خاص بآفاق البيئة والتنمية

حمل الثامن والتاسع من أيار أمطارًا غزيرة، وتساقطت حبات البرد بحجم كبير في العديد من المناطق. ( في غضون 7 دقائق فقط، هطلت 5 مليمترات في جنين يوم 7 أيار، قبل أن تفتح السماء أبوابها بـ 15 مليمترًا أخرى في اليوم التالي).
أما في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذات الشهر، عادت الغيوم إلى فلسطين، وهطلت أمطار متوسطة في بعض المناطق، رافقتها أجواء باردة.
لكن أيار لم يسر على هذا النحو، فقد بدأت منذ السابع عشر منه موجة حارة، وصلت ذروتها في التاسع عشر، بحرارة فاقت المعدل بـ 11 درجة، وسجلت في منطقة قريبة من أريحا 46 درجة مئوية.

احتراق أوراق العديد من النباتات في شهر أيار
تطرّف
في بداية الشهر الخامس توثّقُ (كاتب المقال يتحدث عن نفسه) حبات البرد، والعواصف الرعدية، وتراقب تأثيراتها على المحاصيل الحقلية والأشجار، فقد تسببت في تساقط ثمار الزيتون، وخرقت الكثير من أوراق النباتات. والمفارقة، أنك ترصد في غضون أقل من عشرة أيام آثار الحر القائظ.
ترصد تداعيات الحر الربيعي هذا، وتدوّن الكثير من المشاهدات، فالكثير من أشجار اللوز تضررت أوراقها، وجفت بعض قممها النامية، وذبلت ثمارها، وتكاثرت عليها آفات صمغية، أما ثمار التوت فانتهت قبل موعدها، وكذلك الإسكدنيا. ( كمثال، كانت ذروة الموسم عام 2001 في جنين يوم 28 أيار، لكن ثمار هذا العام أصفرت نهاية نيسان).
أما الأوراق الغضّة للكثير من الأزهار والأشجار، فقد تعرضت لحروق الشمس، ولم تصمد أوراق الفستق الحلبي طويلاً تحت ضربات الشمس. وتضررت الكثير من المحاصيل الصيفية، فقد اختفى الندى عدة أيام، ولم تحظَ المزروعات بربيع معتدل، وضاعف المزارعون من ري حقولهم.

تلف العديد من المحاصيل بسبب موجات الجفاف والحرارة في شهر أيار
تاريخ
تطلب من دائرة الأرصاد الجوية بيانات مطر أيار، فتدون التساقطات العليا المسجلة في الدائرة منذ بداية تدوين الهطولات المطرية، ففي القدس هطلت عام 1878 (32 ملم) متجاوزة معدلها المعتاد (3,1 ملم). وأما في جنين فسجلت أعلى قيمة عام 2014 بواقع ( 22,5 ملم)، مع أن معدلها السنوي (2,4 ملم). ووثقت في نابلس عام 1986 (65,1 ملم) متجاوزة كثيرًا معدلها السنوي (7,3 ملم). وهطلت على الخليل عام 2001 (53,9 ملم) مبتعدة عن معدلها الموسمي (3,1 ملم). أما في أريحا فشهدت عام 2014 هطول ( 31,5) مع أن معدلها السنوي (1,9 ملم). وفي رام لله، كان حضور عام 2014 لافتًا بـ ( 29 ملم)، وفوق المعدل الاعتيادي (3,3 ملم).
تراقب حديقتك وحقلك، وتتحسر على حال المزروعات والأشجار البائس، فالحر المتطرف يقضي على لونها ويناعتها، وتتأذى الثمار. وكأنها تصاب بضربة شمس عنيفة.
تسأل نفسك دائمًا: إلى متى ستصمد النباتات في موجات حر كهذه؟ وكيف سنخفف من وطأة الشمس؟
تروي الأشجار بطريقة طمر الرطوبة، وتغطية الجذور بالأعشاب الجافة، لكن الغريب أن الأوراق رغم هذا الأسلوب تتعرض للأذى.

تلف اللوز بسبب موجات الجفاف والحرارة المرتفعة في شهر أيار
تحليل
تحاور الراصد الشاب محمد العيايدة عن أمطار أيار وحرها، فيأتي رده بسؤال وتحليل: "هل ما نمر به من حالات مطرية متطرفة على بعض المناطق، وتقلبات على الأجواء في مناطق شرق المتوسط طبيعي أم غير طبيعي؟"
يتسلسل في رده: في البداية بلاد الشام لها فصلان أساسيان، وهما الصيف والشتاء، وفصلان انتقاليان وهما الربيع والخريف. والفصول الأساسية تكون أكثر استقرارا، أما الانتقالية فتكون أكثر تقلباً. وأمطار شرق المتوسط لها موسم محدد يقسم إلى ثلاثة أقسام : مبكرة ( الخريف)، وفصلية (الشتاء)، ومتأخرة ( الربيع).
وقال: بما أن الأمور تسير في إطارها من حيث الزمان والسلوك، فما الذي تسبب في فيضانات فلسطين والأردن وسوريا خلال النصف الأول من أيار؟
وأجاب: في الفصول الانتقالية الخريف والربيع، تتحول الرياح في المحيط الهندي إلى شرقية، فتدفع بالرطوبة نحو بحر العرب والسودان، وذلك في فترة نشاط وذروة منخفض البحر الأحمر، وينشط هذا المنخفض نتيجة الفروقات الحرارية بين الماء واليابسة المحيطة، فيصبح هذا المنخفض مصيدة للتيارات الرطبة المتواجدة في بحر العرب، وجنوب السودان، والقادمة في الأساس من المحيط الهندي نتيجة نشاط الرياح الشرقية هناك.
وأضاف: لأن التيارات الهوائية الرطبة تنتقل دائمًا من الضغط المرتفع نحو الضغط المنخفض ستستقر ضمن نطاق تأثير منخفَض البحر الأحمر، الذي حين ينشط يتمدد فيصل أحيانا إلى إيران، والعراق، وجنوب تركيا، وشمال مصر، وبلاد الشام.
وتابع عيايدة: منخفض الربيع حراري رطب، حين ينشط يتمدد فيؤثر على بلاد الشام بأمطار ربيعية نتيجة الاستجابة للتيارات الشمالية الأقل حرارة أو الباردة.

حبات البرد في شهر أيار
ومضى: العنصر الجديد الذي ظهر هذا الموسم وجود تكتل ضخم للبرودة في طبقات الجو العليا (تحديدًا في طبقة 500hpa) يتمركز منذ مدة طويلة فوق شمال وشرق جرينلاند. وهذا سبب اندفاع الأحواض العلوية الباردة، والمنخفضات المتلاحقة نحو المغرب العربي، واستمرار وجود هذا التبريد الملفت هناك يعمل على استمرار اندفاع التيارات العلوية الشمالية الباردة نحو وسط وجنوب أوروبا. وجزء من هذه التيارات العلوية يصل حوض البحر الأبيض الشرقي محتفظاً ببرودة عالية، وبمجرد وصول هذه التيارات للحوض الشرقي للبحر الأبيض تحدث استجابة سريعة من منخفض البحر الأحمر المشبع بالرطوبة المدارية.
وأضاف عيايدة: الفرق الكبير في درجات الحرارة بين التيارات الحارة الرطبة المرافقة لمنخفض البحر الأحمر، والتيارات الباردة في طبقات الجو العليا القادمة من وسط وجنوب أوروبا يعمل على خلق ديناميكية هوائية متعاكسة وقوية، وبشكل مبسط يكون هناك عنف في صعود التيارات الدافئة، وعنف في هبوط التيارات الباردة، وكلما ازداد الفارق الحراري بينهما كان نشاط التيارات الصاعدة والهابطة أعلى، وبالتالي تكاثف أقوى وأشد.
وقال: التقلبات طبيعية، والأمطار المتأخرة طبيعية، والرياح الشرقية في المحيط الهندي طبيعية، واستيقاظ منخفض البحر الأحمر في هذه الفترة طبيعي، وغير الطبيعي الزيادة الملحوظة على القيم المرافقة لمنخفض البحر الأحمر، وظهور تكدس للتيارات الباردة فوق شمال وشرق جرينلاند تسبب في انخفاض آخر على درجة حرارة التيارات الشمالية، أو الأحواض العلوية القادمة من أوروبا على مستوى الطبقات العلوية الفاعلة. وبشكل أساسي المسؤول عن تطرف كميات الأمطار في هذه الحالة البؤرة الباردة حديثة الظهور نواحي جرينلاند، وارتفاع قيم منخفض البحر الأحمر، وسمك هذه الطبقة يتناسب طرديًا مع درجات الحرارة.

غيوم كثيفة في شهر أيار
انقلاب
ووالى عيايدة: منذ 15 يومًا توقعنا أجواءً لطيفة وبعض الإمطار لأيار؛ نتيجة لانزلاق حوض علوي ولكن إرادة الله شاءت أن ينزلق الحوض نحو المغرب وليس بلاد الشام، وعاشت دول المغرب أجواءً شبه شتوية، وتساقطت ثلوج على جبال الأطلس العالية جدًا.
وختم: نتيجة لتغيير محور هبوط الحوض البارد تعرضنا لموجة حارة، ورغم أن الحرارة ستهبط في الأيام القادمة، ستبقى أعلى من معدلها بحدود ثلاث إلى أربع وأحيانًا خمس درجات.
aabdkh@yahoo.com