مع أو دون مخطط "برافر": الاعتداءات الإسرائيلية المنظمة ضد بدو النقب تتواصل وهدم منازلهم وتسميم حقولهم الزراعية بهدف ترحيلهم يسيران على قدم وساق
مشروع قناة البحرين (الأحمر-الميت) يرتبط ارتباطا وثيقا بمخطط اقتلاع وتهجير فلسطينيي النقب
تدمير الاحتلال لمنازل البدو في مضاربهم بمنطقة النقب بهدف اقتلاعهم تتواصل بوجود مخطط برافر أو بدونه
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بالرغم من الانخراط الطوعي لبعض بدو النقب الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن التحريض الإسرائيلي العنصري ضد مجرد بقائهم على أراضيهم التي ورثوها أبا عن جد يتواصل ويتصاعد. الشعار الصهيوني المرفوع ضد فلسطينيي النقب هو: "البدو يغزون النقب ويستولون عليه"! علما أن بدو النقب يعتبرون (فلسطينيا وإسرائيليا) الشريحة الاجتماعية العربية الأكثر فقرا في فلسطين المحتلة عام 1948، ويبلغ عددهم نحو مائتي ألف نسمة يشكلون نحو ثلث سكان النقب. والحقيقة أن البدو الفلسطينيين يقطنون حاليا في 3% فقط من إجمالي مساحة النقب البالغة نحو 14 ألف كيلومتر مربع (حوالي 50% من مساحة فلسطين التاريخية)، وذلك إثر الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة والمنظمة ضدهم خلال العقود الماضية، وهدم منازلهم والبنى التحتية، وتسميم حقولهم الزراعية بهدف ترحيلهم واقتلاعهم من أراضيهم. ورغم النهب الإسرائيلي لمساحات شاسعة من أراضي التجمعات البدوية، إلا أن مطالب الأخيرين المتعلقة بالأراضي لا تتجاوز 5.4% فقط من إجمالي أراضي النقب!
آفاق البيئة والتنمية تجولت في بعض بقاع النقب وتعرفت على واقع الاضطهاد العنصري البشع الذي يعاني منه أهلنا هناك، وبخاصة سرقة أراضيهم ومواردهم المعيشية، وحرمانهم من أبسط الشروط والحقوق الإنسانية، وذلك في دولة الاحتلال التي تزعم أنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". ورغم كل المعطيات الصارخة، لا تزال تلك الدولة تهاجمهم تحت الشعار الكولونيالي الاستفزازي: "البدو يهدرون الأراضي"! وللمقارنة: ما يسمى المجلس الإقليمي الإسرائيلي "بني شمعون" يضم 13 تجمعا سكانيا صهيونيا تعاونيا ("كيبوتسات" و"موشافات") في شمالي النقب، الكثافة السكانية فيها أقل بـِ 6.3 ضعفا مما هو قائم في جميع أراضي 35 قرية بدوية غير معترف بها من قبل إسرائيل!
في حزيران 2013 تمكنت الحكومة الإسرائيلية من تمرير ما يسمى مخطط "برافر" في "الكنيست" بالقراءة الأولى. وينص المخطط على "تنظيم سكن البدو في النقب لعام 2013"، ويهدف أساسا إلى هدم قرى بأكملها في النقب، ومصادرة وتهويد أراضي الفلسطينيين البدو، وطرد واقتلاع أكثر من أربعين ألف مواطن بدوي من أراضيهم ومنازلهم، حيث يعتاشون على الزراعة، وإرغامهم على السكن فقط في "مدن" بدوية تعاني أصلا من الإهمال الإسرائيلي الكامل والبطالة والفقر الرهيبين، وانعدام الخدمات الأساسية. وقد رفضت اللجان الإسرائيلية الحكومية التي بلورت المخطط الاقتلاعي، الاستماع إلى ممثلي القرى البدوية الخمس وثلاثين غير المعترف بها إسرائيليا. وسيمنع البدو من الإقامة في الأراضي التي سيهجرون منها. الهدف الصهيوني الحقيقي من مخطط التهجير والاقتلاع هو إحلال مستوطنين يهود على أنقاض القرى والتجمعات البدوية العربية. هكذا على سبيل المثال، تخطط إسرائيل توسعة غابة اصطناعية وإنشاء مستوطنة يهودية مرفهة ستدعى "حيران" على أنقاض القرية البدوية العربية أم الحيران التي يقطنها نحو 500 مواطن فلسطيني. وهكذا أيضا، تخطط ما يسمى "دائرة أراضي إسرائيل" زراعة حرج شجري على أنقاض قرية العراقيب البدوية التي هدمتها القوات الإسرائيلية أكثر من ستين مرة!
الجدير بالذكر، أنه عشية إقامة دولة إسرائيل، كان عدد المواطنين البدو العرب في النقب أكثر من مائة ألف، اعتاشوا على فلاحة مساحات واسعة من الأرضي الزراعية. نحو 90% منهم اقتلعوا وشردوا من أراضيهم خلال حرب عام 1948. بعض القرى البدوية التي تواجه حاليا خطر الهدم كانت قائمة أصلا قبل قيام دولة إسرائيل بمئات السنين. بينما نشأت التجمعات البدوية الأخرى في مواقعها الحالية استنادا إلى أوامر الحاكم العسكري الإسرائيلي بعد عام 1948. ورغم ذلك، لا تعترف دولة الاحتلال بخمس وثلاثين قرية بدوية في النقب، بل لا تزال تحرمها من الشبك بالبنى التحتية الأساسية مثل مياه الشرب، الكهرباء، شبكة المجاري وغير ذلك. والمثير أن تجمعات المدن البدوية السبع التي أنشأتها إسرائيل، مثل راهط، تقع في أسفل السلم الاجتماعي-الاقتصادي الإسرائيلي وتعاني من انعدام البنى التحتية، الخدمات الاجتماعية وأماكن العمل. إنها البنية الكولونيالية العرقية للدولة اليهودية القائمة على احتلال وتهويد أكبر مساحات ممكنة من الأراضي العربية انطلاقا من اعتبارات استعمارية توسعية عنصرية بحتة، واقتلاع أقصى كم ممكن من أهل البلد الأصليين، والإبقاء على أدنى عدد ممكن من العرب في تلك المساحات، فضلا عن تكريس الفقر والبؤس الاجتماعي في أوساط الفلسطينيين الذين بقوا على أراضيهم.
تقييد المناطق السكنية للمواطنين البدو يذكرنا بالمعازل السكنية اليهودية المغلقة ("الجيتو") التي فرضت على اليهود أنفسهم في بعض الدول الأوروبية (روسيا القيصرية، بولندا وغيرهما). وبشكل عام، تكشف علاقة دولة إسرائيل بفلسطينيي عام 1948 استعلاء استعماريا عنصريا بشعا؛ علما أن إجمالي مساحة منطقة النقب تساوي نصف مساحة فلسطين التاريخية، وهي تتسع ليس فقط للبدو، بل لملايين الفلسطينيين المشتتين في جميع أصقاع المعمورة. وعمليا، بدأ تنفيذ مخطط "برافر" قبل إقراره نهائيا في "الكنيست"؛ إذ أن قوات الاحتلال تمارس منذ بضع سنوات أعمال هدم المباني والقرى البدوية في النقب، بل أخذت هذه الأعمال تتسارع خلال السنوات القليلة الماضية.
دأبت السلطات الإسرائيلية في السنين الأخيرة على تسميم حقول المزارعين البدو في النقب بهدف اقتلاعهم من أراضيهم
قناة البحرين ومخطط الاقتلاع والتهجير
اللافت أن المشروع الصهيوني المسمى قناة البحرين (الأحمر-الميت) يرتبط ارتباطا وثيقا بمخطط اقتلاع وتهجير فلسطينيي النقب. لذا، استحدث بنيامين نتنياهو، في حينه، وزارة جديدة أسماها وزارة "تطوير النقب والجليل" التي أوكلت إلى سيلفان شالوم الذي اعتبر مشروع "قناة البحرين" ضمن أهم أولويات وزارته؛ ذلك أن مشروع قناة البحرين سيسرع في عملية الاستيطان الإسرائيلي لصحراء النقب، حيث ستوفر لها مصادر مائية وكهربائية رخيصة جدا. وتكثيف الوجود السكاني الإسرائيلي في النقب يعني مزيدا من نهب أراضي العرب في المنطقة واقتلاعهم منها. بل إن سيلفان شالوم أعلن عام 2012؛ بأن مشروع القناة يعد "مشروعا وطنيا عظيما سيساهم في تنمية النقب والعربة" (معاريف 3/7/2012).
كما أن حزب الليكود وحكومته السابقة (حكومة أرئيل شارون) كانا أيضا من أشد المتحمسين لمشروع القناة الذي جند إليه أيضا النظام الهاشمي والسلطة الفلسطينية. وقد صرح شارون في حينه، وتحديدا بعد الإعلان عن اتفاقية دراسة جدوى قناة البحرين (عام 2005)، بأن هدف "إسرائيل" من الآن وحتى عام 2020 هو توطين مليون يهودي في صحراء النقب. من هنا جاء ما يسمى مخطط "برافر" الصهيوني الخاص بمنطقة النقب والذي تهدف الحكومة الإسرائيلية إلى تحويله (عبر الكنيست) إلى قانون يهدف إلى مصادرة أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب العربية وتهجير أكثر من 40 ألف عربي من أراضيهم ومنازلهم هناك، وتدمير 35 قرية وتجمع سكاني فلسطيني في المنطقة. وقد علقت إسرائيل، مؤقتا، تنفيذ هذا المخطط، بسبب المظاهرات الحاشدة والمواجهات الشعبية الفلسطينية التي هبت في حيفا والنقب وغيرهما.
|
|
مسنة فلسطينية من بدو النقب تجلس على أنقاض المنازل التي دمرها الاحتلال |
منازل بدو النقب سوتها قوات الاحتلال مع الأرض |