م. عام الأرصاد الجوية الفلسطينية: مسودة قانون لتنظيم عمل الراصدين والهطول المكثف لا يلائم بنيتنا
مدير عام الأرصاد الجوية م. يوسف أبو أسعد درس الأرصاد الجوية في جامعة إسطنبول التكنولوجية، وعمل خمس سنوات باحثًا في المياه بمعهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، وتحوّل إلى الأرصاد الجوية الفلسطينية مديراً لدائرة الدراسات والأبحاث سبع سنوات، وفي عام 2007 أصبح المدير العام للأرصاد الفلسطينية، وأكمل دراسته العليا في هولندا في هندسة البيئة، وربط خلالها ما يحصل في الجو بطبقات الأرض، من خلال الخزانات الجوفية المائية والهيدرولوجيا. حاورت (آفاق البيئة والتنمية) أبو أسعد، قبل أيام من دخول الشتاء، واستهل الحوار برسالة للمواطنين مفادها تلقي المعلومات الطقسية من مصدرها الرئيس، وعدم الانجرار وراء شائعات الهواة، الذين يهولون، ويضخمون لأغراض تجارية. واستعرض المُحاوَر بدايات الأرصاد التاريخية، وعوائقها، وأمطار فلسطين، وحالات عدم استقرارها الجوية، وبيانات لافتة من مطرها اللافت، وما يرافق المنخفضات العنيفة من تعطيل للحياة أحيانًا.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
دخل عشق الشتاء قلب مدير عام الأرصاد الجوية م. يوسف أبو أسعد في وقت مبكر من طفولته، فبعد ميلاده ببلدة إذنا بمحافظة الخليل صيف 1962، وتلقيه الدراسة الثانوية في ترقوميا، انتقل لدراسة الأرصاد الجوية في جامعة إسطنبول التكنولوجية، وعمل خمس سنوات باحثًا في المياه بمعهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، وتحوّل إلى الأرصاد الجوية الفلسطينية مديراً لدائرة الدراسات والأبحاث سبع سنوات، وفي عام 2007 أصبح المدير العام للأرصاد الفلسطينية، وأكمل دراسته العليا في هولندا في هندسة البيئة، وربط خلالها ما يحصل في الجو بطبقات الأرض، من خلال الخزانات الجوفية المائية والهيدرولوجيا.
واستذكر دراسته الابتدائية والإعدادية حين كان يذهب كل أسبوع إلى مدينة الخليل، وانتسب لمكتبتها العامة في سن مبكر، وأقبل على استعارة الكتب المتصلة بالغلاف الجوي، وتشكل عنده حب هذا العلم، وبعد سفره إلى تركيا درس الطب أول الأمر، وعقب أول تدريب في مستشفياتها لأسبوعين، ابتعد عن الطب، وعاد إلى الأرصاد الجوية، التي عشقها. وقبلها وخلال وجوده في الأردن عمل فترة مع الراصدين محمد البطاينة والمرحوم هيثم الشاعر، وارتبط بصداقات معهما، واكتسب من خبراتهما، وشجعه ذلك على الاستمرار في الرصد الجوي.
حاورت (آفاق البيئة والتنمية) أبو أسعد، قبل أيام من دخول الشتاء، واستهل الحوار برسالة للمواطنين مفادها تلقي المعلومات الطقسية من مصدرها الرئيس، وعدم الانجرار وراء شائعات الهواة، الذين يهولون، ويضخمون لأغراض تجارية.
واستعرض المُحاوَر بدايات الأرصاد التاريخية، وعوائقها، وأمطار فلسطين، وحالات عدم استقرارها الجوية، وبيانات لافتة من مطرها اللافت، وما يرافق المنخفضات العنيفة من تعطيل للحياة أحيانًا، وغيرها من شؤون... وفيما يلي نص اللقاء:

تاريخ وأرصاد
كاستهلال، متى وكيف بدأ الرصد الجوي في فلسطين؟ وهل هناك بيانات تاريخية توثق ذلك؟
فعليًا، بدأ الرصد الجوي منذ العهد العثماني، وكانت هناك بعض المحطات لقياس كمية الأمطار المتساقطة، ولدينا بيانات تاريخية منذ عام 1900 لمحطة مطرية في مدرسة دير تل زياد في بيت لحم. وخلال الانتداب البريطاني كانت محطات رصد جوي يدوية يشرف عليها مختصون يجمعون بيانات حول الحرارة، والرطوبة، والأمطار، والضغط الجوي، واستمر ذلك حتى عام 1948، وفي الفترة الأردنية والمصرية أديرت محطات رصد جوية في الضفة الغربية وغزة، وكانت هناك تسجيلات لسنوات عديدة، كما في الخليل ونابلس وطولكرم والعروب. بعدها تعاونا مع الأرصاد الجوية الأردنية والمصرية لاسترجاع كافة البيانات المناخية، التي جرى توثيقها قبل عام 1967، وراسلنا الأرصاد الجوية البريطانية لاستعادة البيانات قبل عام 1948، وحصلنا على رد إيجابي لتزويدنا بتلك البيانات إلكترونيًا، وبعد قيام السلطة الوطنية طورنا محطات الرصد الجوي، ونشرناها في مختلف المحافظات. واليوم نمتلك بيانات منذ عام 1951 وحتى اليوم، وجرى تخزينها في قاعدة بيانات الأرصاد الجوية.

ما أبرز البيانات اللافتة خلال السنوات الماضية؟
خلال الموسم المطري 1991/ 1992 كانت هناك قراءات قوية جدًا خاصة بتساقط الأمطار وسماكة الثلوج، إذ وصلت كمية الهطول، وهي القصوى في تاريخ محطة نابلس، إلى قرابة 1600 مليمترًا، وفي الخليل حوالي 1300 مليمترًا وتجاوزت سماكة الثلوج المتر في مرتفعات الخليل ورام الله والقدس وبيت لحم.
على أبواب الشتاء، وفي كل عام تصدر توقعات طويلة الأمد للموسم تعطي مؤشرات عامة، ماذا عن توقعات الموسم المطري القادم؟
يجري عادةً التنبؤ الجوي في فلسطين وفي أي مكان من ثلاثة إلى خمسة أيام، وهي مدة قصيرة المدى، لكن في التوقعات الموسمية تؤخذ البيانات الطقسية السنوية خلال 30 عامًا، ومن ثم تعالج بنماذج عديدة مخصصة للخروج بسناريوهات للحالة المتوقعة لموسم أو لأكثر، غير أن نتائجها غير دقيقة ولا يُعتمد عليها، ولا تتعدى نسبة صحتها بين 20-30% في أحدث النماذج العددية العالمية.
وقد أطلعنا وحللنا بعض النماذج والبيانات للموسم الحالي، وخرجنا بنتائج ومؤشرات لا يعتمد عليها، فمثلًا الأمطار المتوقعة ستكون أعلى من المعدل السنوي بنحو 50%.
تنتشر دائمًا شائعات وتهويل حول الشتاء القادم والثلوج والعواصف، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على هذا الوضع. بأي الطرق تواجهون ذلك؟ وما الوضع الأمثل للتوقع الجوي؟
نتعاون كل عام مع وزارة الإعلام لإصدار تعميم من خلالها لكافة وسائل الإعلام المختلفة، ليجري الالتزام بالنشرة الجوية الصادرة عن دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية، كونها جهة الاختصاص، ولا تلتزم بعض وسائل الإعلام بهذا. وقد عملنا على قانون ينظّم عمل الأرصاد الجوية، وجرى تسليمه لوزير النقل والمواصلات، ومن ثم لمجلس الوزراء، ولم يجر اعتماده حتى الآن.
ودائمًا ننصح المواطنين بالاعتماد على النشرات الجوية من مصدرها الرسمي، ونؤكد أنه لا يوجد هناك أي مختص في علم الأرصاد الجوية، ولم يتقدم لنا أي أحد بطلب وظيفي يحمل شهادة اختصاص في الرصد الجوي، وكل هواة الطقس ليسوا بمختصين، ولا يملكون أجهزة ومعدات التي تؤهلهم لإصدار توقعات جوية، لأن المتنبئ يتشرط أن يكون قد أنهى دراسة الأرصاد الجوية، وتدرب على أعمال التنبؤات من عامين إلى ثلاثة في مراكز إقليمية تابعة لمنظمة الطقس العالمية، حتى ينال شهادة متنبئ جوي. وفي فلسطين لا تخصص للأرصاد الجوية، لكن العلوم القريبة هي الرياضيات والفيزياء، وتم ابتعاث موظفين في التخصصين إلى مراكز إقليمية في المغرب ومصر، وجرى تأهيلهم في مجالات الأرصاد والتنبؤات الجوية بعد تدريبات استمرت سنتين وثلاث.
هواة وتهويل
كيف تتعاملون مع العدد الكبير من مواقع الرصد الجوي غير الرسمية التابعة لهواة؟
سأجيب بسؤال: هل يجوز لي أنا يوسف أبو أسعد، فتح عيادة لمعالجة المرضى دون شهادة طبيب؟ نحن لا نمانع بوجود قطاع خاص في التنبؤات الجوية، ولكن أن يجري بطريقة منظمة مع الأرصاد الجوية، وأن يقف خلفه مختصون في الرصد والتنبؤ الجوي، ويمتلكون معدات وأدوات تؤهلهم مزاولة عملهم.
وبالمناسبة، مسودة القانون المطروح على طاولة مجلس الوزراء تنص على أن من يرغب بالعمل في الرصد الجوي عليه امتلاك شهادة في هذا المجال، وأجهزة ومعدات تساعده على ذلك.
كم عدد محطات الرصد الجوي، والمناطق التي تقاس فيها كميات الأمطار؟
لدينا أكثر من مئة محطة مطرية موزعة على مختلف محافظات الوطن في الضفة وغزة، ونملك 15 محطة رصد إلكترونية ترفد الدائرة ببياناتها كل ربع ساعة عبر شبكة الإنترنت، وتساعدنا في التنبؤ، والحوسبة، والتوثيق في قاعدة بيانات ترسل إلى الجهات الشريكة.
ما هو واقع دائرة الأرصاد الجوية من حيث الموارد البشرية والتقنيات؟ وما دقة توقعاتكم؟
نعاني نقصًا وعجزًا في المعدات لسببين، الأول نقص الموارد المالية والموازنات، والثاني أننا لسنا دولة تحصل على عضوية دائمة في منظمة الأرصاد العالمية، بل نحمل صفة مراقب، ويحق لنا طلب العضوية الكاملة في اجتماع الهيئة العامة للمنظمة، المزمع في أيار القادم.
ويحول الاحتلال دون وصول أجهزة ومعدات مثل الرادار إلى دولة فلسطين، وهناك بعض الأدوات والبرامج التي يمكننا إدخالها إلى فلسطين، لكن الصعوبات المالية تعيق ذلك، ونتعاون مع دول الجوار مثل تركيا وبعض الدول العربية، للحصول على خرائط لا يمكننا الوصول إليها بسبب عدم عضويتنا الكاملة في المنظمة الدولية، ونحللها ونصدر النشرة الجوية ذاتيًا.
نُقيّم دائمًا ما نصدره من نشرات جوية، ونغير ما يستجد، وعمومًا نحصل على دقة بنسبة 90% مما نتوقعه.
بنية تحتية
ما الخط الأحمر الذي لا نستطيع استيعابه ببنيتنا التحتية الحالية من هطول في منخفض واحد؟ وما أعلى هطول في فلسطين في أقصر وقت؟
في بعض حالات عدم الاستقرار الجوي تسقط الأمطار في موقع، ولا تسقط في مكان قريب منه، وفي السنوات الماضية سقطت كمية 70 مليميترًا في عنبتا، ولم يكن هناك أي طول مطري في طولكرم. وهذا الموسم، هطلت أمطار غزيرة في مدينة الخليل، ولم تسقط في المناطق المجاورة لها.
وأيضًا، وخلال حالة عدم الاستقرار الماضية في تشرين الثاني، سجلت في بيت أولا كمية 85 مليميترًا خلال 4 ساعات.
وفي المدن المؤهلة، والتي لا توجد فيها أماكن لتصريف المياه، يكون هناك خطر تشكل السيول والفيضانات، ما يهدد المنازل لغياب بنية تحتية مؤهلة لتصريف الأمطار التي تهطل بغزارة خلال فترة قصيرة.
ومثلًا، إذا هطلت خلال 24 ساعة كمية 120 مليميترًا لن تحدث مشكلة، ولكن إذا ما هطلت كمية 50 مليمترًا في ساعة واحدة، يؤدي ذلك إلى سيول وفيضانات.
حين نقول مثلاً أن مجموع تساقط الأمطار 50 مليميترًا ماذا يعني هذا؟
حين نقول ذلك فإنه يعني أن كل متر مربع سقط عليه 50 لترًا، وأن الدونم الواحد قد استقبل 5 أمتار مكعبة.
يطلق البعض أسماء معينة على المنخفضات، كيف تعلقون على ذلك؟
لا أساس لذلك من الصحة أو العلم، المنخفضات الجوية لا تُسمى بأسماء، ولكن هواة الطقس حاولوا هذا. الأسماء تعطى فقط للأعاصير، التي تسمى نسبة إلى المنطقة التي نشأ منها الإعصار. وفي فلسطين لا أعاصير لدينا حمداً لله.
أمطار ومعدلات
ما هو المعدل الطبيعي لأمطار فلسطين؟ وكم عدد الأيام الماطرة فيها؟ وبماذا تتميز أمطارنا؟
تاريخيًا، وفي الأوضاع الطبيعية تقل كميات الأمطار كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب، وتقل أيضًا من الغرب إلى الشرق. وبحساب ما يرفد إلى الموازنة المائية والخزانات الجوفية، فإن المعدل 500 مليميترًا على مستوى الضفة الغربية، وفق الأرصاد الجوية وسلطة المياه.
ويعتمد عدد المنخفضات على الكتل الهوائية القادمة وحركة الغلاف الجوي، والمرتفعات الجوية التي تُسيطر على المنطقة وتحول دون تقدم المنخفضات، وعمومًا ليس بالوارد وجود عدد ثابت للمنخفضات.
ماذا عن رادار المطر، الذي لا نمتلكه؟
لا يساعدنا الرادار في توقع الهطول أو التنبؤ، بل يعطي حالة لتساقط الأمطار على المناطق المختلفة في فترة زمنية قصيرة. والرادار الإسرائيلي متصل بمجاري الوديان، حيث يتم احتساب كمية السيول، التي تغذي الخزانات الجوفية والسدود. وهو لا يخدم التنبؤات الجوية.
لو عدنا إلى الوراء، ما السنة الذهبية التي شهدتها فلسطين من حيث الثلوج والأمطار؟ وما السنوات الأقل؟
ما يشاع حول إحدى السنوات في عشرينيات القرن الماضي، ولكن ليس لدينا بيانات واضحة لتلك الفترة، وكل ما يقال ورثناه من قصص الآباء والأجداد. وكما أشرت، طلبنا من بريطانيا البيانات المناخية قبل عام 1948 لإدخالها إلى قاعدة البيانات المتوفرة حاليًا، وللاطلاع على الحالات الجوية منذ عام 1917 وحتى النكبة.
أمطار محلية
هناك مؤشرات على تكرار الأمطار المحلية جدًا، بمعنى أن المطر يكون في مناطق ضيقة النطاق، مقابل أجواء مستقرة ومشمسة في مواقع مجاورة. ما دلالات ذلك؟
تعتمد حالات عدم الاستقرار على نوع الغيوم المسببة للأمطار الغزيرة، وهي عادة الغيوم الركامية، التي تسبب الأمطار الغزيرة، وفي حالة عدم وجودها لن تسقط أية كمية، وهذا يختلف من منطقة إلى أخرى بشكل لافت جدًا.
ننتقل إلى التغير المناخي، ما الصورة الخاصة بفلسطين كما ترونها؟
التغير المناخي نتأثر به، ولا نؤثر فيه، أما الدول العظمى والصناعية فهي التي تسببه وتتأثر به، وينعكس على طبقة الأوزون والغلاف الجوي، ما يؤدي مستقبلًا إلى قلة في عدد الأيام الماطرة، وارتفاع درجات الحرارة، وتشكل سيول في مناطق، وحدوث جفاف في مناطق أخرى، وذوبان الجبال الجليدية، وارتفاع منسوب البحار والمحيطات، وهذه سيناريوهات لخبراء المناخ، ونحن في الأرصاد الجوية نميل إلى أن ما يحدث هو تقلبات جوية وليس تغيرات مناخية.
يتكرر في كل شتاء لغط حول تشويش المنخفضات الجوية للحياة، وإقفال المدارس، ولا يتكرر هذا في دول تستقبل أمطارًا تتجاوزنا بأضعاف. ما السبب؟ وما الحل؟
درست في أوروبا، وعشنا في ظل أمطار غزيرة وثلوج، ولكن الحياة كانت تسير على ما يرام، لكن في فلسطين عندما تتشكل حالة جوية يبدأ هواة الطقس بالتهويل، وتُقفل المدارس أبوابها دون الرجوع إلى الأرصاد الجوية الرسمية، ونسمع قرارات ارتجالية، بالرغم من صدور توجيهات من رئيس الوزراء بأن الأرصاد الجوية هي المرجع الوحيد لمعلومات الطقس، ومن المفروض أن تأخذ وزارة التربية والتعليم معلوماتها منا حول الدوام من عدمه، ولكننا نعود ونؤكد بأن الحالات الجوية التي سادت فلسطين ليست غريبة، وإذا حدثت حالات عنيفة في أوروبا مثلًا لا تتأثر الحياة، والسبب أن البنية التحتية عندنا غير مؤهلة لمواجهة حالات عنيفة.
ولن نأخذ أي قرار يُعطّل الحياة، إلا إذا تجاوزت الثلوج حدًا لا يمكن معه التنقل، أو في الحالات التي تلي تساقط الثلوج وتشكل الجليد، وتفاديًا للحوادث وفقدان الأرواح، نعلن حينها عن عطلة، وهذا لا يحدث في أوروبا ودول أخرى، حيث يضع السائقون السلاسل على العجلات، وتكون البنية التحتية مؤهلة.