خاص بآفاق البيئة والتنمية

البطيخ في عين الساكوت
راح محمد نايف ينقل بثمار البطيخ المنتجة لأول مرة منذ عام 1967 في أراضي عين الساكوت بالأغوار الشمالية، وراح وعمال آخرون من طوباس يتقاذفون الثمار كالكرة.
وقال: "العمل في البطيخ مختلف، لكنه يحتاج إلى عضلات، ونمضي خلاله 8 ساعات تحت الشمس وذلك عند أقرب نقطة فلسطينية مع الأردن."
ويساعد نايف أولاده الستة وأصغرهم فارس، المتخصص في نقل البطيخ إلى أكوام صغيرة، قبل أن يُحضر الجرار الزراعي الصناديق الكبيرة.
ومضى فارس: لا ألبس قبعة، والعمل في البطيخ أسهل من قطاف الخيار. وقال شقيقه إبراهيم: نلف على الثمار الناضجة في عدة جولات، ونميزها عن غيرها من علامة قريبة من العنق يجب أن تكون جافة.

بطيخ عين الساكوت
جهود
أشار مدير زراعة طوباس مجدي عودة، خلال افتتاح موسم البطيخ: "نوفر بالشراكة مع الإغاثة الزراعية، ولجان العمل الزراعي، وأوكسفام، ومحافظة طوباس، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الدعم الكافي للمزارعين لزراعة ما يقارب 2000 دونم بمحاصيل عديدة منها البطيخ، الذي يعود للمنطقة بعد غياب طويل."
وقال المزارع باسم أبو خضر: إنها المرة الأولى التي يُزرع فيها البطيخ منذ النكسة في هذه المنطقة، بعد استردادها بقرار من محاكم الاحتلال. "اليوم افتتحنا الموسم بـ 150 دونمًا بطيخ ظلت مصادرة 49 عامًا، و30 دونم شمام.
وأضاف، وهو يتفقد مزرعته المحاذية للحدود الفلسطينية الأردنية: "المحصول ممتاز، والأرض شديدة الخصوبة بعد الغياب الطويل عنها، ووصلت بعض الثمار إلى 20 كيلو، ومتوسط الأوزان 10 كيلو، ونتوقع أن يفوق إنتاج الدونم 10 أطنان، ويعطينا المتر المربع الواحد ثمارًا يصل وزنها لـ 120 كيلو تقريبًا."
وتابع: نتعرض لمضايقات يومية من المستوطنين، وسبق أن أتلفوا لنا شبكات الري القادمة من عين البيضاء، وأتلفوا مزروعات، وندرك أن الصراع في هذه المنطقة على الأرض، وهي حرب إرادات، لكننا لن نرحل، وسنعيد تجربة زراعة البطيخ في الأعوام المقبلة، ونعمل في المنطقة 24 ساعة.
وقال: "المساحات المصادرة تصل إلى 10 آلاف دونم تقريبًا، ومن الساكوت وحتى جسر دامية، ولا زال الاحتلال يصادر معظم أراضي طوباس."
ووفق حسابات أبو خضر، فإن الدونم الواحد من البطيخ، يكلف قرابة 3500 شيقلًا، عدا عن أثمان المياه، والأرض، والجهد.

حقل بطيخ في الساكوت
عسل
واستدرك:" البطيخ هذا العام أحلى من العسل، ولأنها أرض فتوح (لم تزرع منذ فترة طويلة بهذا الصنف) فقد زرعنا البطيخ دون تطعيم أصوله على القرع."
ومضى: الأسعار جيدة، والكيلو الواحد من 1.8 شيقل إلى 2,5 شيقل، وهناك بطيخ ببذور وبطيخ دون بذور. وعدنا إلى الساكوت بجهود مضنية، وساعدتنا وزارة الزراعة، ومنظمة "أوكسفام".
وبدأ أبو خضر، 62 عامًا، بزراعة البطيخ المُبكر في الأغوار عام 1979، بطبقتين من البلاستيك، الأولى تغطي الأرض، والثانية تغطي النبات، وكان شاهد عيان على الزراعة قبل الاحتلال، التي اعتمدت في غالبها الأنماط البعلية، وبعض الزراعات المروية.
ويُشغّل أبو خضر 50 عاملًا وقت قطاف البطيخ، ويتراجع العدد في مراحل تجهيز الأرض، وزراعتها، ومد شبكات الري، وتغطية البلاستيك، وإزالة الأعشاب، فيما يبدأ الموسم من أواسط شباط وحتى نهايات أيار.
وأفاد: "نستطيع زراعة هذه الأرض مرتين، قبل أن تصاب بأمراض التربة، ولم نستعمل أي مادة تدخل في عصارة النبات، أو تجرع مع الماء، ولا نستخدم المبيدات الكيماوية كثيًرًا، لكن أحياناً نضطر بسبب العناكب والمن والتربس التي تتكاثر بسبب الأحوال الجوية. وبالإمكان أن نزرع البطيخ البلدي فهو مقاوم للأمراض (الفوزاريم)، لكن المسألة عدم جدواه الاقتصادية، وإنتاجه لا يصل إلى 2 طن للدونم.

عمال يتقاذفون ثمار البطيخ في حقل بعين الساكوت بالأغوار الشمالية
أزمة
وقال أبو خضر: "أزمة البطيخ وغيره، أن المحاصيل الإسرائيلية عالية الجودة تذهب للتصدير أو لأسواقهم، أما نحن فيرسلون إلينا البضاعة الرديئة، وبها يضربون محصولنا الجيد."
وتابع: آفاق التصدير للخارج مقيدة، فهي مسألة مكلفة، وتحتاج لإجراءات طويلة، وأحيانًا يكون التصدير غير مجد لنا؛ بسبب وجود منتجين منافسين لنا في دول أخرى بأسعار أرخص كثيرًا منا. وحتى يحقق البطيخ عائدًا للمزارع، يشترط أن ينتج الدونم الواحد 10 أطنان، بسعر شيقل ونصف للكيلو.
واسترد أبو خضر ذكرياته مع تصدير البطيخ عام 1980، حين كان ينقله للأردن ومنها للبنان وسوريا والعراق، ويومها أنتج الدونم الواحد من نوع (سويت ميت) وأصناف أخرى 15 طنًا.
ألغام
وأفاد الثلاثيني فراس دراغمة، المتخصص في نقل الصناديق إلى الحافلات الكبيرة: على بعد أمتار هناك أسلاك شائكة، ونشاهد عبارات تحذرنا من الألغام، والعمل هنا محفوف بالخطر، لكنها المرة الأولى التي يعود البطيخ فيها إلى الساكوت، القرية التي دمرها الاحتلال عام 1967، ووصل عدد مواطنيها إلى 1688 نسمة قبل النكسة، اعتمدوا على زراعة القمح، والبطيخ، والشمام، لكنهم لم يعودوا إلى أرضهم إلا عام 2016، حين انتزعت محافظة طوباس والأغوار الشمالية قراراً باسترداد عشرات الدونمات.
وأشار المزارع محمد فايز إلى أنه يزرع البطيخ والشمام في الساكوت منذ 20 عامًا، وليس ببعيد عن الأراضي التي حرم منها أصحابها منذ النكسة.
ووفق فايز، فإن موسم البطيخ والشمام يبدأ في أول شباط، وينتهي قبل حلول حزيران، ويكلف الدونم الواحد قرابة 4000 شيقل، لكن الأسعار هذا العام متدنية فكرتونة الشمام تباع بعشرة شواقل، والأشتال مرتفعة الثمن، كما أن الأمطار المتأخرة تسببت في تعفن جزء من المحصول.
ذكريات
وعاد الأربعيني مازن الحمود بذكرياته مع بطيخ طوباس، فقد اعتاد مع والده على زرع مساحات كبيرة في سهل سميط، ووادي الفارعة بالبطيخ.
وقال: "العصر الذهبي للبطيخ انتهى عام 1983، وتوقف تمامًا سنة 1990، بسبب أمراض التربة، وضعف التسويق، وقلة المطر، وجفاف الينابيع."
واختتم الحمود: اليوم يعود البطيخ إلى طوباس، ونستذكر الشاحنات الكبيرة التي كانت تنقل ثمارنا إلى الأردن ومنها للخليج والشام، ولا أنسى أن بعض الثمار كانت تقترب من 20 كيلو " لكن كل شيء جميل انتهى.."
aabdkh@yahoo.com