مؤتمر المناخ في بولندا... بطء الاستجابة في زمن اللاعودة، وفلسطين "التحدي الأعظم"
دافع الرئيس البولندي "أندريه دودا" في مستهل المؤتمر الدولي السنوي للمناخ الذي التئم في كاتوفيتسه جنوب بولندا (2-14 ديسمبر 2018) عن اعتماد بلاده على الفحم في إنتاج الطاقة الكهربائية بنسبة 80%، مؤكداً أن هذا المورد الذاتي الطبيعي لا يتعارض مع حماية المناخ وإحراز تقدم في هذا المجال. كما نظّم ممثلو الولايات المتحدة الأميركية خلال مؤتمر كاتوفيتسه فعالية روجت لفوائد حرق الوقود الأحفوري والفحم بدرجة كفاءة أعلى. المؤتمر أجلّ البت فيما يتعلق بالقواعد الحاكمة لأرصدة الانبعاثات الكربونية والتي تمثل دفعة لنشاط الأعمال، كما انتهى دون التزام بتعزيز أهداف الدول في خفض الانبعاثات بحلول عام 2020. وتم التوصل في ختام "كوب 24" إلى أولاً: اتفاق حول كيفية حساب انبعاث غازات الاحتباس الحراري بشكل موحد. وثانياً: كيفية التقييم الجماعي لفعالية العمل المناخي في عام 2023، وثالثاً: متابعة التقدم حول تطوير التكنولوجيا ونقلها. كان من المفترض أن يشكل مؤتمر (كوب 24) علامة فارقة منذ اتفاق باريس 2015، للاتفاق على قواعد عمل ضمن المساهمات المحددة وطنياً (التعهدات وآليات التقييم المُقرة بأسلوب تشاركي NDCs ) والتي تتعلق بكيفية فرض خطوات فعلية للحد من ارتفاع درجة حرارة العالم ما بين درجة ونصف إلى درجتين، لكن هيمنة المصالح السياسية والاقتصادية على حساب العمل الجماعي العالمي للحكومات أحبط هذا الإجماع.
|
خاص بمؤسسة هينرش بل
يرى العشريني جاكوب أحد المتطوعين الشباب في مؤتمر المناخ المنظم في كاتوفيتسه جنوب بولندا، أن عيد الميلاد لم يعد له ذات الرونق في السنوات العشر الأخيرة، فقد طُبع في ذاكرته مشهد أشجار الميلاد الضخمة المرصّعة بالأنوار والمكسوة بالثلج وسط مدينته شديدة البرودة، أما الآن فالثلج يتأخر حتى أواسط يناير ويبدو الميلاد مختلفاً.
هكذا عبّر جاكوب عن قلقه من آثار التغير المناخي، الذي انعكس على ارتفاع درجات الحرارة لتشهد خلال العشرين عاما الماضية أعلى مستوياتها، وفق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. لكن هذا التخوف، كما يبدو، لا توليه حكومته المستضيفة لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية الـ24، ذات الاهتمام.
فقد دافع الرئيس البولندي "أندريه دودا" في مستهل المؤتمر (2-14 ديسمبر 2018) عن اعتماد بلاده على الفحم في إنتاج الطاقة الكهربائية بنسبة 80%، مؤكداً أن هذا المورد الذاتي الطبيعي لا يتعارض مع حماية المناخ وإحراز تقدم في هذا المجال.
هذا التصريح الرسمي في المؤتمر الذي كان يحمل طموحات عريضة بضرورة خفض الانبعاثات الكربونية إلى النصف حتى عام 2030، يثير الاستغراب حول مدى إيمان بولندا كجزء من الاتحاد الأوروبي، بضرورة الحد من التغير المناخي عموماً.
فالدولة الأوروبية تضم مفاعل بلشتوي وهو أكبر منتج للطاقة الكهربائية المعتمدة على الفحم، وكذلك المحطة الأكثر تلويثاً في أوروبا.
نُشطاء البيئة في العالم، كانوا يعولون على بولندا في تصدّر توجهات الانتقال العادل من استخدام الوقود الأحفوري إلى طاقة قليلة الانبعاثات وحامية للمناخ. أرادوا أن تكون الدولة المستضيفة لمؤتمر المناخ مثالاً يحتذى به في أوروبا والعالم.
إلّا أن اعتمادها الكبير على الفحم لاستخراج الطاقة كبل جهودها. ولم تملك بولندا إلا أن تغير وزير البيئة والطاقة البولندي المشكك في ظاهرة الاحتباس الحراري "يان سيسكو" بنائبه "ميشال كورتيكا" لرئاسة مفاوضات المناخ. خطوة حفظت ماء وجه هذا البلد المتخم بمشاريع الفحم.
"توجه" حكومة بولندا الذي حاولت تغليفه بخضرة الغابات المزمع تكثيفها لتقليل الانبعاثات الكربونية، يتقاطع مع هيمنة شركات الفحم والغاز الطبيعي على سياسة ألمانيا التي أدت إلى تأخير تنفيذ أهداف خطة الطاقة الانتقالية لعام 2020، وأيضاً بصورة غير مباشرة مع سياسة حكومة الرئيس الأمريكي ترامب الذي هدد عام 2017 بالانسحاب من اتفاق باريس الذي وصفه "بالسخيف"، لا بل نظّم ممثلو بلده خلال مؤتمر كاتوفيتسه فعالية روجت لفوائد حرق الوقود الأحفوري والفحم بدرجة كفاءة أعلى.
إلّا أن التشاؤم الذي برز قبيل انعقاد المؤتمر؛ كان بتوقيع رئيس البرازيل "جايير بولسونارو" عبر اعتذاره عن عقدِ مؤتمر المناخ الـ 25 في بلاده العام المقبل. هذا الموقف لا يمكن أن يتوارى خلف الذرائع المالية التي بررتها حكومة بولسونارو، بل يكشف الغطاء عن مشاريع مدمرة للبيئة متمثلة بشق طرق في غابة الأمازون "رئة الأرض" الكبرى التي تمتص سنوياً ما يعادل 2.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.
نتائج المؤتمر...قواعد عمل لاتفاق باريس ولكن!
توحي قفزة رئيس مؤتمر المناخ البولندي "كورتيكا" في اليوم الأخير الموافق لـ15 من ديسمبر، بأن الأمور سارت على أفضل وجه من حيث المسيرة التفاوضية، لكن الحقيقة هي أنه رغم اتفاق 200 دولة على مجموعة من التوجيهات الخاصة لتنفيذ اتفاق باريس، إلا أن المؤتمر أجلّ البت فيما يتعلق بالقواعد الحاكمة لأرصدة الانبعاثات الكربونية والتي تمثل دفعة لنشاط الأعمال، كما انتهى دون التزام بتعزيز أهداف الدول في خفض الانبعاثات بحلول عام 2020. ومن أهم النقاط الخلافية التي برزت خلال مفاوضات المؤتمر وقد بلغت 600؛ كانت مسألة التمويل وطرق توفيرها وإنفاقها، لمساعدة الدول الأكثر تضررا من تغير المناخ والمسألة الثانية: الشفافية ووضع قواعد موحدة لكل الدول دون استثناء للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالمناخ. (Map Ecology, 2019)
هذا التباطؤ في تخفيض درجة الحرارة لهدف درجة ونصف مئوية ما قبل الثورة الصناعية من أجل احتواء تأثيرات تغير المناخ والمخاطر التي يفرضها على الإنسان والنظم الإيكولوجية، بات بمثابة جرس إنذار أمام عالم يتجه نحو ارتفاع كبير بدرجات الحرارة سيصل إلى 3 درجات مئوية حتى عام 2100 وفق المنظمة العامة للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة. وشدد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، على ضرورة خفض وخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 45 %، بحلول عام 2030 (BBC News Arabic, 2019)
ووفق رئيس المؤتمر كورتيكا، وفيما يتعلق بالأمور الفنية، فقد تم التوصل في ختام "كوب 24" إلى أولاً: اتفاق حول كيفية حساب انبعاث غازات الاحتباس الحراري بشكل موحد. وثانياً: كيفية التقييم الجماعي لفعالية العمل المناخي في عام 2023، وثالثاً: متابعة التقدم حول تطوير التكنولوجيا ونقلها.
ربى عنبتاوي مراسلة آفاق البيئة والتنمية في مؤتمر المناخ الـ24، كاتوفيتسه، بولندا
المتوقع والواقع
كان من المفترض أن يشكل مؤتمر (كوب 24) علامة فارقة منذ اتفاق باريس 2015، للاتفاق على قواعد عمل ضمن المساهمات المحددة وطنياً (التعهدات وآليات التقييم المُقرة بأسلوب تشاركي NDCs ) والتي تتعلق بكيفية فرض خطوات فعلية للحد من ارتفاع درجة حرارة العالم ما بين درجة ونصف إلى درجتين، لكن هيمنة المصالح السياسية والاقتصادية على حساب العمل الجماعي العالمي للحكومات أحبط هذا الإجماع. مرفق بالجدول التالي، الفجوة بين ما كان يفترض انجازه وبين واقع ما انتهى إليه المؤتمر:
|
المتوقع
|
الواقع
|
1
|
الترحيب الجماعي بتقرير الهيئة الحكومية المعنية بالتغير المناخي (IPCC) لرفع سقف الطموحات للحد من الانبعاثات الغازية.
|
لم ترحب أربع دول في تقرير الـ IPCC، وهي الولايات المتحدة، السعودية، روسيا والكويت، ما أخّر سير المفاوضات.
|
2
|
بولندا البلد المستضيف للمؤتمر تشكّل أنموذجاً لمشاريع الطاقة الانتقالية.
|
بولندا لم تقدم أي مؤشرات ملفتة فيما يتعلق بالتحول من الوقود الاحفوري إلى المتجدد.
|
3
|
آلية واضحة بشأن المساعدات المالية والتكنولوجية التي يدعو اتفاق باريس البلدان المتقدمة لتقديمها إلى البلدان النامية والأقل نمواً لمساعدتها على التكيف مع التغير المناخي.
|
أقتصر الاتفاق على تقديم تمويل للدول النامية في مجال تخفيض الانبعاثات أو "الوقاية"، لكن تم تأجيل النقاش حول المعونات التي تتعلق بالتكيف مع التغير المناخي ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات لعام 2024 ما يعد انتصاراً كبيراً للدول المتطورة للتملص من هذه الالتزامات.
|
4
|
حسم مسألة مساهمات الدول في تمويل صندوق المناخ، ( التعهّد بدفع 100 مليار دولار أميركي كل سنة بحلول عام 2020)
|
أنهت القمة أعمالها من دون أن تحسم مسألة مساهمات الدول الكبرى في تمويل صندوق المناخ، أعلنت ألمانيا والنرويج مضاعفة تمويلهما، تعهد البنك الدولي بمساهمات مالية حتى 200 مليار دولار بعد عام 2021.
|
5
|
خطاب الاتحاد الأوروبي موحد ويلعب دور القيادة
|
انقسامات دول الاتحاد وضعف الخطاب والحماسة، وخاصةً بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد، وتظاهرات السترات الصفر في فرنسا. وفشل دولة مثل ألمانيا بالتخلي عن الفحم الحجري وإصرار بولندا على الاعتماد عليه بنسبة 80%.
|
6
|
انتهاء الجدل حول تصنيفات الدول بين متقدمة ونامية وأقل نمواً، الأخيرة التي لها الأولوية في التمويل.
|
استمرار الجدل حول تصنيفات الدول ما سيؤخر في تسريع آلية التمويل.
|
فلسطين والتغير المناخي
في السياق الفلسطيني، يعدُّ تأثير (الضفة الغربية وقطاع غزة) هامشياً على التغير المناخي من حيث انبعاثات غازات الدفيئة أي يعادل 0,01%، مقابل الصين التي تعد الأعلى في الانبعاثات 25,9% (التغير المناخي، معهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة، 2018). مع ذلك تصنّف الأراضي الفلسطينية ككثير من الدول النامية في خانة المتضررين، حيث أضحت أكثر عرضةً للجفاف وقلة مصادر المياه بفعل ارتفاع درجات الحرارة كجزء من المناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط (صافي،2015) وتشير التوقعات إلى ازدياد درجات الحرارة بمعدل درجتين مئويتين بحلول عام 2050، وانخفاض هطول الأمطار بنسبة 15-30% وارتفاع فترات الجفاف بحلول عام 2090، ما ينذر باتساع الأراضي المتصحرة وانخفاض تغذية المياه الجوفية. (التغير المناخي، معهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة، 2018)
من المتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في الضفة الغربية عام 2030 بنسبة 200 -300% وبنسبة 100% في قطاع غزة. ( معهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة، نشرة الزراعة، 2018).
يعدُّ الاحتلال أكبر عائق في إنجاح مشاريع التكيف مع التغير المناخي وتحديداً مشكلة شح المياه، حيث يُمنعُ الفلسطينيون من الوصول لمياه نهر الأردن وحفر الآبار الارتوازية للاستفادة من حقوقهم المائية الجوفية، كما تتسبب القيود المفروضة على الفلسطينيين في الحد من التوسع في مجال معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها، وهو ما يؤدي إلى تصريف 60% من المياه العادمة الفلسطينية في مجاري الأودية مما يتسبب بمشاكل بيئية وصحية.( نشرة الزراعة، معهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة، 2018).
وعلى سبيل المثال، ساهم الجو القاسي مثل موجات الحر الشديد والصقيع بتدمير المحاصيل الزراعية، فمثلاً في عام 2015 أدت الأجواء المناخية الصعبة إلى خسارة 10000 طن من العنب، وفي 2010 أدت موجات الحر الشديدة إلى خفض إنتاج الزيتون بنسبة 20%.( نشرة الزراعة، معهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة، 2018).
هذه التأثيرات المقلقة على الوضع الفلسطيني والتي تطال المنطقة العربية عموماً، ستتطلب تكاليف تقديرية للتكيف مع المناخ في قطاعات الزراعة والمياه والطاقة البديلة تصل إلى3,5 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة. أعباء إضافية تضاف إلى بلد يفتقر للاستقرار السياسي والحقوق الأساسية المتمثلة بالسيادة والأمن على الأرض والتمتع بالموارد الطبيعية وحرية الحركة والعيش بكرامة، ما يجعل مواجهة التغير المناخي في ظل تلك الظروف تحدٍ عظيم تحقيقه لا يتأتى إلا عبر التوصل لحلول سياسية عادلة.
المراجع:
- BBC News Arabic. (2019). تغير المناخ: "العالم على مفترق الطرق". [online] Available at: http://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-46422300 [Accessed 20 Jan. 2019].
- Carbon Brief. (2019). Meeting two degree climate target means 80 per cent of world's coal is "unburnable", study says | Carbon Brief. [online] Available at: https://www.carbonbrief.org/meeting-two-degree-climate-target-means-80-per-cent-of-worlds-coal-is-unburnable-study-says [Accessed 19 Jan. 2019].
- Map Ecology. (2019). كوب 24.. المفاوضون يحاولون تبديد الخلافات في أفق التوصل إلى الوثيقة النهائية - Map Ecology. [online] Available at:
-
- التغير المناخي (نشرة)، معهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة، نوفمبر 2018
- صافي أحمد صالح. “التغيرات المناخية في فلسطين وضرورة التكيف.” مجلة آفاق البيئة والتنمية, آذار 2015، www.maan-ctr.org/magazine/article/596/
- الزراعة (نشرة) معهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة، نوفمبر 2018