خاص بآفاق البيئة والتنمية
المناطق البرية عمومًا تعاني من مشكلة النفايات؛ لأن المتنزهين يخلفون بقايا طعامهم وأغراضهم، وآخر همهم فكرة الحفاظ على البيئة، ما يهمهم فقط التسلية وقضاء وقت لطيف. أنت حر إذا كان تجميل الطبيعة وتخضيرها ليس من أولوياتك؛ ولكن أضعف الإيمان ألا تتعاون مع اللامبالين في تخريبها. السلوكيات المدمرة للطبيعة تصدر جلّها عن الرحلات العائلية والمسارات العشوائية التي لا يدخل في حسبانها أي خطة للتخلص من النفايات بطريقة سليمة .يترك المتنزهون أطفالهم يقطفون الورود وهي في أوّج إزهارها وقبل موعد قطافها، ما يحول دون إعادة دورة حياتها وتكاثرها.
|
 |
طفل يلقى الحجارة بالمياه في وادي قانا |
منذ سنوات يرعى فريد مقبل (70 عاما) برفقة إبنه وحفيده الأبقار في وادي قانا شمال غرب سلفيت، إذ تتغذى مواشيه بشكل رئيسي على ما ينَعم به الوادي من خُضار.
الا أن مقبل وغيره من مربي الثروة الحيوانية في المنطقة؛ يتذمرون من كثرة النفايات وخاصة البلاستيكية منها والتي يخلفها آلاف المتنزهين الذين يردون الوادي أسبوعيًا، طلبًا للاستجمام والراحة؛ والتخلص من التوتر والضغط في ظل الإغلاقات المتكررة، بسبب انتشار فيروس كورونا.
ويشكو الراعي المُكنى بــ "أبو الرائد" من الضرر الذي تلحقه النفايات بالطبيعة والبيئة، وبمواشيه التي تشكّل مصدر رزق له ولعائلته.
ويضيف: "لقد تأذّينا كثيرًا من النفايات التي يتركها الناس خلفهم في المراعي، حيث تأكل الأبقار البلاسيتك وما تلبث أن تمرض".
الراعي وأحفاده لا يتقاعسون عن تنظيف البقاع التي يرَعوا بها المواشي؛ "لأن الأبقار إذا أكلت من البلاستيك ستصاب بانتفاخٍ في البطن" بحسب قوله.
كل ما يطلبه هذا العم المُسن من المتنزهين في الواد؛ أن يحضروا معهم أكياسًا لجمع النفايات فيها.
ويحاول إقناعهم بالقول: "الأمر ليس بالصعب. لينطّف كلٌ مكانه ويلقي بنفاياته في الحاويات الموزعة في الواد، وبخلاف ذلك ستعتلّ أبقاري وسيتشوه وجه الطبيعة الجميل وعندئذٍ ستحرمون أنفسكم من التمتع بالتجوال فيها".
لا عذر لهم
الطقس المشمس هذه الأيام، يشجع الرحلات العائلية إلى المناطق الطبيعية، وبين جنباتها يستمتع أفراد العائلة بالخضار والمياه، حيث يرّوحون عن أنفسهم بعيدًا عن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، والحبس المنزلي الاضطراري.
إلا أن الجانب السلبي من المشهد يُقلق الحكواتي حمزة العقرباوي؛ واصفًا إياه بـ "المزعج".
والعقرباوي أحد المنظمين لـ "مسار تجوال سفر"؛ الذي لا يتخلى المنضمين إليه عن عادة جلب أكياس القمامة والشراشف الخاصة بالطعام، على أن توكل مهمة تنظيف المكان لأشخاص في المجموعة يسارعون بدورهم إلى حمل النفايات لأقرب حاويةٍ مخصصة؛ حفاظًا على البيئة ولصالح المتنزهين ممن سيأتون لاحقًا.
ويقول العقرباوي أنه ورفاقه لو صادفوا في رحلتهم أماكن متسخة فإنهم ينظفونها تطوعًا؛ رغبة منهم في المحافظة على الطبيعة من التلوث لا سيما إذا كانت منطقة غنية بالعيون والوديان.
إذ أن المناطق البرية عمومًا تعاني من مشكلة النفايات بحسب قوله؛ لأن المتنزهين يخلفون بقايا طعامهم وأغراضهم، وآخر همهم مسألة الحفاظ على البيئة، ما يهمهم فقط التسلية وقضاء وقت لطيف؛ حسب رأيه.
ويمضي الباحث في التراث الفلسطيني في حديثه قائلًا: "لا شك أن هذه النزهات يستعيدُ معها الإنسان عافيته وروحه؛ ويجدد علاقته مع الأرض والناس من خلال الأحاديث واللقمة الطيبة، ولكن بدون أن يخرج ذلك كله عن الأصول".
ويأمل العقرباوي من المنظمين للجولات والمسارات ألا يصطبحوا أعدادًا كبيرة خشية أن تتضرر النباتات العشبية عند مرور أشخاص كُثر فوقها، مع الأخذ في الاعتبار التباعد بين الجولات من أجل المساهمة بتعزيز وجود الطبيعة.
بنبرة أسفٍ يواصل كلامه: "أنت حرّ إذا كان تجميل الطبيعة وتخضيرها ليس من أولوياتك؛ ولكن أضعف الإيمان ألا تتعاون مع اللامبالين في تخريبها وإفساد إتزانها؛ لا تفعل سلوكًا مستفزًا كأن تشل النار ومن ثم تتركها".
"مخيف جدًا" بهذا التعبير يصف نعمان الأشقر كمية النفايات البلاستيكية التي تبقيها العائلات في أرجاء الطبيعة.
ويؤكد أن الناس لا عذر لها في ترك أداوتهم وما فاض عن حاجتهم؛ لكون وادي قانا لا تنقصه حاويات قمامة.
ويذكر أن تلك السلوكيات المدمرة للطبيعة تصدر جلها عن الرحلات العائلية والمسارات العشوائية التي لا يدخل في حسبانها أي خطة للتخلص من النفايات بطريقة سليمة، متمنياً من الجميع أن يتحلوا بالوعي والالتزام تجاه نظافة البيئة.

نفايات المتنزهين
مفارقة مؤلمة
مراسلة مجلة "آفاق البيئة والتنمية" توجهت لمحمد محاسنة؛ مدير دائرة التنوع الحيوي في سلطة جودة البيئة، وذكر أن الرحلات في أجواء تبدأ فيها الأزهار بالتفتح؛ والأرضُ بالتدثر بالأخضر؛ تُعد فرصة لأخذ استراحة من الحبس المنزلي؛ والبعد عن اكتظاظ المدن، ومن خلالها يتعرّف المهتمون على استكشاف الطبيعة والحياة البرية.
ويشير إلى وجود نحو 50 محمية طبيعية معتمدة من قبل سلطة البيئة؛ مما يجعل الضفة الغربية زاخرة بالمواقع الجاذبة للسياحة؛ وفقاً لقوله.
ويذكر أن معظم المحميات لا يزال يخضع لسيطرة "إسرائيل" كونها مصنف ضمن ما يسمى مناطق (ج)، وخاصة المناطق الواقعة في السفوح الشرقية والمطلة على البحر الميت.
ويستطرد بقوله: "يترك المتنزهون أطفالهم يقطفون الورود وهي في أوج إزهارها وقبل موعد قطافها، ما يحول دون إعادة دورة حياتها وتكاثرها.
ويقر أن المجتمع ما يزال بحاجة إلى توعية كبيرة فيما يخص النفايات التي تُلقى بعد كل تنزه في الطبيعة، وبدون الوعي المطلوب سيستمر تشويه جمالها والعبث بها.
وفي السياق نفسه، يقول رائد مقبل مدير هيئة الحكم المحلي في محافظة سلفيت: "المكان الذي يتلوث لن يعود كما كان عليه؛ وسلوكيات المتنزهين تستنزف الموارد والأموال العامة، وكان الأولى بهم أن يتذكروا ولائهم للأرض".
ومن وجهة نظره أن في المشهد المتكرر مفارقة مؤلمة؛ يوضحها بالقول "المال الذي يجب الاستفادة منه الحدائق أو زراعة الأشجار، يذهب لتوظيف عاملين مهمتهم التنظيف وراء المتنزهين، الذين كان يجدر بهم أن يكونوا حماة للبيئة لا أعدائها، لا سيما أن مشكلات جسيمة تخصها؛ تطفو على السطح.
إنه لأمرٌ غريب! في الرحلات يتنافس الجميع لالتقاط أحلى الصور التذكارية، وتتّمتن الروابط مع العائلة، ويُكسر الروتين والملل ويتجدد النشاط وتنتقل عدوى السعادة ومشاعر السكينة.. وفي مقابل ذلك كله ننسى "وما جزاء الإحسان إلا الإحسان".