خاص بآفاق البيئة والتنمية
البحيرة المخفية- تركيا
تتخلى عن زحمة إسطنبول وجمالها، وتقصد قرية معشوقية، وتتبع طوال الطريق الفواصل بين قارتي آسيا وأوروبا، فتشاهد مضيق البسفور العلامة الفارقة لمدينة تتوزع بين القارتين، ولدولة تتقاسم 3% من مساحتها مع القارة العجوز، وتمتد بقيتها الكبرى على آسيا، وتوزع نظرك على المباني حديثة العهد التي تتكاثر كالفطر، فيما لا تخلو المرتفعات والأماكن العامة من العلم التركي، ويحرص عمال على رعاية الأزهار المُعلقة في الكثير من الزوايا والممرات.
تشق الحافلة البيضاء دروبها بين أشجار الكستناء والكرز الأحمر والُدلب، فيما تتداخل مشاريع صناعية ومعمارية بمساحات خضراء وغابات شاسعة. في أول الدرب تتوقف ساعة في حديقة حيوانات فاروق الأكبر في إسطنبول، وهي مكان لافت يضم حسب "حيدر" فني الحديقة نحو 200 نوع من الحيوانات، و250 من النباتات والزهور.
تشاهد الدببة، والأسود، والنمور، والثعالب، والغزلان، والزرافة، والحمر الوحشية، والطيور، والأسماك. فيما تنشر إدارة الحديقة لائحة بأبرز موجوداتها: كالأسد الذهبي، وابن آوى الذهبي، والدب البني، وثعلب الفنك، وفرس النهر، والكنغر الأحمر، والقفر الرمادي، واللاما، والبابون، والليمور، والراكون، والنمس الأصفر، والشمبانزي، والسلحفاة الأفريقية، وبيثون الصخور الهندي، والثعبان الملكي، وتمساح النيل، والإغوانا الخضراء. وتخفق في معرفة أسماء نباتات غير معهودة في مناخنا.
شاطئ أغوا - تركيا
إسمنت ونفط!
تواصل المسير، وتقطع تعليقات المرشد السياحي السوري فادي أحمد، دهشة المسافرين وألحان الموسيقى التركية الصاخبة. وقال: نحن الآن في أزميت، المدينة الصناعية المشهورة بخليجها، وبمصنع "نوح" للإسمنت الأكبر في تركيا كلها، ومعامل الورق، وفيها مصفاة للنفط، لكنها قليلة السكان بسبب التلوث وبفعل زلزال عام 1999 الذي قتل 5 آلاف من سكانها، وقد أعيد إعمارها في وقت قياسي، وصارت مبانيها الجديدة متشابهة.
تُطالع ما جمعت عن المدينة التي أسّسها الملك نيقوميدس الأوّل عام 264، وهي منطقة جذب للسياحة التاريخيّة في الجمهورية، لوجودها قرب المدينة الأثريّة نيقوميديا. ومما قرأت: تُعد أزميت عاصمة محافظة كوكالي ومركزها الإداري، وتقع في بحر مرمرة، وتبعد عن إسطنبول 100 كيلومتر، ويحدّها من الشمال البحر الأسود، وساكاريا شرقًا، ومن الغرب إسطنبول وبحر مرمرة، ويحيطها من الجنوب خليج إزميت.
أما مرشد الرحلة فتابع: يهرب السكان من أزميت بسبب الهواء الملوث، ولكثرة الصناعات، ويفضلون وجهات أكثر نقاء، وبعد سنوات ستنتهي المعاهدة التي وقعّت تركيا عليها، وامتنعت عن استخراج النفط 25 عامًا.
تمتد أزميت على نحو 1.044.85 كيلومتراً، وتعلو البحر بنحو 100 متر. ووصل عدد سكّانها عام 2012 حوالي 327 ألف نسمة، يعيشون في مناخ شبه استوائيّ رطب، مع تأثيرات كبيرة للبحر المتوسّط، ويُعّد الصيف شديد الحرارة ورطب جدّاً، أمّا الشتاء، فبارد ورطب أيضاً، وأدنى متوسّط لدرجة الحرارة في شهر كانون الثاني تبلغ 3 درجة مئويّة.
تُعرّف نشرة سياحية بآثار المدينة، فتسرد: هنا بقايا الأكروبوليس القديم، وأغورا، والمدرج، ونيمفايوم، ونكروبوليس، ومعبد ديميتر، وأجزاء من معبد أوغسطس، وأضرحة ملكيّة للفترة الهلنستيّة، والقلعة البيزنطيّة في قلب أسوار المدينة الرومانيّة، ومسجد أورهان غازي، وحمام سليمان باشا، والمدرسة اللاهوتيّة الفرنسيّة، وبرج الساعة، ومتحف كوجايلي، وجسر خليج إزميت.
معشوقية - تركيا
معشوقية..السحر
تبتعد عن أزميت، وتقترب من جبال معشوقية، القرية الجبلية الساحرة في الريف الاسطنبولي، وإحدى الشواهد على الطبيعة الخلابة، وشلالات المياه الباردة.
اعتاد المصور محمود هامال -الذي يتخذ من بطن إحدى جبال المعشوقية مكاناً لالتقاط رزقه- على إرشاد السياح، وقال: تقع قريتنا شمال بحيرة صبنجة، وسميت بذلك اقتباسا من الكلمة العربية "معشوق"، وتفرقها حوالي عشرين كيلو متر عن مركز المدينة، وسمعنا عن رواية قالت إن إحدى زوجات السلاطين العثمانيين عشقت هذه المنطقة، خلال الحروب مع دول الجوار، واتخذتها مكانًا محببًا لها.
تتنافس أغصان التوت البري على احتلال حيز من حواف الطريق في جوف الغابة المؤدية إلى شلالات معشوقية ومطاعمها، ويصنع خرير المياه ألحانًا عذبة، تزيد الإحساس بفعل الطبيعة البهية، ويحرص أصحاب المطاعم المنتشرة على حواف الجبال على استخدام جداول المياه لتبريد العصائر والبطيخ.
وفق كتب التاريخ التركي، فقد تأسست معشوقية نهاية الحرب الروسية القوقازية، بقيادة أوجبي مراد بيك عام 1864، وأقامت فيها قوافل أبخازيا والإديغا، والشركس، ويستقر فيها اليوم نحو 6 آلاف نسمة.
يُقدم عمال أغلبهم قادمون من سوريا وسكان محليون خدمات للتسلق على الحبال بين جبلين، ولقيادة عربات صغيرة، للصعود إلى متنزهات طبيعية مرتفعة.
وقالت هبه، وهي شابة سورية تعمل في محطة التسلق: نربط السياح بحبال، ونتركهم يسبحون في الهواء، ولا نسمح لمرضى القلب والحوامل بالصعود، وأحيانًا نسمع صرخات الأطفال الممزوجة بين الفرح والخوف، ويكفي أن المكان محاط بالأشجار والمياه من كل الجهات.
فيما ينشط باعة فواكه طازجةٌ وعصائر طبيعية في الترويج لمنتجاتهم، وعبر صلاح الدين عن فتنته بقريته، وقال: يفضل السياح زيارة معشوقية شتاءً، فهي دافئة مقارنة بإسطنبول وما حولها، ويتضاعف جمال الطبيعة، ويمكنك زيارة البساتين والغابات، وتذوق أطباق السمك الشهية.
تودع معشوقية، قبل جمع حبات التين والتوت البري، لينطلق مراد سائق الحافلة التركي، الذي لا يعرف إلا القليل من العربية نحو صبنجة.
بحيرة صبنجة- تركيا
صبنجة..الحلم
يطلق الأتراك على وجهتك التالية "مدينة الأحلام"، وهي إحدى المواقع السياحيّة المهمة، التي تستلقي في مقاطعة سكاريا داخل إقليم مرمرة، وفي القسم الآسيويّ لإسطنبول، وتبعد عن الشطر الأوروبيّ للمدينة الأشهر بعد أنقرة، حوالي 130 كيلو مترًا.
تشتهر صبنجة ببحيرة جاثمة داخل حفرة تكتونية بين خليج إزميت وادابازاري، وتبلغ مساحتها قرابة 45 كيلو مترًا، بعمق يصل إلى 52 مترًا.
تُحاط البحيرة من ناحيتها الجنوبية بجبل كارتبه، وتلفها من الشمال عدة تلال، وينشط حول البحيرة باعة يروجون للمسليات والذرة المشوية، كما تنتشر مطاعم ومحلات لبيع القهوة، وتجتمع في المكان جنسيات عربية وأوروبية.
وقال أردام، البائع المتجول بلغة إنجليزية ثقيلة: أنا من هذه المدينة، وفي كل يوم أشاهد البحيرة، وأتمته بمناخ مدينتا المعتدل في الصيف، (يصل وفق دوائر الرصد الجوي المحلية إلى 27 كحدّ أقصى، وتهبط إلى 7 درجات تحت الصفر خلال الشتاء).
منطقة شيلا - تركيا
شيلا..الطبيعة
تعود في النهار التالي إلى شيلا، المدينة التي تستقطب آلاف الزوار سنويًا، تبدو الطريق إليها لوحة جميلة، تشاهد خلالها الريف التركي، الذي لا زال يحتفظ بتقاليد الحياة البسيطة، فترى الخبز على التنور، وتربية الدواجن والمواشي في محيط المنزل، وزراعة الخضراوات والفواكه بالطرق التقليدية، فيما تحافظ الأبنية على طابعها القديم، ويحرص القرويون على تخزين الحنطة والقش، في هيئة تعيدك إلى الزمن الجميل الذي كان سائدا في بلادنا أيام الآباء والأجداد.
يقصُّ المرشد السياحي زياد عمر بلهجته الحلبية: تقع شيلا على سواحل البحر الأسود، وتبتعد عن إسطنبول 120 كيلومتراً، وهي من المواقع الصغيرة وفق التصنيف التركي، والتي لا يتجاوز سكانها 30 ألف، إلا أنها ذات جمال لافت.
تسير الحافلة نحو البحيرة المخفية، وتمر بين منازل ريفية قديمة، وتسلك طريقاً ترابيًا، يقود إلى واحدة من أجمل البحيرات المحاطة بالجبال من كل الاتجاهات، فلا يمكن رؤيتها من بعيد.
تنتشر عند حواف البحيرة مطاعم خشبية، وتتزين بأسراب بط في كل اتجاهاتها، ويشاهد الزائر تراجع منسوب البحيرة، الواقعة قرب منطقة شيلة وآفا، وتتميز ببعدها عن زحام المدينة وضجيجها.
تُسمّى البحيرة بـ "ساكلي"، التي تعني بالتركية المخفي أو المخبأ. على ضفافها، نتذوق خبز التنور التركي الشهي، ونشاهد باعة عسل الكستناء الطبيعي، ونكمل دربنا نحو قلعة شيلا والمنارة العريقة، المطلة على البحر الأسود.
المنارة في شيلا- تركيا
تسترخي المنارة على ساحل منطقة شيلا، وأسفلها يتحد مضيق البوسفور مع البحر الأسود، وهي واحدة من المنارات التي تشرف على سلامة الشواطئ في البحر الأسود.
وتابع المرشد زياد: أقيمت المنارة عام 1859 على شكل برج من المنحدرات على امتداد 60 مترًا، وفوق مستوى البحر بـ110 أمتار. ولها مسافة رؤية تصل إلى 20 ميلاً بحريًا. وكان يعمل البرج في سنواته الأولى بمصابيح الغاز، وبدأ في عام 1968 باستخدام التيار الكهربائي.
نهر كوكسو- تركيا
تأخذ جولة في القارب داخل نهر كوكسو، المحطة الأخيرة في شيلا، المحاط بأشجار كثيفة، ومطاعم وبيوت ومنتزهات عامة، فيما تشاهد أسماكًا ملونة وسط النهر، ويعمد أصحاب المطاعم على نقل السياح بين ضفتي النهر في عبّارة صغيرة، يدفعها شبابٌ بالحبال.
تنهي رحلتك بشاطئ أغوا، الممتد لنحو 60 كيلو مترًا على البحر الأسود، وفيه تتمنى أن تعود الحياة إلى بحرنا الميت، وينعم البحر الأبيض بالحرية، ونصل الجزء اليسير من البحر الأحمر المنهوب والمُحرّم علينا.
aabdkh@yahoo.com