خاص بآفاق البيئة والتنمية
عندما شاهدت الفيلم القصير لنادين لبكي الذي تدعو فيه الناس إلى الزراعة النظيفة لإنقاذ أنفسهم والعالم الهاوي إلى الحضيض، لفت نظري اسم الفيلم " زرّيعة قلبي"، وهو عنوان يبدو غريبًا ومنطقيًا في آن، فما هو أقرب إلى قلب الإنسان من الزراعة التي قد تنقذه والعالمَ من الهلاك؟
لكن الموضوع صار يتكشّف أمامي بشكلٍ آخر عندما فتحتُ كتاب" سقيفة حبيّ" الذي ألّفه الصحفي والكاتب السوري جورج كدر.
و"حبيّ" هي امرأة عاشت في فجر الإسلام في المدينة "يثرب"، وكانت مشهورة في شؤون الحب وتدير مدرسة تعلِّم فيها النساء فنون الحب، ولم يكن ذلك حينها مشبوهاً به أو منبوذاً. فشؤون الحب كان يُنظر إليها جزءاً مهمًا من الصحة الجسدية والجمعية.
"كان الحُبٌّ (بضم الحاء)، مشتق بحد ذاته من الحَب (بفتح الحاء)، وهو الاسم ذاته الذي كانت تُسمِي به العرب القمح، أما الحَبُّ فليس إلا الحنطة والشعَّير، وفي معنى آخر الحَبٌّ "الزرعُ، صغيراً كان أو كبيراً".
المثير للدهشة أن الحَبّةً تعني أيضًا "وسط القلب.
"ما أود قوله هو أن كلمة الحُبّ اُشتقّت من الزرع وتحديدًا زراعة الحَب وهو القمح، والأصل الزراعي للكلمة يؤكد حدوث ارتقاء إنساني لافت للتعبير عن المشاعر الإنسانية، فالقمح وزراعته هو الأصل الذي نقل الإنسان من مملكة الحيوان إلى عالم البشر، عندما استطاع تدجين حبة القمح والتحكم في ظروف إنتاجها، وحَبة القمح هي البذرة التي تُزرع في رحم الأرض لتخلق القربان الذي يحرّر الإنسان من عالم الخضوع لظروف الطبيعة وتقلباتها إلى متحكم في ظروف إنتاج معاشه".
ولنا في اللغة ما يدعم وجهة نظرنا، فلغة العرب ماهت بين الحب والرحم، فــــ "الحُبُّ" تعني فيما تعنيه "الجَرَّةُ الضَّخُمةَ والخابية."
العراقيون يقولون: "وقع في الحِب – بكسر الحاء – ويقصدون أنه وقع في الحُب – بضم الحاء –".
"يمكن أن نعيد تشكيل الصورة بالقول إن علاقة الرجل والمرأة تشبه علاقة السماء بالأرض، وعليه يكون الحُبُّ رحمًا يسكب بداخله ماء الخلق، وعليه يُفهم لماذا تكون لفظة "التَّحَبُّبُ" في لغة العرب هي محاولات تقارب الرجل من المرأة أو العكس وهي في الوقت نفسه تعني " أوَّل الرّي".
أدى التطور الصناعي والمدني إلى ابتعاد الناس عن الزراعة والأرض، كما أدى الجشع الإقطاعي والرأسمالي إلى استغلال الأرض وتلويث الطبيعة عن طريق الأسمدة الكيميائية التي تُلحق أضرارًا جسيمة بصحة الإنسان والحيوان وتؤدي إلى تلوث البيئة والمياه.
لقد حان الأوان للسعي لإنقاذ الأرض والبشرية بالتحول إلى الزراعة العضوية والبيئية، وأن نعي ومعنا الأجيال القادمة بأن هذا هو الطريق الوحيد للحفاظ على الحياة والتخلص من التبعية وأن نضع ذلك على رأس أولوياتنا، وأن نكافح لإنقاذ كل شبر من الأرض وتخليصها من قبضة المضاربين.