خاص بآفاق البيئة والتنمية

بروفيسور ليلى مندي مديرة المركز الوطني للأبحاث في الماء والطاقة
كاتوفيتسي / بولندا: في الخط العريض، تعتبر الأمم المتحدة أن تغيرات المناخ هي الخطر الأكبر الذي يهدد بقاء البشرية، والحل الأمثل لمكافحة تغيرات المناخ هي الطاقة الشمسية والهوائية الخالية من الانبعاثات الغازية، حيث يندرج هذا الحل في إطار التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات الحاضر وتفتح الآفاق نحو المستقبل.
وعندما نتحدث عامة عن التنمية المستدامة، فبلا شك، نستعرض في مخيلتنا الـ17 هدفًا للتنمية المستدامة التي تتمثل بالقضاء على الفقر، الجوع، الحفاظ على الصحة الجيدة والرفاه، التعليم الجيد والمساواة بين الجنسين، المياة النظيفة والنظافة الصحية، طاقة متجددة وبأسعار معقولة، العمل اللائق ونمو الاقتصاد، الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، الحد من أوجه عدم المساواة، مدن ومجتمعات محلية مستدامة، الاستهلاك والانتاج المسؤولان، العمل المناخي، الحياة تحت الماء، الحياة في البر، السلام والعدل والمؤسسات القوية، عقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
لا يكتمل الحديث عن التنمية المستدامة، الانجازات والتحديات، الفرص والنماذج العملية دون التطرق إلى البحث العلمي لأهميته وواقعيته وتوجيهه لخدمة مكافحة التغيرات المناخية.
للحديث عن هذه الموضوعات، التقت (معدّة التقرير) خلال فعاليات مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين في كاتوفيتسي، د. فاطمة عاريب – المكلفة بمهمة التنمية المستدامة في جامعة القاضي عياض في المغرب، والبروفيسور ليلى مندي مدير مركز الأبحاث الوطني للمياه والطاقة في جامعة القاضي عياض في المغرب.
تقول عاريب:" التنمية المستدامة هي موضوع الساعة، وهي المقترح الجديد للتغلب على أكبر التحديات للتغيرات المناخية".
وتضيف "التنمية المستدامة كنظام ونموذج تنموي يتطلب منّا ليس فقط التفكير في الحاضر إنما المستقبل، وأن نأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية والاجتماعية حفاظًا على البيئة".
تسعى المغرب في طبيعة الحال إلى ترسيخ أهداف التنمية المستدامة من خلال ديناميكيات جديدة تمثلت في محاولات مختلفة، فتقول د. عاريب في هذا السياق:" التحدي الأهم الذي يقف أمام تحقيق التنمية المستدامة هو تغيير العقليات في المجتمع، عقلية المستهلكين والمنتجين وأفراد المجتمع ككل، وهذا يحتاج إلى تخطيط وتدريب وعمل جاد ومتواصل ولربما يحتاج إلى سنوات".

د فاطمة عاريب المكلفة بمهمة التنمية المستدامة في جامعة القاضي عياض
الأبحاث في خدمة التنمية المستدامة
يعاني المغرب أشد معاناة نظرًا للتقلبات المناخية، وهذه التقلبات التي تولد مشاكل حادة تؤثر بشكل خاص على الموارد المائية، وهنا حسب بروفيسور ليلى مندي مدير مركز الأبحاث الوطني للمياه والطاقة في جامعة القاضي عياض في المغرب "يأتي دور البحث العلمي لإيجاد حلول مستدامة للمشاكل التي يعاني منها المورد المائي".
تضيف: "المياه العادمة هي مورد مائي مهم جدًا، يمكن إعادة استعماله في الزراعة والفلاحة، من الممكن أن نعمل على تحلية مياه البحر، هذا أيضًا مورد غير تقليدي يُمّكن من ايجاد حلول تساهم في الحد من أزمتنا التي تتمثل بتقلص الموارد البيئية".
في المغرب، كما أي مكان في العالم، تسبب المياه العادمة التلوث للإنسان والطبيعة والمكان، وعليه، وضع مركز الأبحاث الوطني على المياه والطاقة في الجامعة القاضي عياض نصب عينيه العمل على أبحاث اضافية للبدء في معالجة هذه الأزمة وبالتالي استعمالها كمورد اضافي.
وهنا، تضيف د. فاطمة عاريب "التنمية المستدامة مشوار طويل وشاق، وهو مُلقى على عاتق الجميع كالمنظمات الأهلية والحكومية والأطر التربوية كالمدارس والجامعات وغيرهم".
التنمية المستدامة ضرورة اقتصادية
بالنسبة للمغرب، التنمية المستدامة ليست ضرورة بيئية فقط انما ضرورة اقتصادية، حيث من شأنها أن تنقل المغرب من موقعه الحاليّ، إلى موقع متمكنٍ أكثر على المستوى الاقتصادي، وهنا فعليًا يأتي دور البحث العلمي الذي يساهم في تعزيز مكانة الدول والمجتمعات.
تقول بروفيسور مندي:" تعتبر المغرب من الدول التي تستورد أكثر من 90% من الطاقة التي بحوزتها من الخارج، وهذا بالطبع مكلف جدًا، وبالتالي، استراتيجيتنا الجديدة في المغرب تتمثل في تطوير الطاقة المتجددة وفعليًا نحن في دولة تتواجد بها الشمس والريح والماء بكثرة وفقًا لجغرافيتها".
تضيف "لدينا في المغرب مشاريع كبرى استراتيجية لتنمية الطاقة المتجددة، والهدف الحالي هو الوصول إلى إنتاج 42% من الطاقة في المستقبل".
العمل من الواقع وإلى الواقع
لا ينفصل المركز الوطني للأبحاث في الماء والطاقة عن الواقع المرير الذي تعيشه بعض القطاعات في المغرب، وخاصة قطاع الزراعة والفلاحة في القرى النائية، فأحد أبرز انجازات المركز الوطني في الأبحاث هو تطوير تقنية لمعالجة المياه العادمة في المجال القروي. تقول بروفيسور ليلى مندي:" قمنا بتطوير تقنيات إيكولوجية ذات تكلفة قليلة، وهذه تقنية طبقناها داخل الجامعة وخارج الجامعة في بعض القرى في المغرب، واليوم وصلنا إلى مرحلة أن كل مزارع أو أي شخص آخر يستطيع الحصول على التقنية، والنتائج فعلًا جيدة".
تضيف "هذه التقنية حصلت على براءة اختراع، فخورون بهذا الانجاز لكننا سعيدون أكثر أننا قمنا بمساعدة المزارعين في القرى المغربية النائية، عملنا على تطوير هذه التقنية خلال مدة تقارب الثلاث سنوات".
العالم القروي في المغرب يشهد تأخرًأ كبيرًا على مستوى تحقيق أحد بنود أهداف التنمية المستدامة، والذي يقول:" يحق لكل انسان المياه النظيفة والنظافة الصحية".
تقول بروفيسور مندي:" في العالم القروي، لا زلنا نعاني من مشاكل الصرف الصحي ومعالجة المياه العادمة، إذ يفتقر ما يقارب 20% من السكان في القرى للصرف الصحي، هذا ما دفعنا للعمل على إجراء دراسات وأبحاث ودمج طلاب البكالوريوس والماجستير بهدف تأهيلهم للعمل في مجال المياه العادمة والصرف الصحي".
ومن تبعات هذه الأزمة، تسرب الفتيات من المدارس، الناتج عن كون معظم المدارس في القرى النائية تفتقر للمراحيض.
رفع مكانة البحث العلمي
يعمل المغرب من خلال مركز الأبحاث الوطني وترأسه بروفيسور ليلى مندي على تعميق البحث والتنمية لإيجاد الحلول للمشاكل الراهنة التي تشكل خطرًا كبيرًا خاصة على الماء والصرف الصحي، ويعمل بجدٍ على تطوير تقنيات تساهم برفع مكانة العالم القروي على كل المستويات.
جامعة القاضي عياض الأولى في البحث العلمي عربيًا
تنهي د. فاطمة حديثها قائلة:" أنا جدًا متفائلة، فجميع المؤشرات في المغرب تبيّن أننا في مسار جيّد خصوصًا في بعض المجالات كالتنمية البشرية، وفي المقابل فإن جامعة القاضي عياض تعتبر أن تحقيق التنمية المستدامة جزءاً من مسؤوليتها وليس فقط مسؤولية المجتمع المدني، فمعروف عن الجامعة أنها تعتبر قائدًا في هذا المجال على مستوى البحث العلمي خاصةً في أبحاث الماء والطاقة".
واكبت جامعة القاضي عياض - ضمن رؤيتها واستراتيجياتها- المجهودات الجبارة التي يقوم بها المغرب، خصوصًا بعد الانطلاقة الفعلية لمؤتمر الأطراف 22 في مراكش – المغرب. حيث عملت الجامعة على تعزيز قيم التنمية المستدامة في مبنى مؤسستها ومحيطها، ودعمت الطلاب في الانخراط بهذا المجال للمساهمة في تطبيق هذه الاستراتيجية.