باريس/ آفاق البيئة والتنمية:
أكّد تقرير للأمم المتحدة عن تبعات التغير المناخي صدر في مارس/ آذار الماضي أن تزايد ظواهر الطقس الحادة التي تتسبب بضحايا تسير بوتيرة أسرع من استعدادات العالم، محذراً من أن فجوة التكيف ستستمر بالاتساع مع المعدلات الحالية لخطط التكيف وتنفيذها.
وأصبح إيجاد طرق للحد من تداعيات الاحترار المناخي (ارتفاع درجة حرارة الأرض) أمراً ملحّاً، سواء بواسطة الزراعة المستدامة أم المحاصيل المهندسة وراثياً لتعزيز الأمن الغذائي، أم عبر استعادة غابات المانغروف، أم بناء سدود بحرية لمواجهة ارتفاع مستوى المحيطات، أم بإنشاء ممرات خضراء في المدن، أم باللجوء إلى نظام تكييف الهواء لتخفيف موجات الحر القاتلة.
ويدق تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" المؤلف من 3650 صفحة ناقوس الخطر بشأن فشل خطط وُضعت للتعامل مع التبعات المناخية، مطلقاً على هذه المسألة مصطلح "سوء التَكَيُّف".
ويقول إد كار، الأستاذ في جامعة كلارك الذي تولى إدارة إعداد فصل من التقرير "تبيّن لنا أن مشاريع التكيّف غير فاعلة في حالات كثيرة"، مشيراً إلى أن "بعضها جعل الأمور تسوء". وعلى سبيل المثال، قد يساعد بناء سد لمنع الفيضانات في المدن في حماية منطقة صغيرة لفترة زمنية محدودة.
وشرحت فريدريكا أوتو من جامعة "إمبيريال كولدج لندن" أن "أي إجراء يؤدي إلى عواقب سلبية ويجعل الأمور أسوأ على المدى البعيد، يندرج في إطار سوء التكيّف".
وترى أوتو أن الناس لا يدركون غالباً دور الخيارات السيئة في الكوارث، كبناء منازل في سهل معرض للفيضان مثلاً.
وتضيف في مقابلة: "الاكتفاء بإلقاء اللوم على التغيّر المناخي يؤدي إلى سوء تَكَيُّف".
وتنتج عن التدابير المتخذة لمواجهة ظواهر التغير المناخي عواقب غير مقصودة في بعض الأحيان.
وأجرى اكوامي أوسو- داكو، الأستاذ المساعد في جامعة وِست فلوريدا، تحقيقاً عن عواقب إقامة جدران بحرية أمام قرية صيد صغيرة قرب مصب نهر فولتا في غانا لمنع تآكل الشواطئ الناجم عن العواصف وارتفاع منسوب المياه. وتبيَّن له أن تشييد هذه الجدران البحرية تمخض في البداية عن نتائج إيجابية، إذ عملت على نحو جيد لدرجة أن مطوّراً عقارياً مُهماً استثمر الأرض بالتعاون مع الحكومة المحلية وبنى شاليهات فخمة.
لكنه أضاف: "الأشخاص الذين كانوا يعيشون هناك طُردوا من الأرض"، واصفاً النتيجة بأنّها مثال على "انتهازية سوء التكيف".
واعتبر تقرير الهيئة الأممية أن الأمر لم ينطوِ على ظلم فحسب، بل قد لا يعطي أيضاً النتيجة المستدامة المتوخاة. وأضاف أن الجدران البحرية والسدود وبوابات التحكم في الفيضانات "تُوجِد ارتهاناً طويل الأمد للهشاشة والمخاطر التي يصعب تغييرها وتنطوي على كلفة كبيرة.
وقال أيضاً: "فيما يمكن للإنشاءات ذات الهندسة الصلبة أن تحمي من الكوارث إلى حد معين، فإنها تحمل كذلك وهماً بعدم وجود مخاطر".
ويمثّل نقص البيانات مصدراً آخر لسوء التكيّف. وقال محمد أدو، مؤسس مركز "أفريكا باور شِفت"، أن "من الممكن التكيّف فقط مع الأمور التي تتوافر معرفة بها"، مضيفاً "لا نعرف في أفريقيا مثلاً إلّا القليل، فكيف تنشئ أنظمة إنذار مبكر لظواهر الطقس الحادة دون بيانات؟".
ومع أن البُنى التحتية الحديثة من طرق ومبانٍ وأنظمة صرف صحي يفترض أن تخدم أهداف التنمية والتكيف على السواء، قد لا تتناسب إنشاءات كثيرة مع عالم قد ترتفع درجة حرارته 1.5 درجة مئوية، ويمكن أن يصل هذا الارتفاع إلى درجتين أو ثلاث درجات مئوية مقارنةً بمستويات عصر ما قبل الصناعة، حسب الخبراء.
وارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض حتى الآن 1.1 درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه في هذا العصر.
وقال باتريك فيركوين من المركز العالمي للتكيف: "يحدث سوء التكيف عند محاولة حل مشكلة ما وينتهي الأمر بالتسبب في مشكلة أخرى".
وبيّنت دراسة أجريت على أكثر من 300 مبادرة للتعامل مع التغير المناخي ذُكرت في التقرير الاممي، أنّ ثلث هذه المبادرات قد تحمل عواقب غير مقصودة وسلبية.
وأظهر تحليل مفصّل لثلاثة مشاريع في كمبوديا لتعزيز الري وحماية الغابات وزراعة الأشجار أنها انطوت على "انتهاك حقوق المجتمعات المحلية وتدمير الموائل الحيوية".
ولاحظ التقرير "تجاهل المانحين الدوليين والسلطات الوطنية على السواء" لاحتمال حدوث سوء تكيف. وتتكرر أنماط أخرى من سوء التكيف خصوصاً في جنوب الكرة الأرضية.
ويُروى 80% من الأراضي المستخدمة لزراعة المحاصيل الغذائية بمياه الأمطار، وهي عرضة بالتالي لموجات الجفاف التي تفاقمت بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
ويمثّل الريّ استجابة التكيف الأكثر شيوعاً للجفاف، لكنّ هذا الحلّ الحيوي المحتمل يمكن أن يسبب مشاكل ترتبط به. ذلك لأن استخراج المياه الجوفية للريّ يؤدي إلى استنفاد طبقات المياه الجوفية، ما يجعل المياه غير مناسبة للاستهلاك البشري ويفاقم ظروف الجفاف.
أما بالنسبة إلى موجات الحر، فيمكن أن يمثّل اللجوء إلى تكييف الهواء حلّاً منقذاً للحياة، خصوصاً في مناطق يُتوقع أن تشهد زيادة فيما يُطلق عليه أيام الحر القاتلة.
وقال التقرير في هذا الإطار: "على المستوى المجتمعي، إن تكييف الهواء غير تكييفي لأنه يتطلّب الكثير من الطاقة ويُقترن بانبعاثات الغازات، وخصوصاً في المدن ذات الكثافة السكانية العالية". وتكييف الهواء باهظ الثمن كذلك، إذ وجدت دراسة أجريت في العاصمة الفيتنامية هانوي أن بعض الأشخاص لا يستخدمون مكيفات الهواء لأنّ تشغيلها مُكلف جداً.
ولم تولِ مفاوضات الأمم المتحدة في شأن المناخ التي انطلقت قبل ثلاثين عاماً اهتماماً بمسألة التكيّف بهدف الحد من انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.
لكنّ قمة "كوب-26" التي عُقدت في غلاسكو الخريف الماضي، ساعدت في استعادة التوازن، وأطلقت عملية مدتها عامان لتحديد أهداف التكيّف وتوفير التمويل اللازم.
وقال أدو: "ينبغي النظر إلى مؤتمر شرم الشيخ المقبل على أنه مؤتمر الأطراف للتكيّف"، في إشارة إلى الاجتماع المناخي المعتزم عقده نهاية العام في مصر.
وسيمثّل تجنب أنواع سوء التكيف التي ركّزت عليها "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي" في تقريرها الهدف الرئيس للعملية السياسية.
المصدر: AFP