير الممكن إعطاء الإنذار في نطاق المسافات التي تبعد 25 كيلومترا من مركز الزلزال أو أقل من ذلك. فترة الإنذار لمنطقة القدس لا تتجاوز بضع ثوان، في حال كان مركز الزلزال في شمال البحر الميت؛ بينما قد تصل الفترة إلى عشر ثوان في حال كان مركز الزلزال بحيفا، وقد تصل إلى أكثر من عشرين ثانية في حال كان المركز في منطقة بحيرة طبريا. أما في منطقة تل أبيب فتتراوح فترة الإنذار بين 20 إلى 30 ثانية في حال كان الزلزال شمال البحر الميت.
ورغم صغر فترة الإنذار، إلا أنها قد تفيد في العثور على مأوى للاحتماء به، علاوة على الإغلاق الآمن لمنشآت البنية التحتية المختلفة، أو اتخاذ إجراءات حيوية في المنشآت الصناعية بهدف منع الأعطال.
في المرحلة الأولى، سيتم تحديد الزلازل التي شدتها صغيرة أو متوسطة. واستنادا إلى المعلومات التي ستتوفر، فسيصبح بالإمكان في المستقبل، تحديد مكان وعمق وشدة الزلازل المدمرة.
وبموازاة تطوير نظام الإنذار في المستوى الإسرائيلي العام، فقد أرست وزارة المعارف الإسرائيلية 350 نظام إنذار محلي في المدارس يفترض بها الكشف عن الموجات غير المدمرة للزلازل. وقد تقرر وضع مثل هذه الأنظمة في كل مدرسة جديدة. وخلال العام الدراسي الحالي (2014-2015)، يتوقع وضع مثل هذه الأنظمة في 1600 مدرسة أنشئت قبل عام 1980، وهو العام الذي دخلت فيه المواصفات القياسية الخاصة بالمباني المقاومة للزلازل حيز التنفيذ. ومع ذلك، من غير المعروف مدى موثوقية وكفاءة تلك الأجهزة.
بقايا فندق قصر الشتاء في أريحا إثر دماره في زلزال تموز 1927
متى سنتحرك لمواجهة آثار الكارثة الطبيعية؟
الاستعدادات الوقائية الجارية إسرائيليا لمواجهة الزلازل القوية المحتملة، لا تنطبق على مناطق السلطة الفلسطينية؛ علما أنه في حال ضرب فلسطين زلزال قوي (فوق 6.5-7 على سلم ريختر)، فإن بعض الخبراء يتوقع أن تصل الخسائر البشرية الفلسطينية إلى آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى، إضافة إلى عشرات آلاف المنازل والمباني التي ستدمر بشكل كامل أو جزئي.
ولغاية الآن، لم يتم أي تحرك فلسطيني جدي ومنظم وواسع لاتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة لمواجهة الكارثة الطبيعية المحتملة باحتمالية مرتفعة. كما لم تنظم تدريبات واسعة النطاق تشمل التدرب على استيعاب المساعدات الفنية والإنسانية الدولية المتوقعة في حال وقوع الكارثة؛ ولم يتم تحضير قائمة بالمنتجات الأساسية الحيوية التي من المتوقع حدوث نقص خطير فيها، إلى جانب آلية توزيع القائمة عالميا للحصول على المساعدات. ولا يوجد توجه لتزويد بعض الهيئات المحلية بالهواتف التي تعمل بالأقمار الصناعية، لضمان استمرارية الاتصالات في حال انهيار البنى التحتية للهواتف الأرضية. كما لم تنظم حملة توعية واسعة النطاق، عبر وسائل الإعلام المختلفة، حول كيفية تصرف وسلوك الأفراد والجماعات في حال حدوث زلزال قوي، وغير ذلك العديد من الإجراءات الملحة والعاجلة...
المشكلة أنه لغاية هذه اللحظة، لم تتم عملية توزيع الصلاحيات بين الهيئات والمؤسسات والمنظمات والأطر الحكومية والأهلية والشعبية الفلسطينية، في حال وقوع كارثة طبيعية. كما لا توجد محفزات واضحة للمقاولين والمهندسين كي يعملوا على تمتين المباني ورفع درجة مقاومتها للزلازل؛ إضافة إلى تحرك الجهات الحكومية المعنية لتقوية مباني الإسكانات الشعبية، إذ أن آلاف المنازل الفلسطينية بحاجة إلى تقوية؛ ما يتطلب الكشف عن الأماكن والمباني التي تعتبر حمايتها وتقويتها الأكثر إلحاحا.
وبالرغم من سلسلة الهزات الأرضية (الصغيرة نسبيا) التي ضربت فلسطين خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن أيا من الجهات المعنية لم تكلف نفسها عناء إصدار التوجيهات والإرشادات الرسمية والمنظمة للمواطنين بشكل عام، ولسكان الأغوار بشكل خاص، حول كيفية السلوك أثناء الزلزال القوي، وخصوصا في الليل.
الجدير بالذكر أن مجلة آفاق البيئة والتنمية واظبت منذ نحو سبعة أعوام على نشر التقارير الخاصة بموضوع الزلازل في فلسطين؛ فحذرت من احتمالية وقوعها بنسبة عالية، وعالجت كيفية مواجهتها والوقاية من آثارها المدمرة، إضافة إلى تنظيم الندوات (تحت رعاية مجلة آفاق البيئة) التي تناقلت وقائعها وسائل الإعلام المحلية المختلفة...ورغم ذلك، يبقى السؤال المفتوح برسم الإجابة: هل قدرنا الحتمي انتظار الزلزال المدمر الزاحف علينا، والذي سيسحق الأخضر واليابس ويقتل ويجرح عشرات الآلاف، لنتحرك عندئذ، وبعد فوات الأوان، لمواجهة آثار الكارثة المرعبة التي طالما حذرنا من وقوعها؟