خاص بآفاق البيئة والتنمية
إشارات المسارات المنظمة
في أحدث مسار رسمي، شق مسؤولون وممثلو مؤسسات حكومية وأهلية وطلبة من جامعة القدس المفتوحة خطواتهم نحو عين الساكوت في الأغوار الشمالية، وكانت النباتات البرية وأزهارها تلون الأرض بأبهى حلّة.
هذا المسار الذي يروي حكاية الذاكرة الفلسطينية المرتبطة بالنكسة بتماهٍ مع جمال الطبيعة، أصبح مساراً معتاداً لهواة السياحة البيئية، تلك الثقافة الآخذة بالاتساع والرواج لأهميتها في تعزيز الانتماء والهوية الوطنية والثقافية، تكشف في ذات الوقت بعض الثغرات المرتبطة بعدم الاهتمام الكافي بالمسارات، وغياب الجدية، ووجود اعتداءات على المناطق الطبيعية، وانتشار للنفايات العشوائية، وإشعال للنيران دون ضوابط.
تفتح "آفاق" ملف المسارات البيئية وتنظيمها، وما يحيط بها من أسئلة، والإجراءات المرافقة لها، وبخاصة مع اقتراب حلول الربيع، وانتشار "السياحة البيئية" على مصراعيها.
المهندس أيمن ابو ظاهر
محافظ طوباس: الاهتمام بالمسارات يحتاج خطة
يقول محافظ طوباس والأغوار الشمالية يونس العاص، وهو يشرح للمشاركين عن طبيعة المنطقة: "للأغوار أهمية جغرافية وسياسية، وهي واحدة من أخصب بقاع العالم، وفيها عيون مياه وزراعة خصبة، وتتمتع بتنوع حيوي فريد، وهي على رأس الاستهداف الإسرائيلي".
وقدّم العاص معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية عن الأغوار بوصفها "خط الدفاع الأول عن فلسطين"، فيما تواجه هجمة احتلال شرسة نظرًا لما تتمتع به من ميزات.
وقال:" سألتقي بوزيرة السياحة لتنشيط السياحة البيئية وتوجيهها إلى الأغوار الشمالية، وسأطلب من مدير عام الزراعة في المحافظة الاهتمام بالمسارات ضمن خطة إستراتيجية، كما سنوجه الرحلات المدرسية إلى هذه المناطق".
مسار استكشافي بيئي
"جودة البيئة": نحاول الحد من العشوائية
مدير عام التوعية والتعليم البيئي في سلطة جودة البيئة، "أيمن أبو ظاهر" والذي كان من ضمن المتجولين في المسار، أشار إلى أن هذه الجولة تأتي بمناسبة اليوم العالمي للأراضي الرطبة، الذي بدأ العالم الاحتفال به عام 1971، عقب توقيع اتفاقية "رامسار".
وأفاد أن لعين الساكوت أهمية كبيرة بوصفها أرضًا رطبة، وهي من مناطق ضفاف الأنهار، والتشكيلات الصخرية فيها متميزة، كما تنتشر فيها الينابيع، واليوم يتم إطلاق مسار بيئي جديد، طوله 5 كيلومترات أملاً في تحول الأغوار وحقولها وجبالها لوجهة للسياحة البيئية والداخلية.
واستدرك أبو ظاهر: "نحاول الحد من العشوائية والفوضى في المسارات البيئية، ووزعنا في مسار الساكوت إرشادات على المشاركين، وسننفذ في القريب جهودًا لتنظيم المسارات بشكل أكبر".
وأوردت نشرة لـ "جودة البيئة"، حملت عنوان "شروط وتعليمات المشاركة في مسار بيئي"، عرفت بمنطقة المسار البرية، وباشتراطات منها: ارتداء حذاء مناسب، والمشي في إطار المجموعة، والمحافظة على النظافة، وقراءة كافة الإرشادات للمحميات، والمحافظة عليها، وعدم أخذ شيء منها، وعدم إيذاء الطيور والحيوانات، والأزهار والنباتات وكل أشكال الحياة والطبيعة فيها، وعدم الاقتراب من المنحدرات، أو السباحة في الأودية.
وأكمل أبو ظاهر أن "جودة البيئة" تشجع على المسارات، في إطار عمل منظم يحمي التنوع الحيوي والمناطق الطبيعية، وأعلن عن 5 مسارات ضمن معايير علمية في طمون، ووادي القف، وعين الزرقا السفلي، وعين الزرقا العلوي، وأم التوت، ويمكن زيادة العدد إلى 10.
وواصل:" ندعو إلى تنظيم المسارات وضبطها في إطار السياحة البيئية، وحماية الحياة الطبيعية، والحرص على الاستدامة، ولذلك، يجب توزيع إرشادات قبل المسار لضمان الاستفادة القصوى من الجولة."
واختتم أبو ظاهر:" النظام البيئي عالي الأهمية، والمسارات يجب أن تجري وفق أصول، ودون عشوائية."
مسار بيئي في الأغوار
تنوع حيوي وآراء متباينة
واستنادًا لمدير زراعة طوباس والأغوار، م، عمر بشارات، فإن آليات الوزارة ستبدأ عما قريب في إجراءات لتنظيم مسارات الأغوار، وتهيئة عين الساكوت لاستقبال السائحين البيئيين.
وقال: تنقصنا شبكة طرق ممهدة بشكل جيد، ووسائل جمع النفايات، ويمكن غرس أشجار أصيلة في المنطقة.
وأفاد منسق شؤون الطلبة في جامعة القدس المفتوحة حيدر كايد، أن الجامعة تكرر تنظيم مسارات بيئية في الأغوار سنويًا، وتحفز طلبتها على الانخراط في جولات التعرف على طبيعة فلسطين الساحرة.
وتابع: " ندمج مع مساراتنا البيئية حملات نظافة تطوعية، ونعقد حلقات نقاش في الهواء الطلق، ولا نغفل عن تقديم زجل شعبي وأغان تراثية."
وذكر الكايد أن الجامعة توجه طلبتها إلى الأغوار، وتمنحهم فرصةً للتجوال في مواقعها، واستكشاف ينابيعها، وتُعرّفهم بواقعها الصعب جراء الاستيطان ومعسكرات التدريب، وتنقل لهم واقع الزراعة والصمود.
واستعرض مدير عام الشؤون الإدارية والمالية في المحافظة حسام دراغمة ينابيع المنطقة كعين الدير، وبليبل، والساكوت، والشمسية الفوقة، والشمسية التحتة، والبصة.
وأشار رئيس مجلس الطلبة في "القدس المفتوحة"، أيمن أبو العيلة، إلى أهمية المسارات في تقريب الطلبة من أرضهم، ومنحهم ثقافة بالتنوع الحيوي، وتوجيه رسائل إلى شعبنا ليأتي إلى الأغوار، ويتعرف على تفاصيلها.
وقالت الناشطة وعضو الهيئة الإدارية لجمعية طوباس الخيرية شروق عبد الرازق إن السياحة الداخلية لا تصل إلى الأغوار كما يجب، فهنا مناطق شاسعة تنتظر الاهتمام الأكبر من كل الفئات.
وذكرت أنها زارت في السابق وادي القلط، وعين سينيا، ويرزا، ولمست نقص التوعية بأهمية المسارات، وبكيفية تنفيذها.
ورأت عضو المجلس الشبابي لبلدية طوباس أحلام صوافطة بأن المسارات مهمة، لكنها "تنفذ دون مراعاة للأصول"، وعلى الأقل، يجب أن تكون بمرافقة مرشد بيئي، يزود المشاركين بمعلومات، ويضمن عدم الاعتداء على الطبيعة.
وأفادت الجامعية فرح أبو محسن أنها تشارك للمرة الأولى في مسار بيئي، وتشاهد صوراً عبر مواقع التواصل لمسارات "لا تهتم بالبيئة بالحد الأدنى"، وهناك من يقطف الأزهار، ويشعل النيران في كل مكان.
جلغوم: السيطرة على المسارات صعبة
وقال منسق منتدى السوسن في فقوعة، مفيد جلغوم، إن قريته التي تستضيف الزهرة الوطنية لفلسطين، بدأت منذ عامين باستقبال مجموعات شبابية ومؤسسات، نفذت مسارات بيئية في القرية ومحيط مرج ابن عامر.
وأضاف: حددنا هذا العام مساراً طويًلًا يبدأ من الجلمة، ويمر بتجمعات بعرانة، ودير غزالة، وفقوعة، وجلبون، وجلقموس، والمغير، وينتهي بالزبابدة، بطول 25 كيلومترًا، وسنقسمه إلى أجزاء؛ للتسهيل على المشاركين في المسارات.
وتابع جلغوم: "لم نلمس آثاراً سلبية على التنوع الحيوي، بحكم طبيعة المسارات، التي تمر بطرقات ممهدة، وحرصنا على توعية المشاركين بعدم قطف الأزهار البرية، وتفادي ترك النفايات."
وأردف: حدثت بعض الأضرار على المزروعات في حقول القرية العام الماضي؛ بسبب المرور من داخلها، ولم تكن هناك مسارات محددة، ووزعنا في بعض المواقع حاويات، وشاهدنا مشاركين يجمعون النفايات في أكياس يحضرونها معهم، ورأينا مجموعات أخرى تلقي بالقمامة في الطبيعة.
ورأى جلغوم، صعوبة السيطرة على الأعداد الكبيرة من المسارات البيئية، التي تحتاج حتى تكون مثالية مرافقة من خبير تنوع حيوي، يقدم للمشاركين معلومات علمية حول الأزهار والنباتات التي يرونها، ويعرفهم بالأنواع المهددة منها.
وأضاف: ندرب منذ أشهر مشرفين سياحيين بيئيين، يمتلكون معلومات حول بيئة المنطقة، وتاريخها، وجغرافيتها، وسينطلقون في المستقبل القريب لضبط المسارات، والمساهمة في تنظيمها.
مخلوف: لا تترك أثراً
وقالت المرشدة في السياحة البيئية منال مخلوف إن السياحة البيئية مرتبطة بمبدأ "لا تترك أثرًا"، الذي يشجّع على التعامل بشكل أخلاقي وأكثر مسؤولية مع البيئة الخارجية، والتّمتع بها بطريقة تُشجّع الآخرين مستقبلًا على العمل بها ، وتحمي الطّبيعة على المدى البعيد.
وأضافت: "لا تقتصر المبادئ على الناشطين والمهتمين بالبيئة الخارجية، بل أيضا بأي شخص معنيّ ومهتم بالعلاقة بين الانسان والطبيعة."
وتابعت: تشمل مبادئ لا "تترك أثرًا" على التخطيط والتحضير المُسبق، والسفر والتخييم على أسطح ثابتة، والتخلّص من النفايات بالطريقة المناسبة، ترك أي شيء نجده كما هو، والتقليل من آثار نار التخييم، واحترام البرية، ومراعاة الزوار الاخرين.
وبحسب مخلوف، فإن ترك المسارات دون إستراتيجية أو تخطيط يهدد التنوع الحيوي، ولا يحقق الهدف المرجو من السياحة البيئية، وهذا يتطلب من وزارة السياحة تحديد المسارات والمحميات، وإنشاء محطات استراحة، وأماكن للنفايات، ووضع تعليمات في كل محمية.
ومضت: يجب أن تنفذ المسارات بطريقة "سرب النمل"، وتفادي الاعتداء على الطبيعة، أو على الأراضي الخاصة.
مسار عماد دواس
دوّاس: الحل رسم مسارات تدريب أدلاء
وعدّد الناشط في الملتقى الفلسطيني للتصوير والاستكشاف د. عماد دواس العائد الإيجابي للمسارات البيئية، وقال إنها تكسر الحاجز النفسي بين الإنسان والطبيعة، وتبدد التحذيرات من التواجد في الطبيعة لساعات طويلة، بسبب مكوناتها من حيوانات وطيور جارحة، وبفعل تضاريسها، أو بسبب الخوف من اعتداء المستوطنين.
وأضاف: تنشر المسارات ثقافة المشي والرياضة، وتخلق فرصًا لعلاقات وصداقات جديدة، وتسلط الضوء على مناطق مهمشة وغير معروفة، كما تخلق فرصًا اقتصادية ولو محدودة، وترفع الوعي بأهمية البيئة ومكوناتها.
وتابع دواس: "لا توجد مسارات مرسومة مسبقا تغطي جميع انحاء الضفة، وتستخدم كدليل، ونادرًا جدًا ما يوجد مختصين بالمسارات، ويتم التنظيم من هواة متحمسين للطبيعة، أو تجار هدفهم الكسب المادي."
ومضى: تفتقر غالبية المسارات للوعي بمبادئ الحفاظ على الطبيعة، فترى إلقاء النفايات العشوائي، وإشعال النار في الاحراش، واقتحام مناطق التنوع دون أدنى مراعاة لخصوصية المكان، والسير بأعداد كبيرة تلحق الضرر بمكونات الطبيعة، كما تغيب عن المشاركين عادات وتقاليد سكان المناطق التي يزوروها، ما يتسبب بمشاكل سببها اقتحام خصوصية المواطنين، والسير في ممتلكاتهم، والتصوير لمساكن أو أشخاص، دون إذن.
واقترح دواس، رسم مسارات من قبل الجهات ذات علاقة، وتدريب أدلاء، ومنحهم تراخيص، وإلزام الجهات المنظمة باستصدار تصريح خاص بتسيير مسار، يشترط السلامة العامة للمشاركين، ووجود أدلاء مرخصين على المستويين الوطني والمحلي.