جامعة سطيف / الجزائر
السواحل الجزائرية
تعيش البشرية في العقود الأخيرة عصرا يتميز بطفرة علمية وتكنولوجية غير مسبوقة مسّت مختلف مناحي الحياة، بشكل حوّل المجتمعات الحديثة إلى مجتمعات استهلاكية بالدرجة الأولى، تتسابق آليات الإنتاج، الاستيراد، ومختلف أدوات الإشهار والترويج إلى تلبية حاجات أفرادها التي تضخمت كمّا ونوعا. لكن إشباع حاجات هؤلاء الأفراد بلغ حد الرفاهية في بعض المجتمعات خاصة المتقدمة منها، وجعل موارد الكوكب الأرضي تتحول في وقت وجيز إلى نفايات بأنواع مختلفة وأحجام هائلة، كل ذلك أثّـر سلبا على البيئات الحضرية عبر مدن العالم ومنها مدن الجزائر.
هذا ما يفرض على الدول ضرورة تبني سياسات مستدامة لحماية البيئة عموما، والبيئة الحضرية خصوصا. وتأسيسا على ذلك تُطرح إشكالية الورقة البحثية كما يلي: ما هي سياسة الجزائر في مجال البيئة الحضرية من أجل مدن مستدامة في المستقبل؟ هذه الإشكالية يتم معالجتها على ضوء الخطة الآتي بيانها: مفهوم سياسة البيئة الحضرية في الجزائر (أولا)، أهداف سياسة البيئة الحضرية في الجزائر (ثانيا)، أدوات سياسة البيئة الحضرية في الجزائر (ثالثا)، مبادئ سياسة البيئة الحضرية في الجزائر (رابعاً)، خاتمة.
أولا/ مفهوم سياسة البيئة الحضرية في الجزائر
تعتبـر سياسـة البيئـة الحضريـة في مدن الجزائـر، نهج عملي لتحسين الإدارة الشاملة والمتكاملة للنفايات المنزلية وما شابهها، التي تنتج عن النشاطات المنزلية، فضلا عن النفايات المماثلة الناتجة عن النشاطات الصناعية، التجارية والحرفية. وعادة ما يُقصد بالنفايات كل البقايا التي تخلفها عمليات الاستعمال، أو الإنتاج، أو التحويل؛ وبعبارة أخرى فهي تشمل كل منتوج، أو مادة، أو منقول يقع على مالكه، أو حائزه ضرورة التخلص منه وإزالته.
هذا التعريف يقودنا إلى الحديث عن أنواع النفايات، التي تُصنّف حسب معيار التصنيف المعتمد إلى عدة أصناف؛ فمعيار خطورة النفايات وضررها بالنسبة للصحة العمومية والبيئة يصنفها إلى نفايات ضارة، ونفايات غير ضارة. ويصنفها معيار الشكل والطبيعة الفيزيائية إلى نفايات صلبة، نفايات سائلة، نفايات غازية. أما معيار المصدر فيصنفها إلى نفايات منزلية، نفايات صناعية، نفايات مشعة أو نووية، نفايات زراعية، نفايات حيوانية، نفايات تجارية، نفايات خدماتية، نفايات طبية.
وبالعودة إلى التصنيف المعتمد في النظام البيئي الجزائري، نجد أن النفايات مصنفة كما يلي:
أولا/ النفايات الخاصة: وهي النفايات التي تنتج عن النشاطات الصناعية والزراعية والخدماتية، وتضاف إليها النفايات العلاجية الناتجة عن الفحص والمتابعة والعلاج الوقائي في مجال الطب البشري والطب البيطري. ويوصف هذا النوع بالنفايات الخاصة نظرا لطبيعتها ومكونات المواد التي تحتويها، بحيث لا يمكن جمعها ونقلها ومعالجتها مثلما يتم مع النفايات المنزلية والنفايات الهامدة.
ثانيا/ النفايات الخاصة الخطرة: وهي النفايات التي تضر بالصحة العمومية والبيئة، لاحتوائها على مواد سامة أو بفعل طبيعة مكوناتها. جدير بالذكر بأن النفايات الخاصة الخطرة عادة ما تصنف ضمن النفايات الخاصة المستعرضة أعلاه.
ثالثا/ النفايات المنزلية وما شابهها: وهي تشمل بالأساس النفايات الناتجة عن نشاطات الإنسان المنزلية، بالإضافة إلى النفايات المشابهة لها من حيث طبيعتها ومكوناتها، التي تنتج عن النشاطات الصناعية والتجارية والحرفية.
رابعا/ النفايات الهامدة: وهي النفايات التي لا تطرأ عليها التغييرات الفيزيائية والبيولوجية والكيماوية عند وضعها بالمفارغ، ومن أمثلتها بقايا أشغال البناء والهدم والترميم، والنفايات الناتجة عن استغلال المناجم والمحاجر.
وللتغلب على صعوبة وضع تصنيف موحد للنفايات كما سبق بيانه، استعانت بعض الممارسات الدولية والوطنية بنظام القوائم، وهو نظام يقوم على إدراج النفايات في قوائم حسب مقاييس خطورتها على الصحة البشرية خاصة والبيئة الإنسانية عموما، وهذا النظام معمول به أيضا في الجزائر، حيث أن النفايات مصنفة في قائمتين مفصّلتين على شكل ملحقين، حدد الملحق الأول مقاييس خطورة النفايات الخاصة الخطرة، أما الملحق الثاني فضم قائمة النفايات المنزلية وما شابهها والنفايات الهامدة، في حين تضمن الملحق الثالث قائمة النفايات الخاصة والنفايات الخاصة الخطرة.
ثانيا/ أهداف سياسة البيئة الحضرية في الجزائر
تهدف سياسـة البيئـة الحضريـة في الجزائـر إلى حماية حق كل فرد في بيئة سليمة وصحية، هذا الحق نصت عليه المواثيق العالمية لحقوق الإنسان ووثائق حماية البيئة، كما تبناه دستور الجزائر المعدل سنة 2016 في مادته 68 التي نصت على أن " للمواطن الحق في بيئة سليمة...".
لكن إعمال هذا الحق يتطلب حماية أمن الإنسان الصحي القائم على تفعيل نهج الذكاء في التسيير الحضري للوظائف المتشعبة والمتداخلة وحتى المعقدة للمدن الذكية الحديثة smart cities Modern في مجال الإدارة الشاملة والمتكاملة للنفايات، من أجل مكافحة التلوث بجميع أشكاله وكافة الأضرار البيئية في الوسط الحضري، لا سيما ما تعلق بالحفاظ على نوعية جيدة للهواء، وضمان التزوّد بمياه شرب ذات جودة، وكذلك الربط بشبكة الصرف الصحي من أجل تحسين الصحة العامة. وبعبارة أخرى تهدف سياسة البيئة الحضرية إلى تحقيق الجودة في الحياة الساكنة في البيئات الحضرية بالجزائر.
ونظرا لتلك العلاقة العضوية الموجودة بين البيئة والأمن Environment and Security، يعتبر التدهور البيئي من مهددات أمن الإنسان المجتمعي والشخصي، فقد أثبتت الدراسات العلمية وتقارير الأجهزة المختصة بأن المناطق التي تفتقر إلى نظام لإدارة النفايات، أو عدم فعالية هذا النظام إن وجد؛ نتيجة الرمي العشوائي للنفايات بمختلف الأنواع والأحجام؛ فعادة ما تشكل هذه المناطق الموبوءة بيئيا، بؤرا مساعدة على نمو وانتشار ظواهر اجتماعية وأخلاقية سلبية في الوسط الحضري على غرار العنف والانحراف وكذلك الإجرام بأشكاله. لذلك فمن بين أهداف سياسـة البيئـة الحضريـة في الجزائـر هو حماية أمن الإنسان الشخصي والمجتمعي، من خلال صون سلامة عناصر بيئته.
ثالثا/ أدوات سياسة البيئة الحضرية في الجزائر
تعتبر الأدوات القانونية ممثلة في نصوص قانون العقوبات والضبط الإداري البيئي من أهم أدوات تنفيذ سياسـة البيئـة الحضريـة في الجزائـر، كما تبرز أيضا أهمية نظام الرسوم الإيكولوجية والحفز الضريبي Eco-taxes التي تبناها المشرّع الجزائري لحماية البيئة عموما والبيئة الحضرية بالخصوص، ومن أهم الرسوم الإيكولوجية ونظم الحفز الضريبي المعتمدة في التشريع البيئي الجزائري نجد:
1-الرسم التحفيزي لتشجيع عدم تخزين النفايات الصناعية؛
2- الرسم التحفيزي لتشجيع عدم تخزين النفايات المرتبطة بأنشطة العلاج (النفايات الاستشفائية)؛
3- الرسم التكميلي على التلوث الجوي الصناعي؛
4- الرسم المتعلق بالنفايات الحضرية؛
5- الرسم التحفيزي المتعلق بتخفيف الضغط على الساحل.
ولتدعيم حماية البيئة في الجزائر من مخاطر التلوث الناجم عن النفايات المختلفة، استعانت تشريعات البيئة بأسلوب الإعفاء الجزئي أو الكلي من دفع الرسوم الإيكولوجية، إذا امتثلت المنشأة الملوثة إلى التدابير المتعلقة بمكافحة التلوث.
رابعا/ مبادئ سياسة البيئة الحضرية في الجزائر
تقوم التنمية المستدامة Sustainable Development على مراعاة العدالة بين الأجيال الحالية والمستقبلية، التي تتجلى في حق أفراد كل جيل في بيئة سليمة وصحية، مثلما جاء في شعار مؤتمر قمة الأرض سنة 1992 على أن"...الأرض لم نرثها من الأجداد، وإنما استعرناها من الأحفاد، فيجب المحافظة عليها وإعادتها للأجيال القادمة سليمة ومعافاة". لذلك نجد أن مبدأ التنمية المستدامة الذي تقوم عليه سياسـة البيئـة الحضريـة في الجزائـر يعترف أيضا بحق كل جيل في الاستفادة من موارد الكوكب الأرضي؛ بمعنى أن حق الأجيال الحالية في إشباع حاجاتها من الموارد البيئية، يجب أن لا يُـلغ حقوق الأجيال المستقبلية في تلبية حاجاتها من هذه الموارد والعيش أيضا في بيئة سليمة وصحية.
ووفقا لمبدأ الحيطة Precautionary Principle في إطار سياسة البيئية الحضرية في الجزائر يقع على كل شخص طبيعي ومعنوي ضرورة اتخاذ التدابير الفعلية والمتناسبة للوقاية من مخاطر الأضرار البيئية الجسيمة، وذلك باعتماد تكاليف اقتصادية مقبولة، دون التحجج بعدم توفر التقنيات ومحدودية المعارف العلمية والتقنية المتوفرة حاليا.
كما تقوم سياسة الجزائر للبيئة الحضرية على مبدأ الملوث دافع Polluter Pays Principle، الذي يلتزم بموجبه كل شخص طبيعي أو معنوي تسبب نشاطه أو يمكن أن يتسبب في حدوث أضرار بيئية، بأن يدفع للغير المتضرر نفقات كل تدابير الوقاية والتقليص من التلوث، وإعادة الأماكن وبيئتها إلى أوضاعها الأصلية.
خاتمة:
في الأخيــر، نصل إلى القول بأن سياسـة البيئـة الحضريـة التي تتبناها الجزائـر في قوانينها وبرامجها وخططها الإنمائية من أجل الوصول بالمدن الجزائرية إلى مصاف مدن المستقبل المستدامة، هي سياسة تراعي التوازن بين متطلبات التنميــة التي تسعى إلى تلبية حاجات الأفراد المتزايدة، وحتمية الحفاظ على البيئــة التي توفر الموارد الطبيعية وتضمن إمكانية تجددها، ولكن هذا القول لا يعني تكامل هذه السياسة من جميع أبعادها القانونية، التقنية، الاقتصاديةـ، البيئية والاجتماعية، بل لا تزال تحتاج إلى مزيد من الإصلاح والإثراء وحتى التصويب من أجل تعزيزها وتدعيم تكامل أبعادها المشار إليها؛ بما يتوافق مع المعايير والمؤشرات المرجعية للبيئة الحضرية. وعلى ضوء ذلك نقدم مجموعة من التوصيات والمقترحات نجملها في النقاط التالية:
1 – ضرورة توسيع مفهوم النفايات التي وردت بمفهوم جداً ضيق في قوانين وبرامج ومخططات سياسة البيئة الحضرية في الجزائر، بمعنى آخر توسيع المفهوم ليشمل جميع أنواع النفايات سواء المنزلية وغيرها؛
2- تفعيل تطبيق الغرامات البيئية الواردة في النصوص القانونية على جرائم مخالفات الرمي العشوائي للنفايات وانتهاك قواعد التخلص من النفايات وإزالتها.
3- ضبط وتنسيق نصوص سياسة البيئة الحضرية المتناثرة عبر القوانين والبرامج والمخططات المختلفة؛
4- تحيين قائمة النفايات حسب التطورات العلمية والتكنولوجية مثلما توصي بذلك المادة 3 من المرسوم التنفيذي رقم 06-104 المحدد لقائمة النفايات بما في ذلك النفايات الخاصة الخطرة؛
5- ضبط وتنسيق عمل الأجهزة المتعددة- الوطنية والمحلية المكلفة بسياسة البيئة الحضرية في الجزائر؛
6- إنشاء دليل إرشاد وطني للتخلص من النفايات مكيّف مع المعايير الدولية؛
7- تخصيص مناطق لممارسة النشاط الحرفي والصناعي خارج المناطق الحضرية، وبعبارة أخرى مرافقة ممارسي هذه الأنشطة المنتشرة على مستوى بعض الأحياء السكنية، من أجل نقل نشاطهم إلى المناطق المخصصة لممارسة هذه النشاطات؛
8- تعميم نهج تثمين النفايات من خلال الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة للفرز والاسترجاع وإعادة التدوير وكذلك الرسكلة؛
9- استثمار عائدات الرسوم الإيكولوجية بصفة حصرية في مجال حماية البيئة؛
10- تنمية البعد البيئي لدى المواطن أو ما يعرف بالمواطنة البيئية، عن طريق حملات التوعية في دور التعليم ووسائل الإعلام المختلفة وكذلك على المواقع الإلكترونية؛
11- إشراك فواعل المجتمع المدني على غرار جمعيات حماية البيئة في مجال التوعية البيئية بمخاطر الرمي العشوائي والتخلص من النفايات، وتأسيس هذه الجمعيات كأطراف مدنية أمام الجهات القضائية في جرائم البيئة؛
12- الاستفادة من تجارب مدن العالم الناجحة في مجال تسيير البيئة الحضرية، وفي هذا الشأن ينبغي تفعيل اتفاقيات التوأمة التي عقدتها بعض مدن الجزائر مع نظيراتها في الدول الأجنبية.
المراجع:
- دستور الجزائر لسنة 1996 المعدل سنة 2016.
-القانون رقم 01-ـ19 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها.
- القانون رقم 03-10 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة.
- المرسوم التنفيذي رقم 06-104 المؤرخ في 28 فبراير 2006 المحدد لقائمة النفايات بما في ذلك النفايات الخاصة الخطرة.
- د/ خالد السيد، ماهية النفايات الخطرة، دراسة في ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريعات البيئية العربية، المخاطر البيئية، المركز الدبلوماسي، 2015.
-وناس يحيى، الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر، رسالة دكتوراه، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، الجزائر، 2007.
-موقع وزارة البيئة الجزائر.