خاص بآفاق البيئة والتنمية
يمتاز أهالي قرية مزارع النوباني كما معظم أبناء شعبنا بالطيبة الشديدة والبساطة، ما يجعل من السهل على بعضٍ أن يحقق مصالحه على حساب الطيبين البسطاء من شعبنا، ويأتي ذلك عن طريق أساليب التضليل والخداع التي تُمارس عليهم. وأحيانًا كثيرة تكون الطيبة والبساطة ضارةً بأصحابها، تصل بهم إلى فقدان حقوقهم بالتنمية والتطوير والرقي ببلدهم، إن لم تقترن صفة الطيبة بدرجة عالية من الوعي. ومن هنا تحديداً في مزارع النوباني، أخذ فريق من الناس يثق بهم الأهالي، على عاتقهم عملية دؤوبة لرفع وعيهم بما يجري، بأن مصالح قريتهم تتضرر، والخدمات فيها تتراجع بكل صورها، وحالة المدارس بائسة والتعليم في القرية في الحضيض، والأطفال ليس لهم أي أماكن للترفيه، والشباب بلا اهتمام ولا مرافق رياضية مناسبة وبلا نشاطات اجتماعية. وفي مثل هذه الحالات، لن تقف الفئة المقابلة الفاسدة مكتوفة الأيدي، بل ستنطلق بحملات تشهير وتحريض وتضليل ومحاولات ترهيب ضد من يقف أمام مشروعها الذي يتناقض مع مشروع التنمية والتطوير ورفع الوعي، وهنا يأتي الدور الحقيقي للقوى الفاعلة من أجل التغيير.
|
|
بيوت قديمة تتوسط القرية، النمط المعماري لبعضها يشير إلى عمرٍ يزيد على ٧٠٠ سنة، حمل أبناؤها السلاح عام ١٩٣٦ وشاركوا في الثورة ضد المستعمر البريطاني، وحرروا مع الثوار بقيادة ابنها محمد عمر النوباني مدينة رام الله من يد الجيش البريطاني، حتى تدَّخل الطيران فانسحب الثوار.
"عيون الحرامية" في ذاك الزمن كانت مسرحاً دائماً لعملياتهم، العزة والكرم والكرامة من سماتهم، عاشوا البساطة منهجاً، والفلاحة طريق حياة.
للعلم كانت مكانة، فبنوا أول مدرسة في المنطقة، كانت تعلّم منهج الكتاتيب، ويؤمها الطلاب من كل القرى المحيطة، يصلونها إما مشياً على الأقدام أو ركوباً على الدواب.
تلك هي مزارع النوباني، القرية الوادعة في أطراف محافظة رام الله والبيرة. كانت نهاية الخط وبعدها لا طرق توصل إلى أماكن أخرى، وهذا ما جعلها منعزلة ومعزولة إلى حدٍ بعيد.
تنبّه بعض رجالاتها إلى ضرورة ربطها بقرى محيطة بواسطة شق طرقٍ جديدة، كنت يومها في سبعينيات القرن الماضي صغيراً؛ آتي بالشاي لضيوف والدي وأصغي لنقاشهم حول مستقبل القرية الذي يمكن أن يتغير إذا ما رُبطت ببلدة سلفيت، التي لا تبعد سوى أربعة كيلومترات عن القرية.
حسن عيسى القاق، محمود عبد الفتاح داغر، أحمد عبد الحليم مصفر، المختار طه، أذكرهم جالسين أمام بقالة الوالد أو في غرفة الضيوف شديدة التواضع، يتناقشون في الأمر.. ربط القرية بالقرى الأخرى، تعبيد شوارع بالأسفلت داخل القرية، فيتهكم الحاج يونس زبن ضاحكاً بقوله "أتيتَ بخارطة برلين وتريد تنفيذها في مزارع النوباني يا أبا عصفورة - يقصد والدي-.
وبالفعل، لقد عُبّدت الشوارع الداخلية للقرية قبل أكثر من خمسٍ وأربعين سنة، وفي زمانهم - أواسط تسعينيات القرن الماضي- رُبطت القرية بكلٍ من سلفيت وقراوة بني زيد، ثم حديثاً بقرية دير السودان، لتنفذ القرية على القرى الأخرى من الاتجاهات الأربعة وتنفض عنها عزلتها.
كان وعي رجالاتها يقودهم لرسم الخطط التطويرية للنهوض بالقرية، وتوافق العائلات يرسم طريق العيش وينظم الحياة، موسم بدء قطف الزيتون يتوافق عليه رجالاتها ويلتزم الجميع به، أسبوع القطف الأول لعمل "الرصيع" "مخلل الزيتون الأخضر"، ثم أسبوعين لجمع "الجول" - ثمار الزيتون الساقطة على الأرض.
بهذا الوعي والتوافق تنتقل القرية في كل حقبة زمنية من حالٍ إلى حال، تتطور رغم ضعف الإمكانات، لكن لزيت الزيتون جولات وحكايات.
الفقر دفع لابتكار وسيلةٍ لجمع التبرعات دون تحميل الأهالي أعباء مادية ترهقهم في وقت كانت فيه الأموال لديهم شحيحة، فابتدعوا فكرة "أوقية زيت عن كل جرة زيت" (الجرة تعادل ٢٧ كيلو زيت) بحيث تؤخذ مباشرة داخل "بابور الزيت" - المعصرة أو من بيوت الناس، والكميات التي تُجمع تُباع للتجار، وتُستخدم الأموال لتطوير القرية - بناء المدارس وتعبيد الطرق.
جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى لتغير الكثير من الثوابت في العلاقات داخل مجتمعنا الفلسطيني، ومن التغيرات التي حدثت انتقال في مركز الفعل داخل القرى والمدن من القادة والرجالات التقليديين إلى القادة الميدانيين للانتفاضة من التنظيمات الفلسطينية المختلفة، ولم تكن مزارع النوباني استثناءً.
ثم جاء اتفاق أوسلو لينتقل الفعل تدريجياً إلى السلطة الفلسطينية الناشئة التي انتقل للعمل من خلالها الكثير من القادة الميدانيين للانتفاضة الأولى، بعضهم استمر والبعض الآخر انسحب.
رجال مزارع النوباني ومنهم والد كاتب هذه السطور، التقطوا الفرصة بوجود السلطة الفلسطينية، لتحقيق واحدٍ من أحلامهم، المتمثل في تأسيس بلديةٍ يحصلون بواسطتها على امتيازات أفضل لقراهم، ولتأسيسها كان لا بد من دمج عدة قرى في بلدية واحدة.
كان الحلم عندهم أن تتشكل بلدية واحدة تضم قرى سنجل، وجلجليا، وعبوين، وعارورة، ومزارع النوباني.
تشكلت أول بلدية مدمجة بين قرى عبوين، عارورة ومزارع النوباني وأعطيت اسم "بني زيد الشرقية"، وبعد سنوات بقيت البلدية مكونة من قرى مزارع النوباني وعارورة فقط لانسحاب قرية عبوين منها.
سيطرت فئة واحدة في عشرين عامًا على البلدية، ولم تشهد تطوراً في الخدمات أو على صعيد البنية التحتية أو العلاقات الاجتماعية إلا بعض المشاريع القليلة، التي جاءت من خارج البلدية، في وقتٍ شهدت الكثير من البلدات قفزاتٍ نوعية في مجال البنى التحتية والخدمات، وكان موقف الأهالي من فشل البلدية في تلبية احتياجاتهم التوقف إلى حدٍ كبير عن دفع المستحقات للبلدية، التي ما عادوا يثقون بالقائمين عليها.
ونتيجة لسياسات تدخلٍ في أعمال البلدية نشبت خلافات شديدة، خاصة مع بدء مشروع تسوية الأراضي و"الطابو"، أدت إلى انفصال البلدية والتقهقر للوراء؛ والعودة بالقريتين إلى خدمات المجالس القروية بدلًا من البلدية.
كان لحل البلدية أثراً سلبياً كبيراً تمثّل في فقدان الامتيازات التي تتمتع بها البلدية في مقابل الامتيازات الهزيلة للمجلس القروي، الذي عُيّن لجنة "غير منتخبة" لتسيير أعماله، وكانت هذه اللجنة امتدادًا لنفس النهج غير المكترث بتطوير القرية، فتفاقمت المشاكل وأصبح الناس أكثر نفوراً من المجلس القروي، الذي شكَّل بتركيبته امتداداً لمنظومة التفرد والإقصاء، وما لبثت أن ساورت الشكوك الأهالي فبدأوا في المطالبة بالتغيير، فيما قُوبلوا بالصدّ الشديد والترهيب.
هنا برزت مجموعة من أبناء القرية تحمل راية المطالبة بالتغيير بدافع الحرص على تطوير القرية ورفع الظلم الكبير الواقع على الأهالي، وبعد عام ونصف من العمل، نجح أهالي القرية في إزاحة لجنة تسيير الأعمال غير المنتخبة، والتي نظر إليها الأهالي "لجنةً لا تملك الشرعية" منهم.
ثورة الوعي
يمتاز أهالي مزارع النوباني، كما معظم أبناء شعبنا، بالطيبة الشديدة والبساطة، ما يجعل من السهل على بعضٍ أن يحقق مصالحه على حساب الطيبين البسطاء من شعبنا في كل أماكن تواجده، ويأتي ذلك عن طريق أساليب التضليل والخداع التي تُمارس عليهم.
وفي الكثير من الأحيان تضر الطِيبة والبساطة بأصحابها، وتصل بهم إلى فقدان حقوقهم بالتنمية والتطوير والرقي ببلدهم، من أجل بناء مستقبلٍ جيدٍ لأبنائهم وأحفادهم، إن لم تقترن صفة الطيبة بدرجة عالية من الوعي.
ومن هنا تحديداً في مزارع النوباني بدأ العمل، عندما أخذ فريق من الناس، الذين يثق بهم الأهالي، على عاتقهم عملية دؤوبة لرفع وعي الأهالي بما يجري، وبأن مصالح قريتهم تتضرر، والخدمات فيها تتراجع بكل صورها، وحالة المدارس بائسة والتعليم في القرية في الحضيض، والأطفال ليس لهم أي أماكن للترفيه، والشباب بلا اهتمام ولا مرافق رياضية مناسبة وبلا نشاطات اجتماعية.
وبطبيعة الحال في مثل هذه الحالات، لن تقف الفئة المقابلة مكتوفة الأيدي، بل ستنطلق بحملات تشهير وتحريض وتضليل ومحاولات ترهيب ضد من يقف أمام مشروعها الذي يتناقض مع مشروع التنمية والتطوير ورفع الوعي.
وهنا يأتي الدور الحقيقي للقوى الفاعلة من أجل التغيير، وذلك من خلال:
- الإصرار وصلابة الموقف
يلعب دوماً إصرار وصلابة موقف قوى التغيير على المضي قدماً، دور المحرك الرئيس للاستمرار في رفع الوعي أولاً، وفي مواجهة ضغوط وحملات التضليل من الجهات المضادة ثانياً، وفي استنهاض الأهالي ثالثاً، وفي رفد حركتهم بدماء متدفقة ومتواصلة رابعاً، لتتحول العملية إلى كرة ثلج متدحرجة تنمو وتكبر بانحياز فئات جديدة من المجتمع لتقف مع أهداف التغيير والنهوض.
وفي حال واصلت قوى التغيير التشبث بموقفها، النابع من قِيم ومبادئ العدالة والرغبة في العمل على بناء مستقبل أفضل، سيزداد التفاف الأهالي حول تلك القيم والمبادئ، وكلما ازداد وعيهم بتلك القيم وازداد التفافهم، استمدت قوى التغيير مزيداً من الإصرار والصلابة في الموقف للمضي قدمًا نحو تحقيق الأهداف، وازدادت طاقة الدفع للاستمرار في الطريق. وهذا يتطلب من الطليعة وضوحاً في الرؤية والأهداف، واستقامةً في العمل والتركيز على الجذور وليس فقط الحديث عن أعراض المشكلة القائمة.
- حشد الطاقات
تجد في كل مجموعة بشرية أناس يمتلكون طاقات كامنة، لكنهم مغيّبون عن المشهد، لا يمتلكون من المعلومات ما يكفي لاستنهاضهم في سبيل الوقوف من أجل القضايا العامة، وهنا تقع على عاتق القائمين على أي حراك اجتماعي مطلبي، مسؤولية التعرف على هؤلاء، ودمجهم في الحراك الاجتماعي، لأنهم سيشكلون رصيداً مهماً للإبقاء على جذوة العمل مشتعلة، وسيسهمون في بناء الحركة ومنحها المزيد من البريق والدفع بها للأمام، في أوساط محيطهم القريب وشبكة علاقاتهم، كونهم يمتازون بالقدرة على تقديم الأفكار ويمتلكون من الجرأة ما يكفي لرفد الحراك بدماء جديدة.
ومن المهم بمكان في هذا الجانب أن يدرك القائمون على الحراك أن هناك المتردد، والآخر اللامبالي والثالث الانتهازي، وفي كل الأحوال يجب التعامل مع الجميع بأخلاق حميدة. علمًا أن فريق المترددين واللامبالين قد ينضم إلى الحراك الاجتماعي في لحظة صحوة، فيصبح إلى جانبه، بينما لو هوجم هؤلاء من قبل القائمين على الحراك، قد يصبحون فريسةً تتلّقفها القوى المضادة.
أما إذا كان هناك فريق انتهازي، ينتظر ليحدد موقفه بعد أن تستنزف قوى التغيير والفريق المضاد طاقتهما، أو أحد الفريقين وينتصر الآخر، ليحدد هذا الفريق موقفه، فلا بد للحراك الاجتماعي الانتباه له وعدم صرف الطاقة عليه في هذه المرحلة، وسوف يصبح هذا الفريق الأكثر عزلةً، لأن الناس بذكائها الفطري ستكتشفه بسهولة، لأنه أيضاً سيقع في أخطاء وسيتخبط في بعض خطواته وقرارته، ولكل ما سبق تكون القاعدة الأساسية فقط هي "ضع طاقتك فيما تريد، وركز جهدك على هدفك".
- التحلي بالحكمة
في أي حركةٍ اجتماعية أو حراكٍ مطلبي، لن تجد القائمين عليه يمتلكون نفس المرتكزات الفكرية- المعرفية والرؤية بعيدة المدى- وليس كل من يبدأ تكون النهاية واضحةٌ في ذهنه، ويكون بعضٌ مندفعاً بقوة، تقوده الرغبة بتحقيق نتائج سريعة، دون حساب للنتائج وقبل أن تنضج كل الظروف الذاتية والموضوعية للوصول للأهداف النهائية.
في هذا الظرف بالذات، قد تخلّف بعض الخطوات غير المحسوبة وغير متوقعة النتائج، آثارًا تعيق التقدم وتؤخره قليلاً أو تُفشله، لأن القوى المضادة لأي حراكٍ اجتماعي عادةً ما تمتلك من المكر ما يكفي لإعاقة الحراك، لأنها تستند إلى سلطات تتطابق مصالحها مع مصالح القوى المضادة، وهنا بالتحديد تأتي أهمية وجود نواةٍ من أناس يمتلكون الحكمة والقدرة على تحليل نتائج أي خطوة، وتحليل الأخطاء والعمل على تجنبها خلال المسار، نواة تتصف بأنها لا تلتفت لما تقوم به القوى المضادة من أعمال تشويه ومحاولات ممارسة الضغط بالوسائل المختلفة، بالتأثير في المحيط القريب من كل عضو، سواء كان هذا المحيط من الأصدقاء أو الأقارب أو الأسرة، ونواة لا تتعامل بــ "ردات فعل" لما يشاع عنها من اتهامات مضللة ودعايات لتشويه السمعة على كل الأصعدة، نواة تتصف بالحكمة.
- التحلي بالصبر والشجاعة
التغيير الاجتماعي لا يأتي بضربة حظ، بل هو مسارٌ طويل تراكمي بطيء، يحتاج إلى طول نفَس، وحين يكون هذا الحراك الساعي للتغيير الاجتماعي قائماً على مبادئ الحق والعدالة والرغبة في التنمية الحقيقية، فإنه لا بد أن يثمر نتائج إيجابية، لكن بعد طول مسير.
هذه الحقائق تستدعي صفات خاصة لدى القوى المتصدّرة لهذا الدرب، أهمها الشجاعة، ذلك أن القوى المضادة ستلجأ نتيجة هشاشتها الفكرية إلى محاولات إثارة الخوف داخل المجتمع، خوف تعتقد هذه القوى أنه سيدفع بعضًا إلى النزول من قطار التغيير المندفع بسرعة أحياناً، لكنه يُبطئ أحياناً أخرى، لأسباب تختلف بين فينةٍ وأخرى.
هذه المعطيات تحتّم على قوى التغيير ونواتها الصلبة التكاتف، والإيمان بنوايا الأعضاء، وعدم الالتفات لحملات التحريض والتشويه، والدفاع عن بعضهم البعض في الحضور والغياب، وقبل كل ذلك التحلي بالصبر؛ إلى جانب كون هذه المسارات تكون طويلة وفيها عثرات ومعيقات وتتداخل فيها مصالح البعض.
وحين تتحقق هذه الشمائل، سوف تبدأ الجبهة المضادة بالتصدع، نتيجة ارتكاب الأخطاء والتخبط في القرارات، ويبدأ زوال الغشاوة عن عيون البعض، التي كانت تشوّش الرؤية جراء التضليل.
- القدرة على التخطيط
إن ساعة من التخطيط الصحيح، ورسم مسارات التحرك، تعادل أيامًا وأسابيع من العمل العشوائي غير المخطط. وتساعد عمليات التخطيط في تعرف القائمين على الحراك الاجتماعي على بعضهم بشكل أوضح، ما يساعد في توجيه الأفكار ووضعها في إطارها الصحيح.
وبقدر أهمية التخطيط، يأتي الالتزام بمتابعة وتنفيذ ما يُتخذ من قرارات وخطوات تحرك دون تردد.
ومع كل خطوة، لا بد من مراجعة النتائج وإعادة دراسة الخطط من جديد، وإجراء التعديلات في ضوء النتائج المتحققة وبناءً على المعطيات المستجدة، سواء كانت سلبية أم إيجابية. ومع مراكمة الخطط، ومتابعة تنفيذ القرارات، تبدأ العملية تؤتي أوكُلها.
- استخدام أدوات الضغط
تعمل الجهات المضادة لأي حراك اجتماعي مطلبي عادل على إيهام الناس بقدراتها وعلاقاتها، التي تستطيع بها فرض سطوتها على بسطاء الناس، وتوهمهم بأنها قادرة على الإيقاع بأي خصم، لأنها ذات نفوذ، يصل إلى أعلى المستويات، وتنسج حولها هالةً من القوة الوهمية، مستغلةً غياب المعلومات والمعرفة عند عامة الناس.
وتكون هذه هي بعض أدوات الضغط التي تستعملها، وهنا تأتي أهمية أن تؤمن قوى التغيير بقدراتها وعلاقاتها لتفعيل كل الأدوات الممكنة من أجل خلق ظروف ضاغطة تساعدها على الانتصار في تحركها، مع الأخذ في الاعتبار أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، التي أثبتت أنها وسيلة فعالة لرفع الوعي لدى الجمهور المستهدف، إذ تعمل القوى المضادة بكل قوتها لتحييدها، إلا أنها أداة مهمة إذا ما اُستخدمت بالطريقة الصحيحة، لإيصال الرسائل ونشر الوعي بما يجري في هذا المكان من العالم أو ذاك.
أثبتت التجربة أهمية التوجه للمؤسسات الحقوقية على اختلاف أدوارها، وطرق أبواب الجهات الحكومية ومؤسسات الحكومة المختلفة، حيث لا بد من تقديم رواية الحراكات الاجتماعية بصورة مهنية شفافة وصادقة لكل هذه الجهات، لأنها في النهاية سوف تجد نفسها في صف الحق بعد أن كانت واقعة أمام تضليل وتغييب للمعلومات الحقيقية.
ولا بد هنا من التأكيد على أمثالنا الشعبية التي تقول: "في الحركة بركة" وتقول: "إن الله لا يسمع من ساكت".
في خضم الحراك الاجتماعي سوف تكتشف أن هناك شبكة علاقات واسعة يمكنك أن تلجأ إليها وتثق بها وبوقوفها معك، وكل علاقة لها دور، ويكفي أن يكون بعضٌ مساعداً لك على نقل الحقيقة.
والإعلام واحدٌ من أهم وسائل الضغط، خاصة حين يدرك ويقتنع بعدالة قضية يناضل الحراك الاجتماعي من أجلها، إنه سلطة بكل ما للكلمة من معنى، ويمكنه أن يشكل وسيلة ضغط هائلة على أولئك الذين يناصرون القوى المضادة. وسيساعد الإعلام على عدم التسليم بأن لدى القوى المضادة علاقات تستطيع بواسطتها أن تؤذي، عندئذ لن تلتفت لمحاولات بث الرعب والخوف، وستكتشف في مسيرك وبرسالة الحق التي تحملها أن قوة هذا الحق ستجبر الكثيرين على الاستماع لك ليكون للصحافة، والمؤسسات القانونية دورًا مهمًا في معركتك "معركة الانتصار للحق".
ولكن، تكون الجماهير المساندة هي الأداة الأكثر أهمية في تحقيق أهداف الحراك والانتصار. وحين تدرك قوى التغيير هشاشة القوى المضادة وتحشد معها الجمهور سوف تصل معه إلى نقطة اللاعودة في مسيرة الانتصار، وكل ذلك سوف يقود إلى خلق حالة من الدفع نحو الوصول بالجمهور ومع الجمهور إلى تحقيق الهدف، بواسطة ثورة أساسها معركة وعي وحق وقانون، لتنتزع بها التغيير.