خاص بآفاق البيئة والتنمية
مصنعو منظفات اليدين يزعمون بأن منتجاتهم تضمن إزالة جميع الفيروسات والبكتيريا الضارة على الجلد تقريبًا، ما قد يقلل بشكل كبير من الإصابة بالأمراض المعدية المختلفة، ابتداء من اضطراب المعدة مرورا بالإنفلونزا العادية وانتهاء بالكورونا. على أي حال، هذه المواد باهظة الثمن بالمقارنة مع الصابون التقليدي، ومن غير المؤكد أن فارق السعر يجعل تلك المنتجات أكثر ملاءمة لمهمة التعقيم والتطهير.
|
خلال الأسابيع الأخيرة بات تهديد الكورونا حقيقيًا ووجوديا، وبخاصة أن معامل انتشاره كبير جدا ويقترب من المتوالية الهندسية. وقد أعلنت السلطات الصحية حول العالم عن اتخاذ تدابير صارمة لحماية المدنيين، مثل إغلاق المؤسسات التعليمية ومعظم منشآت العمل والبقاء في عزلة منزلية. وبهدف الاستعداد للأوقات الأصعب القادمة، داهم الناس، في العديد من البلدان، محلات السوبر ماركت فاشتروا وخزنوا سلعتين مهتمين: ورق التواليت والمطهرات الكحولية. كما تهافت العديد من المفزوعين لشراء مناديل مطهرة.
مصنعو منظفات اليدين يزعمون بأن منتجاتهم تضمن إزالة جميع الفيروسات والبكتيريا الضارة على الجلد تقريبًا، ما قد يقلل بشكل كبير من الإصابة بالأمراض المعدية المختلفة، ابتداء من اضطراب المعدة مرورا بالإنفلونزا العادية وانتهاء بالكورونا. على أي حال، هذه المواد باهظة الثمن بالمقارنة مع الصابون التقليدي، ومن غير المؤكد أن فارق السعر يجعل تلك المنتجات أكثر ملاءمة لمهمة التعقيم والتطهير.
خلال النهار، نلمس باستمرار الأشياء والأسطح والأشخاص الآخرين - وجميعهم يحملون البكتيريا والفيروسات والفطريات. فيروس الإنفلونزا، على سبيل المثال، يبقى على الأسطح لمدة ثلاث إلى أربع ساعات، ويستمر الفيروس الأنفي ((rhinovirus- المسبب الرئيسي للزكام- لمدة تصل إلى ساعتين، والفيروس المخلوي التنفسي(RSV) يصل إلى سبع ساعات. أما الكورونا، فيمكن أن تظل على الأسطح المختلفة لمدة دقائق طويلة وحتى ساعات؛ إلا أن هذه الأرقام تعتمد على نوع السطح (سواء مسامي أو أملس)، أو وجود الماء عليه وغير ذلك.
عندما نلمس الطعام بأيدي ملوثة تخترق مولدات المرض أجسامنا من خلال الجهاز الهضمي. لمس الوجه تحديدا قد ينقل تلك المولدات إلى الفم والعينين والأنسجة المخاطية في الأنف، ومن هناك يصبح الطريق قصيرا إلى الشعب الهوائية العلوية. المشكلة أن الناس يلمسون وجوههم باستمرار؛ وبحسب دراسات مختلفة تبين أننا نقوم بذلك عشرات المرات في الساعة. لهذا السبب، فإن المبدأ التوجيهي الأكثر أهمية بنظر المنظمات الصحية العالمية هو غسل اليدين باستمرار لإزالة مسببات الأمراض الخطيرة. الفيروسات هي الأكثر إشكالية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الأمراض التي تسببها لا يمكن علاجها بالمضادات الحيوية؛ لذا يجب علينا إبقائها بعيدًا عن الجسم قبل أن تؤذينا.
تتكون الفيروسات من جزيئات من المادة الوراثية مغلفة بغلاف بروتيني يسمى "كبسولة". العديد من الفيروسات، بما في ذلك الكورونا المسببة للوباء الحالي، مغلفة بغلاف دهني يحميها ويساعدها على الالتصاق بسهولة بالأسطح الدهنية، مثل الطبقة الدهنية على الجلد (وبخاصة راحة اليد). وبهذه الطريقة نحن "نجمع" الفيروس من الأسطح الأقل دهنية من الجلد.
الصابون والمطهرات الكحولية تعمل بشكل مشابه - فهي تفكك الغلاف الدهني والروابط التي تكونها مع الجلد، ما يمنعها من إصابة المزيد من الخلايا في الجسم. الصابون يقوم بهذه العملية بشكل فعال للغاية، أما فعالية الكحول فأقل قليلاً. أمر آخر يفعله غسل اليدين بالصابون بشكل فعال، هو إزالة مسببات الأمراض من الجلد. استخدام الماء الجاري واحتكاك اليدين لمدة 20 ثانية على الأقل يؤدي إلى قطع الفيروسات والبكتيريا واستنزاف كميتها عن الجلد بشكل كبير.
غسل اليدين بالصابون أكثر فعالية من المطهرات الكحولية
من المهم الانتباه إلى الفترة الزمنية التي يتم فيها غسل اليدين وصرامة هذه العملية. الدراسات التي بحثت طريقة غسل الأفراد لأيديهم، وجدت بأنهم يهملون تفاصيل عملية الغسل، إذ يهملون الجزئين الخلفي والسفلي من راحة اليد ومنطقة الأظافر. مسح اليدين المبتلتين بمنشفة جافة ونظيفة أو بمنشفة ورقية، يساعد أيضًا في التخلص من بقايا الأوساخ ومسببات المرض التي تلتصق بسهولة أكبر بالأيدي الرطبة مقارنة بالأيدي الجافة. وفي ذات الوقت، يفضل التجفيف في الهواء الطلق عوضا عن مسح اليدين بألبستنا الملوثة.
إذن، غسل اليدين بالصابون أكثر فعالية وأقل تكلفة من استخدام المطهرات الكحولية. هذا بالضبط ما توصلت إليه أيضًا دراسة أجرتها جمعية علم الأحياء الدقيقة الأميركية في العام الماضي. ومع ذلك، فإن الميزة الكبرى للمستحضرات الكحولية هي توفرها في الحالات التي لا تتوفر فيها المياه الجارية والصابون.
وقد بدأ الاستخدام الواسع للمواد الكحولية المعقِمة في المشافي والعيادات، حيث يُطلب من الطواقم الطبية تنظيف أيديهم قبل وبعد الاتصال بالمريض. بعض الدراسات وجدت أن توزيع الأجهزة مع المعقمات في الممرات وغرف المرضى ساهم في استجابة الطواقم الطبية، وقلل بالتالي من انتقال الملوثات المعدية المقاومة للمضادات الحيوية.
هنا أيضًا، من المهم استخدام المواد الكحولية بشكل صحيح: أخذ كمية محسوبة من المستحضر بتركيز كحولي 60٪ على الأقل، وفركها كي تغطي راحة اليد بالكامل، والاستمرار بالعملية حتى جفاف اليدين تمامًا. من المستحسن إتباع إرشادات الشركة المصنعة بخصوص المادة المعقمة؛ إذ أن كمية قليلة جدًا ليست فعالة بما فيه الكفاية، في حين أن الكمية المفرطة قد تسبب جفاف الجلد وتهيجه.
من المهم أن نتذكر بأن التعقيم لا يحمينا فحسب، بل يحمي أيضًا الأشخاص من حولنا. لذا يجب أن نكون حذرين جدًا بشأن نظافة اليدين. الالتزام بالغسل الشامل لليدين بالماء والصابون العادي لمدة 20 ثانية والتجفيف الجيد لا يزال الطريقة الأكثر فاعلية لتجنب العدوى ونقلها للآخرين. لكن توفر "جِل" التعقيم وسرعة عمله قد يكون فعّالا في الحالات التي لا يتوفر فيها الماء والصابون.