خريطة إسرائلية تبين الموقع الذي تم الاستيلاء عليه لإقامة مكب رمون
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي في السابع من آب الماضي مكب النفايات المركزي الخاص بمدينة البيرة القائم منذ خمسة وثلاثين عاما والذي كان يخدم 80 ألف مواطن ويستقبل حوالي 100 طن من النفايات الصلبة الخاصة بالمواطنين يوميا.
ويقع مكبّ البيرة على أراضي جبل الطويل على مساحة مقدارها 70 دونماً. وجاء في قرار"الإدارة المدنية" التابعة للاحتلال والذي صدر في حزيران 2011، أن المكبّ لم يعد مؤهلا للاستخدام وغير مطابق للمعايير البيئية ويشكل خطرا بيئيا على المياه الجوفية والجو. وقد تقدمت بلدية البيرة بالتماس لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية اعتراضا على القرار، فقررت المحكمة تأجيل التنفيذ. وقامت البلدية بتقديم خطة عمل لتوسعة وتأهيل المكبّ، وأظهرت في دراسة أجرتها مستعينة بخبير بيئي "إسرائيلي" أن المكبّ مؤهل للاستخدام لخمس عشرة إلى عشرين سنة مقبلة دون التأثير على البيئة. وذكرت البلدية على لسان السيد اياد دراغمة مدير دائرة الصحة أنه لو ثبت وجود خطر بيئي فإن البلدية ستقوم بإعادة تأهيل المكبّ أو نقله، إلّا أن الدراسة التي أجريت بينت عكس ذلك. كما ذكرت البلدية أن المكبّ يعد من المكبّات النادرة السليمة في المنطقة لكونه بعيداً عن المناطق المائية ويقع فوق عدة طبقات صخرية تحول دون تلويث باطن الأرض.
الجدير بالذكر أن المكب المذكور يخدم المستوطنات المجاورة أيضا، بل يستقبل من النفايات أكثر من ضعفي كمية النفايات التي تنتجها مدينة البيرة. فقد ذكر مدير دائرة الصحة في بلدية البيرة الدكتور اياد دراغمة في مقابلة تلفزيونية أن المكب كان يستقبل 200-250 طن يوميا من نفايات ثلاث عشرة مستوطنة وتجمع استيطاني . وقد وافقت بلدية البيرة باستخدامه من قبل المستوطنات كشرط لكي تسمح سلطات الاحتلال بإعادة فتحه بعد أن استولت عليه وأغلقته خلال الانتفاضة الثانية. وتجدر الإشارة إلى أن الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية يقضي بعدم القبول بإلقاء نفايات المستوطنات في المكبّات الفلسطينية حيث يتسق هذا مع موقفها من عدم الاعتراف بالمستوطنات. وفي حالات عديدة قامت سلطات الاحتلال بالضغط على الفلسطينيين لقبول استخدام المكبّات الفلسطينية من قبل المستوطنين وخاصة في المناطق المصنفة "ج".
وفي بيان لما يسمى "الإدارة المدنية" التابعة لدولة الاحتلال أعلنت فيه أن إغلاق مكبّ البيرة المركزي جاء ضمن خطة لإغلاق المكبات العشوائية واعتماد مكبات مركزية جديدة يستخدمها "الفلسطينيون بجانب المستوطنين" على حد تعبير البيان، مما يعني تكريسا للاحتلال، والتعامل مع هذه المستوطنات وكأنها وجدت لتبقى وعلى الفلسطينيين التعامل معها وتوابعها كأمر واقع.
صورة من القمر الصناعي لمنطقة مكب رمون
قرار إغلاق المكب حول شوارع البيرة لمكرهة صحية
وجه العديد من المواطنين المتضررين جراء تراكم النفايات الانتقادات لبلدية البيرة لأنها تقوم بإلقاء النفايات وحرقها في مدخل المدينة الشمالي قرب مستوطنة "بيت إيل" بهدف الاعتراض على إغلاق المكب، كما اشتكى المواطنون من أنّ النفايات أصبحت تتراكم في شوارع المدينة وحول الحاويات نظرا للإضراب الذي بدأته البلدية بموظفيها والعاملين فيها احتجاجا على إغلاق المكبّ. وقدّمت بعض المجموعات الشبابية اقتراحات تساعد في الحد من المشكلة الى حين ايجاد حل دائم، وتتلخص بقيام البلدية بتوعية المواطنين ووضع حاويات خاصة تصنف فيها النفايات ويعاد تدويرها بالإضافة الى التخفيف منها قدر المستطاع. كما وقام بعض من أهالي البيرة بالعمل على جمع التواقيع للاعتراض على حرق النفايات قرب المناطق السكنية وحاول آخرون تشكيل لجان لتعمل على إيجاد حلول مبتكرة للمشكلة ولو مؤقتا ولكنهم لم يجدوا آذاناً صاغية عند المسؤولين.
الأسباب الحقيقية وراء قرار الاغلاق
وعند السؤال عن أهداف قوات الاحتلال وراء اغلاق مكب البيرة، أكّد رئيس بلدية البيرة فوزي عابد أن الأسباب البيئية التي يتذرع بها الاحتلال حول إغلاق المكبّ ما هي إلا حجج واهية، وأن السبب الحقيقي هو سياسي واستيطاني. فحول منطقة المكبّ توجد مستوطنة "بساغوت" التي يسعى الاحتلال لتوسيعها والتي قامت أصلا على مصادرة 308 دونمات من أراضي المواطنين في منطقة جبل الطويل.
فمن المعروف أن العديد من القرى والبلدات والمدن تعاني من آثار نفايات المستوطنات الإسرائيلية كما هو الحال في قريتي قوصين ودير شرف. ففي الموقع الممتد على مساحة 180 دونما من أراضي المواطنين ولا يبعد سوى مئات الامتار عن منازل المواطنين في القريتين وأقل من مئة متر عن بئرين ارتوازيتين يغذيان عشرات الالاف من سكان مدينة نابلس وقراها الغربية بمياه الشرب خططت سلطة الاحتلال لإنشاء مكبّ للنفايات الصلبة لخدمة المستوطنات. وبعد أن تم إرجاء المخطط للمكبّ نتيجة ضغوط السكان واعتراض منظمات بيئية إسرائيلية على الموقع الذي دفنت فيه قوات الاحتلال نحو 600 طن من النفايات في العام 2006 ، عادت منذ ثلاث سنوات بتجديد "ترخيص" إقامة مكبّ للنفايات في الموقع. وتقوم حاليا بدفن نفايات إسرائيلية فيه، وبخاصة نفايات منطقة تل أبيب ومستوطنة "كيدوميم" ومستوطنات اخرى.
منطقة الطرحان المجاورة للموقع المقرر لمكب رمون
مشاريع المكبّات المركزية بين حل مشكلة المكبات العشوائية وسياسة المصادرة لصالح الاستيطان
وتأتي فكرة المكبات المركزية ضمن خطة استراتيجية لوزارة الحكم المحلي في السلطة الفلسطينية حيث يتم العمل حاليا على إنشاء مكبّين مركزيين في وسط وجنوب الضفة الغربية على غرار مكب زهرة الفجان في جنين والذي انشأ ليخدم شمال الضفة الغربية وتحول بدوره لمكرهة صحية يعاني منها أهالي القرى المحيطة بالمكب. وتتضمن الخطة بأن تقوم هذه المكبات المركزية بخدمة المستوطنات الإسرائيلية بالإضافة إلى المواطنين الفلسطينيين، بالرغم من اعتراض السلطة الفلسطينية على استخدام المستوطنين لهذه المكبّات. ويبدو أن هناك تفاهماً غير معلن بين الجهات الممولة (مثل البنك الدولي والبنك الألماني للتنمية) و"الإدارة المدنية" مفاده أن المستوطنين يجب أيضا أن يستخدموا هذه المكبّات. وحتى في حال عدم وجود أي اتفاق، فيمكن لإسرائيل أن تلجأ، كعادتها، لمنطق الابتزاز بالقوة. على غرار ما حصل في محطة تنقية المياه العادمة التابعة لمدينة البيرة والتي كشف مؤخرا بأنها تقوم سرا بمعالجة حوالي 75 كوباً يوميا من المياه العادمة التابعة للمستوطنات المجاورة للبيرة منذ بداية تأسيس المحطة عام 2000. ففي هذه الحالة أكدت البلدية على لسان السيد موسى جويد رئيس قسم الهندسة في البلدية أن استقبال المياه العادمة من المستوطنات المجاورة كان شرطا اسرائيليا لمنح الترخيص لإقامة المحطة وأن الاتفاق مع المستوطنات ابرم على المستوى السياسي، فيما نفت سلطة المياه الفلسطينية وجود اي اتفاق وان مياه المستوطنات شبكت بالمحطة رغما عن السلطة. وبغض النظر عن الحقيقة فإن البلدية تتكلف سنويا بـ 118,000 شيكل مقابل معالجة مياه المستوطنات الإسرائيلية ويدفع أهالي البيرة تكلفة تكرير المياه العادمة الخاصة بهم والخاص بالمستوطنات التي اقيمت بالأصل على أراضيهم المسلوبة.
وسيبدأ تنفيذ مشروع مكبّ مناطق وسط الضفة للنفايات الصلبة بتمويل من البنك الألماني للتنمية، وسيخدم سلفيت، ورام الله والبيرة، وشمال القدس، وأريحا. ويقع المكبّ فوق 1600 دونمًا من قرى رمّون والطيبة ودير دبوان ضمن المنطقة المصنفة "ج". وكان سكان قرية رمون قد وجهوا مناشدات عديدة اعتراضا على مشروع المكب، وذكر الأهالي أنهم لا يمانعون إقامة مكبّ من حيث المبدأ، إنّما يعارضون واقع انه سيتم إنشاؤه بالقرب من منازل المواطنين في رمّون وما يتبع ذلك من مضار بيئية وصحية، اضافة الى ان الأرض المختارة للمكبّ المقترح خصبةٌ جدًا وزراعية بامتياز، بالإضافة لكون الموقع المختار يقع فوق طبقة مياه جوفية. وكان مجلس محلي رمّون قد اقترح منطقة بديلة لإقامة المكبّ في أراضي القرية ومملوكة من الهيئة المحلية وليست أملاك خاصة بالمواطنين كالأراضي المختارة، كما انها بعيدة عن منازل القرية وذات طبيعة صخرية تمنع تسرب عصارة النفايات الى باطن الارض بشكل طبيعي وتبلغ مساحتها نحو 8 آلاف دونم، إلا ان الاقتراح قوبل بالرفض. وفي تقرير نشر بتاريخ 4 تموز 2013 لشبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة" ذكر التقرير أن المواطنين اصحاب هذه الأراضي كانوا قد تلقوا عروضا سخية تتراوح ما بين الشراء والاستئجار من قبل بنك التنمية الألماني والمجلس المشترك لإدارة النفايات الصلبة لمحافظة رام الله والبيرة منذ أواخر التسعينيات وحتى العام 2011 لكن الأهالي أصروا على رفض البيع أو التأجير . ومن ثم في ايار 2013 تم تسليم أصحاب الأراضي من القرى المذكورة إشعارات نهائية بالمصادرة من قبل الإدارة المدنية التابعة للاحتلال. وكانت اللجنة الشعبية لمقاومة مكب النفايات ومجلس قروي رمّون قد اتهما في بيان نشر في حزيران من العام الجاري أطرافا فلسطينية "باللجوء الى الطرف الإسرائيلي لاستملاك الأرض .. بعد فشل استئجارها او شرائها من الاهالي مباشرة" واعتبر البيان الامر سابقة خطيرة تسمح بتسريب الأراضي الفلسطينية الى دولة الاحتلال.
نفايات تحرق في شوارع مدينة البيرة
مكب زهرة الفنجان يثير القلق
وبالإضافة لتحويل أراضي المواطنين الخصبة إلى مكب نفايات، فإنه لا توجد وسيلة لمنع المستوطنات من إلقاء نفاياتها في المكبّ الواقع ضمن المناطق المصنفة "ج". وتشكل طبيعة النفايات التي يمكن للمستوطنات دفنها مصدر قلق للفلسطينيين لأن التجارب السابقة مع الاحتلال تشير إلى أنه يقوم بدفن النفايات السامة والكيماوية الخطرة في مناطق الضفة الغربية. كما هو الحال في مكبّ زهرة الفنجان الذي يقع على مساحة 220 دونماً في جنين والذي تدور حوله شكاوى عديدة من قبل المواطنين نظرا للتجاوزات وسوء معالجة النفايات فيه واستقباله لنفايات طبية مخالفة للقوانين، إضافة إلى مشاهدات المواطنين لشاحنات إسرائيلية تقوم بإلقاء نفايات لا يعرف محتواها في الموقع. وكان وزير شؤون البيئة الفلسطيني قد أّكّد في شباط من العام الجاري أن المكبّ صحي وأن الفحوص التي أجريت على عصارة النفايات مطابقة للمواصفات، قائلا أنه يوجد تحريض ومبالغة في هذا الموضوع، لتعود وتطالب النائب في المجلس التشريعي د. نجاة ابو بكر في اذار الماضي جميع الجهات العمل العاجل على إغلاق مكبّ زهرة الفنجان نظرا للكوارث البيئية والصحية الناتجة عنه لسكان المنطقة على حد تعبيرها.
أما مشروع المكبّ الذي يعمل على إنشائه في منطقة المينيا جنوب بيت لحم والممول من البنك الدولي فسوف يشكل المكبّ المركزي لمنطقة جنوب الضفة الغربية وسيخدم مناطق الخليل وبيت لحم. وقد اشترطت "الإدارة المدنية" التابعة لسلطات الاحتلال دمج المستعمرات القائمة على أراضي الخليل وبيت لحم لمنح التراخيص لإقامة المشروع، وكانت صحيفة "هآرتس" كشفت في آذار هذا العام بأن هناك تفاهماً غير معلن بين البنك الدولي و"الإدارة المدنية" التابعة للاحتلال مفاده أن المستوطنين يجب أيضا أن يستخدموا مكب المينيا.
ومن المعروف أن إلقاء النفايات "الإسرائيلية" بأنواعها في أراضي الضفة الغربية هو الأجدى للاحتلال من جميع النواحي، لا سيّما اقتصاديا وبيئيا. ومن المعروف أيضا ان آخر ما يهم إسرائيل هو الحفاظ على بيئتنا فهي طبقا لتجربتنا معها تعتبر العدو الأول للبيئة الفلسطينية وتبقى سياسة الاستيطان هي جوهر وجود واستمرار دولة الاحتلال.
نفايات ملقاة وتحرق في شوارع مدينة البيرة