خاص بآفاق البيئة والتنمية
في الوقتِ الذي تعملُ به قواتُ الاحتلال على تقطيعِ أوصال المدن والأرياف الفلسطينية بإقامة التجمعات الاستيطانية ووضعِ السواتر الترابية والمكعباتِ الإسمنتية والبواباتِ الحديدية، تتركُ يد مستوطنيها ليواصلوا اقتلاع وحرقَ الأراضي الفلسطينية، بهدف قطعِ تواصل الفلسطيني مع أرضه، وإحلال المستوطنين محلَّهم من خلال قطعِ أشجارِ الزيتون وحرقِها والاستيلاءِ على الأرض والاعتداءِ على المزارعين الفلسطينيين وطردِهم من أراضيهم. بل إن المسجد الأقصى ومحيطه وباحاته لم تسلم من العدوان الإسرائيلي في العقود الماضية وحتى اللحظة، إذ أن العديد من أشجار المسجدِ الأقصى المعمرة في الجهةِ الغربية سقطت بشكلٍ مفاجئ، ويُعزى السبب لحفريات الاحتلالِ التي قطعت جذور هذه الأشجار، أو لاستخدامِ "إسرائيل" مواد سامة تفتت التربة، وتسهّل عليها الحفر، علمًا أن سلطات الاحتلال تمنع إعادةَ زراعة أشجار جديدة في باحات المسجد.
|
|
احتراق شجرة السرو العمودي الإيطالي في باحات المسجد الأقصى المبارك ليلة الإثنين العاشر من أيار 2021 وفي ذروة العدوان على أهالي الشيخ جراح في القدس |
نجحت قوات الاحتلال بعد الخامس عشر من أيار 1948 وما سميّ بعامِ النكبة، في اقتلاعِ جزءٍ كبيرٍ من أبناءِ الشعبِ الفلسطيني وتهجيرِهم من قراهُم وبلداتِهم بعد هدمها أو الاستيلاءِ عليها ، ونجحت إلى حدٍ ما في تغييرِ العديدِ من المعالمِ الجغرافية العربية وتهويدِها، واستطاعت قواتُ الاحتلالِ أن تحرقَ وتقطعَ الأشجار لكنها لم تستطعْ أن تطمسَ البيئةَ الفلسطينية، وعجزت أيضًا عن تزويرِ تاريخِ وحكاياتِ النباتاتِ البرية والأشجارِ الفلسطينية التي تمتازُ بها هذه الأرضُ المباركة والتي كانت مصدر رزقٍ لأبناءِ هذا الشعبِ من الزيتونِ الكنعاني العتيق، والتينِ والرمان والصبار والرتم والسدر وغيرِها.
ونظرًا لتميزِ فلسطين في تنوعِ الغطاءِ النباتي الناجم عن التباين الجغرافي والمناخي والطبيعة الخلابة وما يتصل بذلك من تفاوتٍ في معدلاتِ الأمطار وتوزيعِها على الأرضِ الفلسطينية، وتنوعِ التربة واختلافِ تركيبِها الجيولوجي، بالإضافة إلى الاختلافاتِ الواضحة في تضاريسِها الطبيعية، والتي تتباين ما بين مناطقَ صحراوية وجبلية، و إلى مناطقَ سهليةٍ ساحلية وغورية تنخفض 394 مترًا عن مستوى سطح البحر؛ ما أدى إلى وصف فلسطين بأنها متحفًا طبيعيًا يزخرُ بثروةٍ هائلةٍ تضم العديد من الأشجارِ الغابية والنباتات البرية والتي يقعُ معظمها ضمن نباتات حوضِ البحرِ الأبيضِ المتوسط ويزيد عددها الآن عن 2700 صنف؛ إضافة إلى العديدِ من الأصنافِ التي لم تُكتشف حتى الآن.
|
|
أشجار الزيتون في الطريق الى قبة الصخرة المشرفة |
أشجار الصنوبر الحلبي والسرو العمودي في باحات المسجد الأقصى |
رزق وبركة وصمود
في الوقتِ الذي تعملُ به قواتُ الاحتلال على تقطيعِ أوصال المدن والأرياف الفلسطينية بإقامة التجمعات الاستيطانية ووضعِ السواتر الترابية والمكعباتِ الإسمنتية والبواباتِ الحديدية، تتركُ يد مستوطنيها ليواصلوا اقتلاع وحرق الأراضي الفلسطينية، بهدفِ قطعِ تواصل الفلسطيني مع أرضِه، وإحلالِ المستوطنين محلَّهم من خلالِ قطع أشجارِ الزيتون وحرقِها والاستيلاءِ على الأرض والاعتداء على المزارعين الفلسطينيين وطردِهم من أراضيهم.
تعد شجرةُ الزيتون شجرةً معمِّرةً قديمة من عمرِ الأرض، وارتبطت بالإنسانِ الأول واكتشافِه للطبيعة والمفيدِ منها، ولمّا اكتشفها أعطته الغذاء والضوء والدفء وفنَ الطعام، وقد أصبح الزيت مقدّسًا نظراً لقيمتِه واستعمالاته وفائدته عند الشعوبِ القديمة فدخل في طقوسِ العبادة والأدوية والصناعاتِ الخفيفة وغيرِ ذلك، وما زال حتى يومِنا هذا، بل أصبح أكثر اهتمامًا ورعاية وتوسعًا.
ورد ذكرُ شجرةِ الزيتون وزيتِها في القرآنِ الكريم، وأوصى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم علاجا للبدن، وورد ذكرُها في ستّة مواضع بشكلٍ صريح في القرآن الكريم، حيث أقسم اللهُ تعالى بها في الآيةِ الأولى من سورةِ التين "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ". وفي الآيةِ العشرين من سورةِ المؤمنون "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ" كما وردت الآية "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء".".
أما في المسيحية، فقد وردت في عدةِ مواضع، بعهدَي الإنجيلِ القديم والجديد، واعتُبر زيتُ الزيتون في الإنجيل دواءً وشفاءً وغذاءً ونورًا وجمالًا وزينة، وجاء ذكرُه في سِفرِ الخروج عندما أعطى اللهُ الأمرَ لموسى عليه السلام، بحسب الإنجيل، "أمر بني إسرائيل بأَنْ يُقَدِّمُوا إِلَيْكَ زَيْتَ زَيْتُونٍ لإشعالِ السراج على الدوام". والزيت الطِيب قيامة يسوع - مرقس 16 : 1 " ولما مضى السبتُ، اشترتْ مريمُ المجدليةُ، وأمُ يعقوبَ، وسالومةُ، بعض الطيبِ ليدهنَّ ويسكبنَه على جسدِ يسوعَ ."
|
|
الباحث خالد أبو علي قرب شجرة البطم الأطلسي العملاقة الميتة أمام مدخل مكتبة الأقصى المبارك |
بجانب شجرة البُطم الأطلسي التي ماتت عام 2008 |
أشجار الزيتون في المسجد الأقصى المبارك
وفي السياق ذاتِه، فقد امتاز الأقصى بمساحتِه الكبيرة ويفاخرُ الرحالة المقدسي البشاري (ت: 990م ) بأنَّ الأقصى أكبر المساجد على وجه الأرض حينه، وأن أكثر الأشجار زراعةً حوله هو الزيتون، وتكثر هذه الأشجار بصفةٍ خاصة في الساحاتِ الشرقية للمسجدِ الأقصى والتي تكاد تخلو من معالمَ كبيرة.
كما يحتوي المسجدُ الأقصى وحده على أكثر من ستمائةِ شجرةٍ بموقعٍ مُقدّس في المسجدِ الأقصى يزيدُها قداسة وأغلبُها قديمٌ زرع منذ آلافِ السنين، وتُعد هذه الأشجار وقفًا إسلاميًا للمسجد لصالح ِالمسلمين على مرِّ العصور.
وقد قال المفسرون (مثل القرطبي وابن كثير) في آية "والتين والزيتون وطور سنين" إن الزيتونَ يرمزُ إلى بيتِ المقدِس، وذكر المؤرخ آوليا الجلبي وجودَ أربعةِ آلافِ قنديلٍ توقدُ بالزيتِ منتشرةً في أنحاءِ المسجدِ المبارك.
ويمثّلُ كتابُ "معالمِ المسجدِ الأقصى تحت المجهر" للباحث إيهاب سليم الجلاد، وثيقةً معرفيةً شاملةً ودقيقةً لمعالمِ هذا المسجد من خلالِ تسليطِ الضوءِ على كلِّ معالمِه وكنوزِه، وذلك عبر وضعِها تحت مجهرِ البحثِ التاريخي، فضلا عن ما تميّزَ به من ضمِّ عددٍ كبيرٍ من الصورِ التوضيحية والمخططاتِ والخرائطِ التفصيلية لهذه المعالم.
ويذكرُ الباحثُ الجلاد في كتابِه "ومن النباتاتِ المنتشرة في ساحاتِ الأقصى: الأقحوان، أشجارَ الورد، واللبلاب، والآس، وهناك أشجارٌ أخرى مثمرة، من نوعِ شجرِ الطوبى".
وإلى جانبِ ذلك هناك أشجارُ المحلب، والحور، والصفصاف، والرمان، وكذلك أشجارُ الأرزِ اللافتة للنظر، متوازنةُ الشكل.
كما توجدُ أربعُ شجراتِ سروٍ في منطقةِ "سبيل الكاس" زرعت في الفترةِ العثمانية. وقد سُمي عددٌ من معالمِ المسجد باسم الأشجارِ التي بجانبِها، فقبةُ موسى دعيت قبةَ الشجرة، وهناك مسطبةُ الصنوبر، ومسطبةُ الميس."
ويبيّن الباحثُ الجلّاد " أن العديدَ من أشجارِ المسجدِ الأقصى في الجهةِ الغربية سقطت بشكلٍ مفاجئ، وتمّت السبب لحفرياتِ الاحتلالِ التي قطعت جذورَ هذه الأشجار، أو لاستخدامِ إسرائيلَ موادَ سامةً تفتتُ التربة، وتسهّلُ عليها الحفر، علما أن سلطاتِ الاحتلال تمنعُ إعادةَ زراعةِ أشجارٍ جديدة في باحاتِ المسجد".
ويؤكّدُ القائمون على قسمِ الزراعة التابع لمديريةِ الأقصى المبارك والذي يشرفُ على بساتينِ المسجد وأشجارِه أن الاحتلالَ منع في العام 2016 إدخالَ مئتي فسيلةِ زيتونٍ من بابِ الأسباط، وقام بمصادرتِها، إذ تقتلع شرطة الاحتلالِ أيّ شجرةٍ تُزرع داخلَ المسجد دونَ موافقتِه ويهددون المُزارع الذي يزرعُها، في الوقت الذي يمنعون فيه إدخالَ الفسائلِ الجديدة والأسمدةِ والمبيداتِ اللازمة لرعايةِ الشجرة وزيادةِ إنتاجها، وعلى الرغمِ من ذلك يقطف بعضُ المصلين ثمارِ الزيتون في باحاتِ المسجدِ الأقصى بشكلٍ فرديٍ والاستفادة منه طلبًا لبركتِه وفرادتِه، كما توزع لجنةُ زكاةِ القدس زيتونَ الأقصى وزيتِه على العائلاتِ الفقيرة في القدسِ والضفة الغربية، أو تبيعه وتحوّل ثمنِه لهذه العائلات.
|
|
الباحث خلال توثيقه شجرة البُطم الأطلسي الميتة |
العناية بأشجار الزيتون في باحات المسجد الأقصى المبارك |
سقوط شجرة معمرة في المسجد الأقصى
في ساعاتٍ مبكرة من صباح يوم ِالاثنين الثامن من تشرين الثاني 2010، استيقظَ المصلون على سقوطِ إحدى أقدمِ الأشجارِ الموجودة في باحاتِ المسجدِ الأقصى المبارك بالقربِ من مصطبةِ أبو بكر الصديق أو ما يعرف بمصطبة الصنوبر؛ أحدِ مصاطبِ المسجدِ الأقصى المبارك، والواقعة على بعد أمتارٍ من بابِ المغاربة، داخل المسجدِ الأقصى المبارك، ورجّحت مؤسسةُ الأقصى في ذاك الوقت، أن يكون سبب وقوع هذه الشجرة الكبيرة والمعمّرة هو الحفريات التي تُنفّذُ في محيطِ المسجدِ الأقصى وأسفلِه.
يُذكر أنها ليست المرةُ الأولى التي تقعُ فيها شجرةٌ من أشجارِ المسجدِ الأقصى، ففي الفترةِ الأخيرة أصبح سقوط الأشجارِ ظاهرةً مقلقة، هذا بالإضافة إلى أن العديد من أشجار المسجدِ الأقصى تتساقط أوراقها بشكلٍ كثيفٍ ويبِست أغصانُها بشكلٍ مقلق، خاصةً في المنطقةِ الغربية من المسجدِ الأقصى المبارك".
لعلّ موضوع "أشجار المسجدِ الأقصى المبارك" بدأ يأخذُ اهتمامًا ملحوظًا في السنواتِ الأخيرة بعد أن أصبح يتهدد هذه الأشجار الخطرَ المحدق في باحاتِ المسجدِ الأقصى جراء الحرقِ من قبلِ الاحتلال ومنعِه رعايتَها أو حتى تجديدَها بذرائعَ واهية، وهذا الأمرُ دفع الباحثَ البيئي داوود إبراهيم منذ عام 2008 للقيامِ بعملياتِ مسحٍ ميدانيٍ وتوثيقٍ علميٍ للأنواعِ النباتية الموجودة وأعدادِها ووصفِ حالاتِها وتسجيلِ إحداثياتِها القديمة المُعَمَّرة منها باستخدام جهازِ GPS وتسجيلِ محيطِها المعروف اختصارا BDH وارتفاعاتِها عن سطحِ البحر؛ لتكونَ قاعدةَ بياناتٍ لمكنوناتٍ لا تقلُ أهميةً عن كثيرٍ من المعالم في المسجدِ الأقصى المبارك الذي تُقدر مساحتُه بحوالي مئةٍ وأربعةٍ وأربعين دونمًا.
|
|
بقايا أغصان شجرة سرو معمرة ميتة في باحات المسجد الأقصى المبارك |
شجرة البُطم الأطلسي المعمرة في ساحة المسجد الأقصى بالقرب من مسجد النساء مكتبة المسجد الأقصى |
بحث ميداني لأشجار المسجد الأقصى المبارك
داوود الهالي، الباحثُ من مدينةِ القدس في التنوعِ الحيوي في طبيعةِ فلسطين، ويعملُ مدرسًّا ومحاضرًا في العلومِ العامة والبيئة والجغرافيا ومرشدًا في السياحةِ البيئية، يقول: "بعد البحثِ الذي أجريتُه على أشجارِ المسجدِ الأقصى المبارك توصلتُ إلى النتائجِ التالية "بلغ عددُ الأشجارِ في داخلِ ساحاتِ المسجدِ الأقصى المبارك حتى مطلعِ العام 2012 بالضبط 1040 شجرةً شملت الأنواعَ البرية والبستانية. كما تُعد أشجارُ المنطقة الغربية بدءًا من مصطبة بدير وحتى مسجدِ النساء وبعرضِ حوالي خمسين مترًا هي الأكثرَ عرضةً للموتِ والسقوطِ لأسبابٍ قد لا تخفى على كلّ ذي بصيرة، ومشاهدُ سقوطِ الأشجار في هذا المستطيل باتت مألوفة، خاصةً في فصلِ الشتاء ومع اشتدادِ الرياحِ العاتية".
ويتابعُ الباحثُ الهالي حديثه "في العام 2008 ماتت أكبرُ شجرةٍ معمرة في ساحةِ المسجدِ الأقصى بالقربِ من مسجدِ النساء "مكتبةِ المسجد الأقصى"، وقد أصابها "الشلل" وهي في مرحلةِ الإوراق في شهرِ آذار 2008، وهي من نوعِ البُطم الأطلسي "الذكر" Pistacia atlantica وكان محيطُ جذعِها على ارتفاع 1.5 متر: 361 سنتيمتراً، وتعد أشجارُ الميس Celtis australis والبالغ عددُها خمسَ أشجارٍ هي الأقدمُ من بينِ أشجارِ المسجدِ الأقصى المبارك والموزعة ما بين البوائكِ الجنوبية وبالقرب من البائكةِ الشرقية وقربِ بابِ السِّبَاط.
ويؤكدُ الباحثُ الهالي " أنّ معظم الأنواع هي من الأنواعِ الدخيلة خاصةً الصنوبر الحلبي Pinus halepensis والسرو العمودي Cupressus sempervirens والكازورينا Casuarina equistifolia ويواجهُ معظمُها خطرًا محققًا بسببِ الموتِ وجفافِ الأطراف".
|
|
شجرة زيتون وتظهر خلفها قبة الصخرة المشرفة |
شجرة سرو معمرة ميتة في باحات المسجد الأقصى |
ما هي حكاية ليلة الإثنين، العاشر من أيار 2021 ؟
في ليلةِ الإثنين العاشر من أيار 2021 وفي ذروةِ العدوان على أهالي الشيخ جراح في القدس، احترقت شجرةُ السروِ العمودي "الإيطالي" في باحات المسجدِ الأقصى المبارك، ولم يكنْ الحدث محضَ صدفة، خاصةً وأنّها تقع في المستطيل الأكثر استهدافًا منذ حربِ حزيران 1967 ولا تسمح سلطات الاحتلال بإدخال أشجار أو أيِّ نباتات أخرى لباحات المسجدِ الأقصى المبارك، وتمنع زراعة أيٍ نوعٍ لغايةٍ في نفس يعقوب، إذ اشتعلت النيران في هذه الشجرة جراء استهدافِ قواتِ الاحتلال المصلين بالقنابلِ الغازية والصوتية والضوئية، ولكن سرعان ما تمَّ السيطرةُ على النيران وإخمادِها من قبل المصلين دون أن تلحقَ أيَّ أضرارٍ بالمسجد، وذلك في ظلِّ تصاعد حدة التوتر في القدس جرّاء محاولة المستوطنين الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين المقدسيين بالقوة في حيِّ الشيخ جراح في القدسِ المحتلة.
|
|
شجرة زينة دخيلة إضافة إلى اشجار النخيل المعمرة قرب قبة الصخرة المشرفة |
قبة الصخرة المشرفة تتوسط أشجار الزيتون المعمرة |
جرائم الاحتلال بحق البيئة الفلسطينية
تواصل دولة الاحتلال منذ حرب العام 1967 الاستيلاء على المصادرِ الطبيعية للفلسطينيين، وتدمير التنوع الحيوي، من خلالِ بناء جدار الفصل العنصري الذي عزل مصادر المياه عن التجمعات السكنية وجرف الأراضي الزراعية وتدمير الحياةِ البرية وأدى إلى إحداث مشاكل بيئية عديدة.
كما أن أكبر خطرٍ يهددُ البيئة في فلسطين هو التمدد الاستيطانيُ بكلِّ معانيه، وإن كان الاستيطان الزراعيُ أو الصناعي، والذي ترك آثارًا مدمرة طالت جميعَ عناصرِ البيئة الفلسطينية وهي ليست انتهاكًا بيئيًا فقط، بل جريمةً بيئيةً يعاقبُ عليها القانونُ الدولي.
ومن أبرزِ مظاهرِ تدميرِ البيئة الفلسطينية تلوث التربة واستنزافِ المياه والتلوث عبر المياهِ العادمة والنفايات الصلبة، وتلويثِ الهواء والضجيج، وتدميرِ التراث الحضاري والقطاعِ الزراعي كما أنّ البحرَ الميت مهدد بخطرِ الجفاف بسببِ قلةِ المياه الواردة إليه نظرًا للمشاريعِ المائية الإسرائيلية المقامة عليه.
كما تمعن قواتُ الاحتلال في تغييرِ معالم البيئة وديمغرافيتِها من خلالِ شقِ الطرقِ الالتفافية التي نتج عنها مصادرةُ المياه وتلويثِها بمخلفات المستوطنات الصناعية بكافةِ أشكالِها، ناهيك عن شق الطرق في المحميات الطبيعية دون أدنى اعتبارٍ للقوانين البيئية من أجلِ تسهيلِ حركةِ مرورِ المستوطنين، وهذا ما أخبرني به المزارعون الفلسطينيون في بلداتِ دير استيا، وجينصافوط، وكفر ثلث، وسنيريا، في محافظةِ قلقيلية خلال زيارات ميدانية لوادي قانا، وقد قالوا: "إنّ وجودَ ستِ مستوطناتٍ تطلُ على وادي قانا وهي عمانوئيل ذاتُ الأغلبية المتدينة وياكير و نوفيم و كرني شمرون و جنوت شمرون ومعالي شمرون، تمنعُ الهواءَ النقي عن الوادي من الجهةِ الشرقية، فيما تنسابُ مياهُها العادمة في الوادي لتلوثَ أحدَ عشرَ نبعًا موجودًا في الوادي منذ الأزل، كما يُحرمُ الفلسطيني من حقِه في استعمالِ أراضيهِ من زراعةِ أيةِ أشجارٍ في الوادي، بل إنها تتعرضُ للاقتلاعِ تحت حجةٍ واهية".
بعد أن استعرضنا الاعتداءاتِ الإسرائيلية على البيئةِ الفلسطينية التي شملت مصادرةَ الأراضي وتجريفها والتمدد الاستيطاني، واقتلاع الغابات والأحراش، واستنزافِ المياهِ الجوفية الفلسطينية والسيطرة على المواردِ المائية، ندرك واقعَ البيئةِ الفلسطينية في ظلّ الاحتلالِ الإسرائيلي الذي بات يستهدف البشر والحجر في فلسطين، ويبقى التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي أجمع في كيفية تفعيل الآليات الدولية لوضعِ حدٍ للجرائمِ الإسرائيليةِ المستمرة المرتكبة بحقِ البيئةِ الفلسطينية.