استطلاع للرأي: الغالبية تعتقد أن صلاحيات السلطة الفلسطينية في مجال الأراضي والبيئة والمياه شكلية
خاص بآفاق البيئة والتنمية

بين استطلاع أخير للرأي أجرته مجلة آفاق البيئة والتنمية في عددها الصادر في شباط الماضي، بأن حوالي 69% من المستطلعة آرائهم يعتقدون بأن صلاحيات السلطة الفلسطينية في مجال الأراضي والبيئة والمياه شكلية. وفي المقابل، 8% فقط يعتقدون بأن صلاحيات السلطة حقيقية ونحو 20% يعتقدون بأن هذه الصلاحيات حقيقية جزئيا، وحوالي 3% لا يعرفون شيئا عن مسألة الصلاحيات.
وبلغ حجم العينة المبحوثة 258 موزعة على بضع فئات مختلفة هي: طلاب، باحثون، صحفيون، ناشطون بيئيون، منظمات غير حكومية، قطاع خاص، مزارعون، ومسؤولون حكوميون / قطاع حكومي.
وتشير نتيجة الاستطلاع إلى أن غالبية المستطلعة آرائهم (نحو 69%) لديهم وعي بحقيقة الصلاحيات والسلطات الفعلية التي بحوزة السلطة الفلسطينية على الأرض والبيئة والموارد المائية.
وقد برز هذا الوعي لدى فئة لناشطين البيئيين الذين شاركوا في الاستطلاع وعددهم 65، إذ أن 89% منهم يعتقدون بأن صلاحيات السلطة الفلسطينية في مجال الأراضي والبيئة والمياه شكلية، بينما 11% فقط يعتقدون بأن هذه الصلاحيات حقيقية جزئيا؛ في حين لم يقل أحد من الناشطين البيئيين بأن صلاحيات السلطة حقيقية.
في المقابل، يعتقد 63% من الطلاب الذين شاركوا في الاستطلاع وعددهم 89 بأن صلاحيات السلطة الفلسطينية في مجال الأراضي والبيئة والمياه شكلية، بينما يعتقد 32% من الطلاب بأن صلاحيات السلطة حقيقية أو حقيقية جزئيا. باقي الطلاب (5%) قالوا بأنهم لا يعرفون شيئا عن مسألة الصلاحيات.
واللافت أن نتيجة تصويت المسؤولين الحكوميين والقطاع الحكومي كانت معكوسة (بالمقارنة مع الناشطين البيئيين والطلاب)، إذ أن 69% من أفراد القطاع الحكومي الذين شاركوا في الاستطلاع (وعددهم 48) قالوا بأن صلاحيات السلطة حقيقية أو حقيقية جزئيا. بينما 29% فقط قالوا بأن هذه الصلاحيات شكلية. وفي المقابل، شخص واحد فقط (2%) قال بأنه لا يعرف شيئا عن مسألة الصلاحيات.
كما أن غالبية الصحافيين (96%) الذين تفاعلوا مع الاستطلاع (وعددهم 23)، أبدوا وعيا كبيرا نسبيا (كما في حال الناشطين البيئيين والتنمويين) وأكدوا بأن صلاحيات السلطة الفلسطينية في مجال الأراضي والبيئة والمياه شكلية، ولم يقل أي منهم بأن هذه الصلاحيات حقيقية أو حقيقية جزئيا. بينما قال صحفي واحد فقط (4%) بأنه لا يعرف شيئا عن مسألة الصلاحيات.
وفي المحصلة، تشير نتائج هذا الاستطلاع إلى أن معظم المبحوثين يعتقدون بأن صلاحيات السلطة الفلسطينية في مجال الأراضي والبيئة والمياه شكلية. معنى ذلك أن شرائح اجتماعية واسعة تشعر بأن صلاحيات السلطة الفلسطينية الممنوحة لها من قبل إسرائيل تعتبر شكلية، وتفتقر إلى السيادة السياسية والوطنية الفعلية على الأراضي والموارد الطبيعية والمياه والبيئة.
هذه النتائج تشير إلى وجود وعي فلسطيني سائد إجمالا بأن إنشاء السلطة الفلسطينية التي منحها الاحتلال "صلاحيات" شكلية في مجالات الأراضي والمياه والبيئة، لم يخفف من الممارسات الاحتلالية البشعة، بل زادها تسارعا وكثافة. ويبرز هذا الأمر في تفاقم التوسع الاستيطاني ومصادرات الأراضي والنهب والضم، رغم وجود السلطة الفلسطينية. علما أن الاتفاقيات الإسرائيلية-الفلسطينية (أوسلو وملحقاتها) ثبتت وكرّست الهيمنة الإسرائيلية المطلقة على الموارد الطبيعية والمياه، وشكلت غطاء "رسميا" لترسيخ النهب الإسرائيلي المريع للمياه الفلسطينية؛ إذ أقرت تلك الاتفاقيات للاحتلال تحكمه الكامل بسقف المياه "المسموح" للفلسطينيين؛ فهو (أي الاحتلال) يرفض مطلقا ليس فقط "السماح" للفلسطينيين بحفر آبار مياه جديدة، بل يرفض أيضا "منح" تصاريح لترميم الآبار المتهالكة.
وهنا تبرز حقيقة أن الاتفاقيات مع المحتل جسدت الخلل الفادح في ميزان قوى يميل كليا لصالح إسرائيل، وغياب أية قوة مادية حقيقية ضاغطة على الأرض تمكن "المفاوض" الفلسطيني من انتزاع الحقوق الفلسطينية في السيادة على الأراضي والموارد واستخدامها وإدارتها.
افتقار السلطة الفلسطينية إلى أي شكل من أشكال السيادة السياسية والوطنية تبرز بشكل صارخ من خلال نهب الاحتلال لمصادر المياه وحرمانه الفلسطينيين من حرية الحركة، واستيلائه على الأراضي لإقامة مستعمراته وقواعده العسكرية وحواجز الإذلال والشوارع الاستيطانية والأنفاق والجسور والجدران الكولونيالية العازلة التي تسجن خلفها شعبا بأكمله وتذكرنا بالمعازل الجنوب إفريقية في عهد نظام الأبرتهايد البائد أو بمعسكرات الاعتقال النازية. وفي ظل وجود السلطة الفلسطينية (من خلال اتفاقات سياسية مع الاحتلال) تمخضت معازل فلسطينية مفككة ومدعومة احتلاليا بسلسلة طويلة من القوانين العسكرية و"المدنية" الاستعمارية. وهكذا يحافظ الاحتلال على سيطرته الفعلية على الأراضي والموارد الطبيعية وأيضا "الاستقرار" الداخلي في المجتمع الفلسطيني، من خلال القوة والإخضاع المغلفين بتشريعات وقوانين كولونيالية، أو من خلال المزج بين القوة الناعمة والقوة العسكرية الدموية المتجسدة في التنكيل الإسرائيلي بالفلسطينيين وقهرهم ونهب أراضيهم، وتثبيت مئات الحواجز العسكرية وفرض الإغلاقات والجدار العنصري وتقييد حرية الحركة والاعتقالات الجماعية وعزل الفلسطينيين وحشرهم في جيوب وقصفهم بالأسلحة النارية والكيميائية وإبادتهم، وغير ذلك من الجرائم الوحشية المغلفة بذرائع أمنية.