حبيب معلوف
تُعد السيارات المستعملة واحدة من أبرز مصادر تلوّث الهواء، وتشكل خطراً على تغيّر المناخ أكثر من قطاع الطاقة المتهم الرئيس بالتلوث، خصوصاً في البلدان النامية.
في هذه البلدان، لا تُراعى سياسات الاستيراد عموماً معايير الانبعاثات. ويُخشى في بلد كلبنان، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والإقبال المتوقع على السيارات المستعملة وتراخي المعاينة الميكانيكية والرقابة على مواصفات الوقود المستخدم، أن تضاف مشكلة بيئية جديدة، وأن يتحوّل إلى سوق ناشط لهذه "الخردة الملوثة"، بما يفتح شهية تجار سيارات الموت.
تذهب التقارير الدولية، عادة، إلى اعتبار إنتاج الطاقة المتهم رقم واحد في تلوّث الهواء وتغيّر المناخ.
لكن ذلك، على ما يبدو، لا ينطبق على البلدان النامية التي يُعدّ قطاع النقل فيها المسؤول الأول عن التلوث، خصوصاً بسبب استيرادها المفرط للسيارات المستعملة.
ويوضح تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، صدر أخيراً، أن ملايين السيارات المستعملة والشاحنات والحافلات الصغيرة التي تُصدَّر من أوروبا والولايات المتحدة واليابان إلى دول العالم النامي ذات نوعية رديئة، ما يساهم بشكلٍ كبير في تلوث الهواء ويعيق الجهود المبذولة للتخفيف من آثار تغير المناخ.
التقرير حمل عنوان "المركبات المستعملة والبيئة - نظرة عامة عالمية على مركبات الخدمة الخفيفة المستعملة التدفق والمعايير واللوائح".
وورد فيه أنه بين عامَي 2015 و2018، تم تصدير نحو 14 مليون مركبة خفيفة مستعملة في جميع أنحاء العالم، 80% منها صُدّرت إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
واستوردت البلدان الأفريقية النسبة الأكبر من هذه المركبات بنسبة (40%)، تليها بلدان في أوروبا الشرقية (24%)، وآسيا والمحيط الهادئ (15%)، والشرق الأوسط (12%) وأميركا اللاتينية (9%).
وأشار التقرير إلى أن هولندا، من خلال موانئها، تعدّ أحد أهم مُصَدِّري السيارات المستعملة من أوروبا. لكنه لفت إلى أن غالبية صادراتها من هذه المركبات لم تكن لديها شهادة صلاحية صالحة للسير في وقت التصدير، وأن عمر غالبية المركبات يُراوح بين 16 و20 عاماً، وأن المعايير أقل من المعايير الأوروبية لانبعاثات المركبات EURO4)).
وشمل التقرير 146 بلداً مستورداً (بينها لبنان)، ووجد أن لدى ثلثي هذه الدول سياسات "ضعيفة" أو "ضعيفة للغاية" لتنظيم استيراد السيارات المستعملة.
وإلى زيادة الانبعاثات بشكل كبير ورفع نسب تلوث الهواء والتأثير السلبي في تغير المناخ التي يتسبّب بها استخدام السيارات القديمة، يضاف أيضاً تراجع نسب الأمان وزيادة إمكانية وقوع الحوادث على أنواعها؛ فقد بيّن التقرير أن المركبات المستعملة ذات الجودة الرديئة تزيد من حوادث السير، وأن كثيرًا من البلدان التي لديها أنظمة "ضعيفة" أو "ضعيفة للغاية"، سجّلت معدلات عالية جداً من الوفيات الناجمة عن هذه الحوادث.
سياسات الاستيراد والتنظيم
المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن، سمّت تصدير البلدان المتقدمة سياراتها المستعملة إلى البلدان النامية بـ"تصدير المركبات الملوثة".
وعلى البلدان المتقدمة أن تتوقف عن تصدير المركبات التي لا تستوفي معايير التفتيش الخاصة بالبيئة والسلامة والتي أصبحت غير صالحة للسير في بلدانها، فيما على البلدان المستوردة تطبيق معايير جودة أقوى".
وشدّدت على أن اتباع المعايير البيئية في أسطول المركبات العالمي يشكّل "أولوية لتحقيق أهداف تحسين نوعية الهواء وحماية المناخ العالمي والمحلي".
لبنان، الذي تسمح أنظمته باستيراد السيارات حتى عمر ثماني سنوات ولم ينجح في ضبط التهريب، ليس بعيداً عن هذا التقييم. صحيح أنه ليست هناك دراسات دقيقة حول نسب تلوث الهواء التي يتسبّب بها قطاع النقل عموماً لعدم توافر أجهزة قياس ثابتة ومتنقلة بشكل كاف. ولكن يمكن الجزم أن الوضع، هنا، على درجة عالية من السوء، إذ لا تظهر اللوائح التي تصدر عن الجمارك أو عن مصالح تسجيل السيارات بشكل دقيق حجم السيارات المستوردة مع التمييز الدقيق في أعمارها. وبسبب الأزمة الاقتصادية، سُجّل أخيراً تراخِ في المعاينة الميكانيكية التي تُعتبر صمام الأمان لمراقبة الانبعاثات وضبطها، وتفلت في الرقابة مواصفات الوقود المستخدم في قطاع النقل. والأرجح، مع تفاقم الأزمة، أن تزداد الأمور سوءاً، إذ يتوقع أن يزيد الإقبال على السيارات المستعملة مع تراجع القدرات الشرائية للمقيمين، وهو ما تؤكده البيانات عن تراجع كبير في مبيعات السيارات الجديدة من كل الأنواع في السنوات الأخيرة.
التقرير دعا إلى اتخاذ إجراءات لسدّ الفجوات الحالية في سياسات الاستيراد والتنظيم من خلال اعتماد معايير الجودة الدنيا المنسقة التي تضمن مساهمة المركبات المستعملة في إنشاء أساطيل أنظف وأكثر أماناً في البلدان المستوردة. وأشار إلى أن البلدان التي نفّذت تدابير لإدارة استيراد السيارات المستعملة (ولا سيما معايير عمر المركبة والانبعاثات) تمكّنت من الوصول إلى مركبات مستعملة أكثر جودة، بما فيها السيارات الهجينة والكهربائية، بأسعار معقولة.
وفي هذا السياق، تطرّق إلى تجربة المغرب الذي لا يسمح باستيراد مركبات يتعدّى عمرها السنوات الخمس على أن تستوفي المعايير الأوروبية لانبعاثات المركبات. لكنه لم يشر إلى تسجيل هذا البلد نسب تلوث هواء مرتفعة بعد استبدال أسطول النقل العمومي بسيارات الديزل التي تستوفي المعايير الأوروبية، إذ تبيّن أنه مهما تحسنت المحركات ونوع الوقود وباتت الجزيئات الدقيقة المنبعثة غير مرئية إلا أن ذلك لا يخفف من الانبعاثات القاتلة، لا بل ثبت أن تصغير حجم الجزيئات الدقيقة زاد من قدرتها على اختراق الرئتين والتسبب بأمراض سرطانية!
كذلك، لم يشر التقرير إلى تجربة الأردن في فتح باب استيراد السيارات الهجينة (تعمل نصف بنزين ونصف كهرباء). إذ بينت التجربة الأردنية أن استيراد السيارات الهجينة الأميركية ذات الدفع الرباعي والمحركات الكبيرة لم يوفر كثيراً على الهواء بسبب كبر محركها واستهلاكها الكبير للوقود ووزنها.
المركبات الخفيفة
يُصنف التقرير "المركبات الخفيفة" بأنها تلك التي لا يتجاوز وزنها الإجمالي 3.5 طن، وهي تشمل أيضاً سيارات الصالون وسيارات الدفع الرباعي والحافلات الصغيرة. ويتم تصنيف المركبات التي يزيد وزنها على 3.5 طن بأنها "مركبات ثقيلة"، وتشمل أنواعاً مختلفة من الشاحنات والحافلات.
ويُعد قطاع النقل (ولا سيما أسطول المركبات الصغيرة السريعة النمو) مساهماً رئيساً في تلوث الهواء وتغير المناخ. وعلى الصعيد العالمي، يُعد مسؤولاً عن ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالطاقة.
وأخطر الانبعاثات من المركبات هو الجسيمات الدقيقة (PM2.5) وأكاسيد النيتروجين (NOx) التي تُعد من الأسباب الرئيسَة لتلوث الهواء في المناطق الحضرية.