خاص بآفاق البيئة والتنمية
بيوتٌ متهالكة تغرق، وأطفالٌ أمام أبواب مدارسهم أصابهم الذعر حين وصلت مياه الأمطار لمستوى أجسادهم الغضة في أثناء عبورهم الطريق، فيما أظهرت الأمطار سَوءة الحفر.. ويا له من مشهدٍ يندى له الجبين. طفت المياه لتُغرق أكثر الشوارع الرئيسة في القطاع اكتظاظاً وحيوية، حتى وصلت إلى بعض الأحياء السكنية، الأمر الذي فاقم معاناة الغزيين المتزايدة، بسبب الحصار والحروب الإسرائيلية والتي كان آخرها العام المنصرم، وتسبّبت في تدميرٍ وانهيارٍ شبه كامل للبنية التحتية في القطاع.
|
 |
المنخفض الجوي يُغرق ضعفاء غزة |
انهمرت الأمطار بغزارة في منخفضات فصل الشتاء الماضي، وفاجأتنا بأسوأ مما كنا نتوقعه.
كان مشهدًا يندى له الجبين؛ بيوتٌ متهالكة غرقت، وأطفال أصابهم الذعر حين وصل الماء لمستوى أجسادهم الغضة، في أثناء عبورهم الشوارع حيث تقع مدارسهم.
في تلك المنخفضات الجوية أظهرت الأمطار سَوءة الحفر، عندما طَفت المياه في شوارع قطاع غزة الرئيسة التي تشهد عادة اكتظاظاً حتى وصلت إلى بعض الأحياء السكنية، مما فاقم معاناة الغزيين، الذين يعيشون ظروفًا قاهرة منذ سنوات بسبب الحصار والحروب الإسرائيلية لا سيما الأخيرة، التي ساهمت في تدمير البنية التحتية للقطاع.

غرق منازل غزة جراء الأمطار الغزيرة
يبدو المواطن محمد الكحلوت حانقًا وهو يبث شكواه لــ "آفاق البيئة والتنمية" قائلًا: "كدتُ أن أفقد طفلي الذي لم يتجاوز ثماني سنوات، حرفيًا كاد أن يغرق أمام باب مدرسته".
ولا يعرف من هو المخطئ أو المقصر، لا يهمه إن كانت البلدية أو إدارة المدرسة، كل ما يهمه سلامة طفله، مضيفاً: "أنزعج كثيراً كلما تذكرت كيف غمرت المياه جسد صغيري، وأحمد الله ألف مرة على نجاته".
موقف الكحلوت تبناه أيضًا متضررون آخرون، فأصابع الاتهام بالتخاذل والتقصير وجهّها أيضًا مواطنون غرقت بيوتهم بعد هطول الأمطار إلى البلديات، مُجمعين على أن "البلدية ليس لديها الاستعدادات الكافية للتعامل مع الأزمة"، وفي الوقت نفسه طالبوا بتشكيل "لجنة تحقيق" للوقوف على أسباب غرق المدينة وإلقاء حياة أطفال المدارس في مرمى خطر الغرق.
وها هو سامي قويدر يحكي لنا قصته: "استيقظنا في منتصف الليل؛ وإذ بمياه الأمطار تقتحم المنزل وتضعنا في موقف لا نحسد عليه. وقفت مذهولاً، ربّاه ماذا أفعل! أَأحمل أطفالي وأهرب أم أطلب النجدة من الجيران، لكني خفت الخروج من المنزل وترك أسرتي حتى لو للحظة، فسارعت إلى التواصل مع طواقم الدفاع المدني، التي وصلت بعد وقت قصير وسحبت المياه، وما هي إلا ساعات وعادت المياه تخرج من بلّاعات المنزل وسقفه المتهالك؛ فقررت تركه والمبيت عند أحد الأقارب، لقد استرجعنا مشهد نزوح الفلسطينيين في الحروب والنكبة".
وناشد قويدر الجهات المختصة بضرورة التحرك لإصلاح ما دمرّه الاحتلال قبل فوات الأوان، "ومنع حدوث أي مجزرة قد تحصل بحق أطفالنا مستقبلاً".

غرق أطفال المدارس نتيجة سقوط سيول من الأمطار في قطاع غزة
المنازل المهدمة قبل البنية التحتية
في كل فصل شتاء تلحق بالبنية التحتية أضرارًا طفيفة، إلّا أن هذا العام كان حجم الضرر في قطاع غزة كبيرًا بل مهولًا، وكاد أن يودي بحياة الكثير من الأطفال، فضلًا عن تعطيل حركة المرور وإعاقة حركة المشاة، كما أن أغلب المؤسسات الحكومية والخاصة توقفت عن العمل.
الأمطار الأخيرة كشفت مدى هشاشة البنية التحتية، التي لم تكن تنقصها حربًا شرسة اندلعت في أيار2021، فوضعتها "إسرائيل" من ضمن أهدافها الرئيسة، بقصفها الشوارع والطرق الواصلة بين محافظات القطاع، وتركزّ الاستهدافات على البنية التحتية، ما أدى إلى تدمير شبكات الصرف الصحي، وخطوط المياه الناقلة.
والمؤسف أنه منذ ذلك الوقت فإن خطى إعادة إعمار البنية التحتية تسير على استحياء ودون المستوى المطلوب.
في حين يؤكد سلامة معروف رئيس مكتب الإعلام الحكومي أن المؤسسات والدول المانحة لديها رغبة في إعادة بناء المنازل المهدمة، وفي مرحلة لاحقة ستتجه نحو إعمار وإصلاح البنية التحتية المدمرة، وهذا التوجه يخالف ما ترغب به الجهات الحكومية في غزة، كونها تعاني آثار الواقع المزري، وحسب رأيه: "كان من الأوَلى أن تُصلح الطرقات وشبكات المياه والصرف الصحي، لينتقل الإعمار بعدها للمنازل على أسس صحيحة".

غرق تلامذة المدارس نتيجة سقوط سيول من الأمطار في قطاع غزة
أكبر من طاقتنا
لم يكن المواطنون- على ما يبدو- مطمئنين لإعلان البلدية سابقًا إتمامها للاستعدادات اللازمة للتعامل مع حالات الطوارئ في مطلع موسم الشتاء، إلا أن المشاهد المؤلمة لطلاب المدارس الذين اُضطروا لعبور الشوارع الممتلئة عن آخرها بالمياه المتجمعة، أكدت أنهم كانوا محقين في قلقهم.
يقول حسني مهنا، المتحدث باسم لجنة الطوارئ في بلدية غزة لـــ "آفاق البيئة والتنمية" إن "البلدية حذَّرت مراراً وتكراراً من خطورة عدم إعادة الإعمار للبنية التحتية قبل إعمار أي شيء آخر، وإعادة تأهيلها بعد العدوان الأخير "لكن لا حياة لمن تنادي" على حد تعبيره.
سألناه عن مستوى جهوزية البلدية لمواجهة آثار الأمطار ومدى تحملها للمسؤولية في هذا الجانب، وكان جوابه: "نعم كنا حقًا على أهبة الاستعداد، لكن الكميات الكبيرة من الأمطار التي لم نشهدها منذ سنوات مثلّت تحدياً أكبر من طاقتنا".
وناشد مهنا المؤسسات المدنية بضرورة العمل على تثقيف المجتمع وتوعيته بخصوص الحفاظ على شبكات التصريف بواسطة عدم إلقاء المواطنين للأكياس البلاستيكية والزجاجات الفارغة في الشوارع، لأن هذه النفايات تساهم في إغلاق فتحات التصريف، ما يسبب غرق بعض الشوارع".

غرق طلاب المدارس نتيجة سقوط سيول من الأمطار في قطاع غزة
وأعرب عن أسفه للاعتماد على بعض الشبكات شبه المتهالكة والتي بعضها يزيد عمرها على 50 عاماً، فيما لم تُجدد بسبب رفض الاحتلال إدخال المواد اللازمة عبر معابر القطاع.
وأضاف مهنا: "بعد الحرب الأخيرة وجدنا حفراً تحت الأرض بعمق (5-10) أمتار لم يجرِ صيانة أغلبها بعد، وذلك بسبب انعدام توافر الأدوات المتطورة لدى البلدية".
ومن جهة أخرى، يقول أدهم البسيوني المتحدث باسم وزارة الزراعة في غزة، إن كمية الأمطار التي هطلت على قطاع غزة في الشتاء الفائت فاقت التوقعات، فقد بلغت نسبة الأمطار ما يفوق الــ 150 مليمتراً، وهذه الكميات أكبر من القدرة الاستيعابية، حتى أنها لم تهطل على القطاع منذ سنوات طويلة.
ويضيف البسيوني: "رغم ما سبّبته الأمطار من خسائر إلا أن هذه الكميات الوفيرة من المياه، مبشرة ومشجعة للقطاع الزراعي على وجه التحديد، لذلك وزارة الزراعة متفائلة بموسم زراعي قادم إنتاجيته عالية".
وأوضح البسيوني أن نسبة هطول الأمطار تجاوزت ما نسبته 59٪، وبكمية تقدر ب 10 مليون متر مكعب، وإجمالي الكمية منذ بداية فصل الشتاء وصلت حتى 68 مليون متر مكعب.
ويبقى السؤال الذي لا يفتأ يراوح مكانه كل عام "تُرى هل سنشهد تحسناً وإصلاحاً للبنية التحتية قبل قدوم الشتاء المقبل، أم سنستمر في الإشفاق على حال البيوت والشوارع التي تغرق".

غرق منازل في غزة جراء الأمطار الغزيرة