خاص بآفاق البيئة والتنمية

تلفاز
تكثُر في شهر رمضان برامج الطبخ، التي يغلب عليها الطابع الدعائي، وتُعنى بالترويج الفض لأصناف تجارية بعينها. تستوقفك خلال انتظارك في مكان عام أحد هذه البرامج، الذي استضاف طاهية ذائعة الصيت، تشارك في برنامج الغذاء العالمي الذي يروج للاستدامة ودعم المنتجات المحلية نظراً لأن ثُلث ما ينتج من غذاء يتعرض للهدر. تنسى الطاهية أن برامج الطبخ وفنونه هذه، نخبوية وباهظة الثمن. وعلى أقل تقدير، يعجز جياع الأرض عن مجرد تقليد موائدها، فهي تحتاج للحوم، ولشحوم، ولخضروات، ولفاكهة، ولحلوى، ولعصائر، ولإضافات كثيرة، عدا عن الوقت الطويل الذي يتطلبه إعداد تلك الوجبات.

حوار
تلتقي بطلبة في يوم امتحانهم الأخير، ويتنافس هؤلاء بفرح على تمزيق كتبهم وكراساتهم، ويشعل أحدهم النار في كتابه. تسألهم: أتحبون بلدكم؟ يردون: "نعم، قد كل الدنيا". قلت: هل من يحب شيئا مثل بلده، يحوّله إلى حاوية نفايات كبيرة، ويمزق كتبه؟
يقول أحدهم: "الكتب ببلاش، وبتطير مع الهواء."، ويرد ثانٍ:" كلها شوية ورق." تقترح على التلاميذ أن نعيد تنظيف المكان، وإن أزعجتنا كتبنا ودفاترنا، نتركها في المدرسة، أو نسأل معلمنا عن طريقة التخلص منها. للأسف، يتكرر هذا السلوك كل عام.

سجائر
تحرص منذ 20 عامًا على تقليد دائم في منزلك، فلا تضع متكات للسجائر في صالة الضيوف، وتقترح بلطف على من يرغب بالتدخين أن يخرج إلى الشرفة، وتنزعج كثيرًا ممن لا يحترمون هذا.
السجائر ليست عادة لطيفة بالمطلق، والتدخين قرار ذاتي، لكنه يجب أن لا يمس الآخرين، ويحترم رغبتهم بعدم استنشاق هواء ملوث.
تتذكر أول "معركة" خضتها في حافلة عامة خلال دراستك الجامعية، فيومها طلبت من الشاب المجاور لك أن يتخلص من سيجارته، فلم يعجبه الطلب، فخضت معه جدالاً طويلًا، إلى أن توقف عن تسميم أجواء الحافلة مكرهاً. نحتاج أولًا للدفاع عن حقوقنا.

سُكّر
تكن العداء للسكر الأبيض، فتقاطع كل أشكاله وأصنافه، ولا تأكل أو تشرب أي شيء تدخل فيه هذه المادة منذ ثلاث سنوات، وتُجبر على تناوله بكميات ضئيلة في مادة واحدة هي الخبز. وقبل كل تسوق، تقرأ مكونات ما ستشتريه، فتجد أن هذه المادة تدخل في أشياء عديدة.
في أحدث حوار مع مالك مصنع سكاكر، يقر صاحبنا بأن السكر مادة تصنع المتاعب الصحية، وقد بدأ يعزف عنها منذ مدة، وبالكاد يجبر على تذوق خلطة معمله، ثم سرعان ما يتخلى عنها. ويورد لك قصة قالها له طبيبه الخاص: "لو أحضرنا تفاحة مكتملة النمو وناضجة، وأخرى خضراء، وأحدثنا فيها ثقبا بمسمار، وتركناها، سنلاحظ أن الأولى ستتلف بسرعة، وستصمد الثانية فترة أطول، وهكذا أجسامنا، التي لا ترحم نفسها بالسكر الأبيض."
في رمضان، نفرط في السكر، فنأكل ونشرب ونتحلى بالسكر الصناعي، ولا نتوجه إلى البدائل الطبيعية، التي يمكنها أيضًا إشباع رغباتنا.

وقت
تتخيل حاصل ضرب 4 ساعات بثلاثين يومًا، هي متوسط عدد الساعات التقريبي التي نقضيها في تحضير وجبتي السحور والفطور، وتنظيف الأطباق والمطبخ، والتسوق، والتفكير فيما سنطهو، وبالتخطيط للولائم، وغيرها (وبالطبع، يتضاعف هذا الرقم في الأيام العادية).
لو جرى احتساب هذا الرقم في بلد يضم10 آلاف منزل، ستكون النتيجة مليون و200 ألف ساعة يوميًا، ( 50 ألف يوما)، عدا عن حجم الأطعمة التي تذهب إلى مكبات النفايات.
يمكن التفكير في تجربة ليوم واحد بشيء يمكن أن نسميه (بنك طعام)، وخلاله يجري تقليل فاتورة الوقت وكلفة تحضير الأطباق، وفيه يتخصص فريق من الطهاة أو المتطوعين أو الجمعيات النسوية في إدارة المطبخ العام أو (بنك الطعام)، على أن يتقاسم أهالي الحي التكلفة، ويربحون الوقت، ويكونون أكثر صداقة للبيئة، بحيث ينتظمون في جهد جماعي، يمكن أن يقود لحملات تطوعية وأنشطة مجتمعية، دون الحاجة لممولين ومانحين.

مونديال
ينطلق في روسيا المونديال الكروي، بعد أسبوعين من اليوم، ويستمر حتى الخامس عشر من تموز القادم. كرة القدم جميلة، وهي لعبة رائجة. صحيح أنها تختطف من متابعيها الوقت، لكنها أفضل بكل الأحوال من شغل هذا الحيز، بممارسات سلبية أخرى.
أتذكر مونديال المكسيك عام 1986، وقتها كنت في الحادية عشرة، ورغم فارق التوقيت تابعت مباريات المغرب كلها. اليوم يتغير الحال، وتصبح الرياضة استثمارًا فاقعًا، وتدخل الاحتكارات على الخط، وتباع حقوق البث، وتجني الشركات الأرباح الطائلة، من لعبة جرى حرفها عن مسارها.
أحاور صغاري أنه لا يمكننا اليوم متابعة 24 منتخبًا في كأس العالم، سيخوض كل واحد منهم 3 منافسات في الدورة الأولى، وهذا يعني عشرات الساعات. وبوسعنا الاكتفاء بتشجيع فريق أو اثنين ممن نصفق لهم، فالمونديال بكل الأحول مجرد لعبة.
aabdkh@yahoo.com