خاص بآفاق البيئة والتنمية
أثارت لقاحات "كورونا" جدلًا واسعًا وعصفًا في الآراء بشأن تداعياتها الصحية، وقد رافقتها شائعات أصابت المرء بحالة من التخبط؛ تمامًا كما حدث عند انتشار الفيروس المستجد؛ الشتاء الماضي. وأكدت مصادر رسمية أن الموعد المزمع لوصول اللقاح إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في الربع الأول من هذا العام، ولم يُحدد التاريخ بعد، وسيكون أخذه مجانيًا واختياريًا، ليشتمل على نسبة تتراوح 60-70% من المواطنين، ولن يُعطى لمن هم دون سن السادسة عشرة وكذلك الحال عند الحوامل والمرضعات. مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تابعت عن كثب مستجدات اللقاح الذي صار "حديث الساعة" عبر لقاء المتخصصين والمسؤولين.
|
أثارت لقاحات "كورونا" جدلًا واسعًا وعصفًا في الآراء بشأن تداعياتها الصحية، ورافقتها شائعات أصابت المرء بحالة من التخبط؛ تمامًا كما حدث عند انتشار الفيروس المستجد؛ الشتاء الماضي.
وأكدت مصادر رسمية أن الموعد المزمع لوصول اللقاح إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في الربع الأول من هذا العام، ولم يُحدد التاريخ بعد، وسيكون أخذه مجانيًا واختياريًا، ليشتمل على نسبة تتراوح 60-70% من المواطنين، ولن يُعطى لمن هم دون سن السادسة عشرة وكذلك الحال عند الحوامل والمرضعات.
مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تابعت عن كثب مستجدات اللقاح الذي صار "حديث الساعة" عبر لقاء المتخصصين والمسؤولين.

د. سامر الأسعد مدير عام الطب الوقائي
الخيار الأمثل حاليًا
يقول مدير عام الطب الوقائي، د. سامر الأسعد أن اللقاح يشهد طلبًا دوليًا مرتفعًا عليه، فنسبة تتراوح بين 60-70% من سكان العالم سيحصلون عليه، فيما يُقابل ذلك إنتاجية محدودة.
ويرى د.الأسعد أن تولي عدة شركات مَهمة الإنتاج سيوفر اللقاحات بشكل أفضل.
وأضاف أن اللقاحات على اختلاف منتجيها متساوية تقريبًا، والفارق الوحيد تقنية التصنيع وآلية الحفظ، ولا داعي للقلق حول نوعية اللقاح.
وبدأت دول في استخدام لقاحات شركات مختلفة، فمثلًا بريطانيا بدأت بـ"فايزر" و"موديرنا"، ثم انتقلت إلى "أسترزينكا"، والأردن بدأت بـ"فايزر" ثم اتجهت إلى "تينوفاريم" الصيني.
وفي السياق نفسه، أكد أن اللقاحات "ستصلنا من شركات مختلفة خلال الربع الأول من 2021"، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، على أن تُغطي الفئات التي تحتاج التطعيم وتتراوح بين 60-70% من المواطنين بما يتناسب مع المعايير الدولية.
وتعطي منظمة "الصحة العالمية" الأولوية للفئات التي تتعامل "من نقطة صفر" مع المصابين، وعلى رأسهم الطواقم الطبية والأمنية، ومن ثم كبار السن.
وذكر في حديثه أن الوزارة درست اللقاحات والتجارب السريرية التي أجريت عليها، مضيفًا "اتضح أن جميع اللقاحات كانت بدون أعراض جانبية خطيرة"، بل اعتيادية مثل احمرار أو حدوث ألم مكان اللقاح، وضعف بسيط في الجسم".
وحث على استقاء المعلومات الطبية من مصادر موثوقة بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي؛ لكثرة الأخبار الكاذبة والشائعات المُلفقة، التي يتناقلها البعض بدون تدقيق، وبعضها لا يمت للحقيقة بصلة.
وتُعِد وزارة الصحة، وفق الأسعد، حملة توعية في وسائل الإعلام تستهدف توضيح اللقاح وأهميته واعتباره الخيار الأمثل طالما أن الفايروس لا علاج له حاليًا، ويتطلب وقاية حتى في ظل وجود اللقاحات.
وبيّن أن اللقاح ليس حلاً سحريًا، بل للتقليل من الإصابة، والحد من انتشارها وصولًا إلى إيجاد مناعة لدى 60-70% من الحاصلين عليه؛ حتى يقلل من خطر الإصابة بالفيروس، وألا ينقلوه إلى غيرهم، وإن أصيبوا لن تظهر عليهم الأعراض الخطيرة، ما يعني الحد من انتشار الفيروس.
وأشار إلى أن اللقاح "سيكون مجانيًا وليس إجباريًا، ويُعطى على جرعتين، والمناعة الكاملة تكون بعد أسبوعين إلى ثلاثة من التطعيم الثاني".
وأكد مدير عام الطب الوقائي في وزارة الصحة أن ما جرى تسويقه من لقاحات؛ حصل على الاعتماد الطارئ من "الصحة العالمية"، وهيئة الغذاء والدواء الأميركية؛ لافتًا إلى أن آلية صنع اللقاحات آمنة ومعروفة، وطرق اعتمادها واضحة.
وتوقع الأسعد أن يكون شتاء فلسطين القادم، ما بعد الانتهاء من اللقاحات، أفضل من الفترة الراهنة، ولكن "سنكون بحاجة لاستمرار بالإجراءات الوقائية حتى بعد أخذ اللقاح"، تبعًا لقوله.
ودعا المواطنين إلى أخذ اللقاحات ليس حماية لأنفسهم فقط، بل لحماية الآخرين، ولوقف انتشار الفيروس.

د. بسمة ضميري أخصائية الأدوية والسموم في جامعة النجاح الفلسطينية
استعجال كبير
أما طبيبة الأدوية والسموم في جامعة النجاح د. بسمة الضميري؛ فلا تخشى من التأثيرات الجانبية للقاح، بقدر قلقها من الفترة الزمنية التي جرى التوصل خلالها إليه، وتخوفها من المنهجية العلمية المتبعة في اعتماده.
وتوضح وجهة نظرها: "إنتاج مادة غذائية آمنة، أو إجراء بحث علمي عادي يستغرقان وقتًا أطول مما جرى، مقارنة مع إنتاج لقاح ضد الفيروس المستجد، والذي يتطلب المرور بثلاث مراحل".
إذ تستغرق في حالات الطوارئ 18 شهرًا على الأقل، حتى لا نمسّ بالأصول العلمية أو نخلّ بإجراءات الأمان، التي تحتاج عادة نحو 5 سنوات ليتم على مراحل مختلفة، تبدأ بتجربته على عينة صغيرة وفي حال عدم ظهور آثار سلبية يجري مضاعفة العينة إلى نحو 200 شخص.
ثم تجري زيادة العينة، والكلام لــ د.الضميري، على أن تقاس التأثيرات طويلة المدى للقاح حتى على الإنجاب، وتتابع التغيرات على العينة فترة طويلة لمراقبة ما يمكن أن يحدث من تغيرات بعيدة المدى.
وأشارت إلى أنه بعد نجاح اللقاح في مرحلتيه، يُعطى لمجموعة كبيرة لا تشمل ذوي الحساسية والحوامل والأمراض المزمنة؛ خشية التعارض مع الأدوية، فعند الأصحاء يتسنى حصر التأثيرات التي قد يسببها اللقاح.
وبعد التيقن من عدم حدوث أعراض، يجري توسيع العينة، لكن بين كل تجربة وأخرى لا بد من انتظار عام أو عامين لمراقبته تأثيراته، ولا يجري اعتماده إلا بعد حسم مسألة خلوه من الأضرار.
وعبرت عن استغرابها بالقول "بالعودة إلى التصريحات في آذار 2020 فقد أكدت أن اللقاحات بحاجة إلى 18 شهرًا لإنجازها، وفي غضون 9 أشهر أُنتجت المطاعيم.. ما هذا الاستعجال الرهيب".
وتحذر بوضوح "لا يمكن للخوف من المرض أن يجبرنا على أخذ لقاحات قد تسبب لنا تداعيات لا نجد لها حلولاً".
وتستطرد في تبيان رأيها: "أي عقار إذا كانت الفائدة منه تفوق مخاطره نُعطيه للمرضى، وإذا كان العكس نمتنع، بما أن تهديد الفيروس ليس مؤكدًا، وتأثيرات اللقاحات مجهولة ومضاعفاتها المحتملة أعلى، فالإصابة بالفيروس أسهل".
وعن الحل في ظل عدم تشجيعها على أخذه، تقول بثقة "لنحاول منع انتشار الفيروس بالوعي الذاتي، ولنقدم اللقاحات لمن يعانون الأمراض المزمنة بغض النظر عن العمر، وللمهددين بالإصابة".
"ماذا تقولين إذن في الدول التي أقدمت على التطعيم؟"، تجيب "دول لديها أنظمة صحية قادرة على الاستجابة لتداعيات التطعيم، وبعضها كالولايات المتحدة جعلته اختياريًا حتى للأمراض السارية، ويصبح إجباريًا فقط في حال السفر إلى دولة تنتشر فيها أمراض كـ الملاريا".

د. رند سلمان مدير عام المعهد الوطني للصحة في منظمة الصحة العالمية
لم يتحوّلوا لتماسيح!
بالانتقال إلى د. رند سلّمان مدير عام المعهد الوطني للصحة، التابع لمنظمة الصحة العالمية، تقول أن اللقاحات عمومًا لها أعراض جانبية موضوعية، فيما تحدث موازنة بين المخاطر والأعراض.
وترى أن تسارع المراحل الذي لاحظناه في إنتاج لقاح كورونا جاء بسبب تصنيفه كجائحة.
ويخصوص الأعراض الجانبية في لقاح "كوفيد 19" فقد ظهرت على الذين يعانون من حساسية مُفرطة، بحسب قولها.
وبينت سلمان أن اللقاح "لا يعني أن الحياة ستعود إلى طبيعتها ما قبل الجائحة"، لكنه يساعد في منع تفشي المرض وحدته.
جملة "ليس حلًا سحريًا" باتت تتكرر على ألسنة المسؤولين في الآونة الأخيرة، ومن بينهم سلمان التي أعقبتها بعبارة من النمط نفسه "علينا الاستمرار في الإجراءات الوقائية، حتى نصل إلى ما يُعرف بـ"مناعة القطيع".
وذكرت أن ظروف الجائحة انعكست على مراحل اللقاح، وجرى اختصار كل مرحلة وبالتالي تجريبه، ووفقًا لذلك اُعتمد عالميًا في فترات زمنية أقصر.

تطعيم لقاح شركة فايزر
وحصل لقاح (فايزر) على موافقة "الصحة العالمية"، وتقدمت الشركات الأخرى بطلبات يجري دراستها، وتتطلب الموافقة عليها متابعة مراحلها، وفحصها من كافة الجوانب، تستطرد "مدير عام المعهد الوطني للصحة".
وتزيد بالقول "الدول لا تنتظر الحصول على موافقة المنظمة الدولية؛ لأن الأمر تحوّل إلى مسألة حياة أو موت، وهناك منافسة عالمية شديدة للحصول على اللقاح".
وتشير سلمّان إلى أن ما يرافق اللقاح من شائعات "لا أساس علمي له، ونابع غالبًا من نظرية المؤامرة".
فيما سخرت من الشائعات التي تدعي حصول تأثيرات غريبة على متلقي التطعيم المنتج من الفايروس، بالقول "إن المصابين بالفايروس نفسه لم يتحولوا إلى تماسيح أو مخلوقات غريبة، بل تعافوا".

د. كمال الضميدي الأستاذ المشارك في علم الفايروسات بالجامعة العربية الأميركية
التطور العلمي يختصر الزمن
من جانبه يؤكد الأستاذ المشارك في علم الفيروسات في الجامعة العربية الأميركية د. كمال ضميدي، أن كثير مما ينشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي محض "دعاية إعلامية"، لا تتعلق بما يدور في خلد خبراء الفيروسات.
ويمضي في حديثه "يا قوم! نعيش في عام 2021 ما يعني أن التطور العلمي صار هائلًا، قبل عشرين عامًا كانت دراسة ترتيب الأحماض تستغرق سنوات، أما اليوم تُنجز خلال ساعات. وبطبيعة الحال هذا التطور اختصرَ الفترة الزمنية لتطوير اللقاحات.
وأشار إلى أن الصينيين تمكنوا في كانون الثاني من عام 2020 من معرفة الترتيب الجيني للفايروس، ما يعني الإحاطة بالبروتينيات وتواجداها، وهذا مهم في عملية تطوير اللقاحات.
وأوضح ضميدي: "تتمكن الدراسة البيولوجية الإحصائية والتشكيلية للتسلسل الجيني لشكل الفيروس والخلية والبكتيريا، من معرفة الترتيب الأميني والنيتروجيني للجينات، والوصول إلى تركيية البروتينات، ما يعني نجاح العلماء في محاكاة أشكال الفايروس وبروتيناتها بسرعة، ووضعهم أشكالًا متعددة لبروتينات مختلفة لفيروس كورونا بشكل سريع، رغم أنه ليس بجديد على العالم بل وجه الجِدّة في إصابته للإنسان، وهناك 5 فايروسات من عائلته تصيبنا كـ "السارس"، ولفهمنها لذلك ومع التقدم العلمي والتكنولوجي تسارعت آليات تصنيع بروتينات للفيروس.
وأضاف أن وجود جائحة عالمية أدى إلى تكاتف دولي وتخصيص موازنات ضخمة لتطوير اللقاح، ما ساعد في تسريع الوصول إلى بروتينات تكون نواة اللقاح، الذي بُدأ بتجريبه على الحيوانات بنجاح، ثم انتقل إلى التجارب السريرية للإنسان، لتمر بأربعة مراحل.
وذكر أن المرحلة الأولى تجري على عشرات المتطوعين، بحيث يُقسموا إلى مجموعتين؛ الأولى تأخذ اللقاح والثانية تأخذ مياه مقطرة بدون إخبارها كخدعة علمية، وتبين أن الحاصلين عليه كّونوا أجسامًا مضادة، ونسبة إصابتهم كانت أقل بقليل من الحاصلين على المياه المقطرة.
فيما المرحلة الثانية تجري على المئات ونجحت، ورافقتها دراسة الأعراض المصاحبة للتطعيم، القريبة من أعراض التطعيم العادية كالألم والحرارة والتقيؤ والإسهال ووجع الرأس.
وأشار ضميدي إلى أن المرحلة الثالثة بموجبها يُعطى اللقاح لعدد كبير، وبعدها يزاولون حياتهم الطبيعية وتُراقب الأعراض حال إصابتهم.
أما المرحلة الرابعة، التي جرى تسريعها واختصارها بسبب الجائحة، فقد شهدت إعطاء اللقاح لأعدادٍ هائلة تصل إلى 40 ألف وجري تقسمهم إلى قسمين، القسم الأول حصلوا فيه على اللقاح بخلاف "الثاني"، وُوجد أن 90% من المجموعة الأولى لم يصابوا بالفيروس ولم تظهر عليهم أي أعراض، وكانت أعراض إصابة الـ5% الآخرين طفيفة. ومن ثم تبعتها مراقبة الأعراض وجمع المعلومات، وهي المرحلة التي نعيشها اليوم.

لقاح أسترازينيكا
هدّئوا من روعكم
المعادلة؛ وضعها الأستاذ المشارك في علم الفيروسات؛ على الطاولة، بقوله: "حاليًا لا بديل إلا باللقاح ولا خطورة من أخذه، وفي الوقت نفسه لا علاج للفيروس".
وأضاف: "تركت الجائحة آثارًا خطيرة وأشاعت حالة رعب، وصرنا بين خيارين: الحصول على التطعيم رغم عدم اكتمال كل مراحله، أو الاستسلام للفيروس الذي اجتاح العالم".
وقال ضميدي إنه من الممكن بعد 20 سنة اكتشاف أعراض لدى بعض الحاصلين على اللقاح، ووقتها تجري دراسة حالتهم، ومقارنتهم مع الآخرين الحاصلين على اللقاح نفسه، ومن الوارد إصابتهم بأمراض أخرى عند تلقيهم اللقاح..
ورجّح أن لا وجود لمضاعفات اللقاحات، فجزء من تركيبتها دخل في مطاعيم أخرى سابقًا، وما يجري هو إدخال بروتين وأجسام مضادة لا تدخل على الجنيات، ولا تؤثر عليها، فيما تصنع بروتيناتها خارج نواة الجين، موضحًأ أن الفيروس الوحيد الذي يدخل إلى جيناتنا هو الإيدز.
وعن اللقاح الروسي و"أسترازينيكا-أكسفورد" قال أنهما لا يختلفان عن لقاحي "فايزر" و"موديرنا"، فهما يتميزان بإدخال فيروس غير ممرض إلى الجسم كناقل للجين.
وأبرق برسالة طمأنة لمن يساورهم القلق: "هدّئوا من روعكم.. اللقاح سيجعل كورونا تشبه الإنفلونزا العادية. عمليًا هو لا يختلف عن اللقاحات التقليدية العديدة التي تلقيناها ونتلقاها منذ عشرات السنوات، دعوا الشائعات التي تكتنف "الطعومات"، وفكروا باللقاح من جوانبه الطبية والاقتصادية والاجتماعية، فالصحة مهمة، ولكن غياب الاقتصاد سيلحق الضرر بالصحة".