خاص بآفاق البيئة والتنمية
مطر شهر ايار
شهدت بدايات أيار هطولات مطرية غزيرة، فاقت المعدل المعتاد، لكن الشهر الخامس من العام لم يستمر على هذا الحال، فعصفت بفلسطين والمنطقة موجة حرٍّ شديدة، استمرت أكثر من أسبوع، وتجاوزت المعدل العام بـ 12 درجة. وتوقعت الأرصاد الجوية تشكّل منخفض جوي نادر في الأيام الأخيرة من أيار. وكان المجموع التراكمي لأمطار أيار في جنين 22 ملم، هطلت 18 ملم منها في يوم واحد من الشهر.
الحال نفسه تكرر في 2018، حين حمل الثامن والتاسع من أيار أمطارًا غزيرة، وتساقطت حبات البرد بحجم كبير في العديد من المناطق. (في غضون 7 دقائق فقط، هطلت 5 مليمترات في جنين يوم 7 أيار، و15 مليمترًا أخرى في اليوم التالي). وبدأت منذ السابع عشر منه موجة حارة، وصلت ذروتها في التاسع عشر منه، بحرارة فاقت المعدل بـ 11 درجة، وسجلت في منطقة قريبة من أريحا 46 درجة مئوية.
إعادة
وتكرر ما حدث في أيار 2014، وعاد ما عاشه الأجداد من سيول وقت الحصاد. وقد قال لي والدي رحمه الله: جرت وديان مرج ابن عامر خلال حصاد الشعير في زمنهم. يُطلق البعض على أمطار أيار "شتوة غمر الكرسنة"، وتتسبب غزارة أمطار الشهر الخامس من العام بأضرار للكثير من المحاصيل الزراعية، والأشجار. وحدث أيضًا أن فاضت السماء يوم 17 حزيران 1992، في حدث لا يتكرر كثيًرا.
عادل سعادة
تحاور المهتم بتدوين يوميات الطقس، المربي المتقاعد عادل سعادة، الذي أفاد بتدوين 11 موجة حر خماسينيه في خلال الأربعين سنة الأخيرة: 1993 و1998 و2003 و2007 و2009 و2011 و2014 و2018، فيما هطلت الأمطار في الشهر الخامس من أعوام 1981 و1994 و1997 و1999 و2005.
ووفق الأرصاد الجوية، فقد كانت أعلى درجة حرارة في أيار خلال 2007، إذ سجلت 46,6 درجة مئوية. ومن اللافت أن نابلس حظيت عام 1986 بهطول 65 ملم في الشهر الخامس من العام.
تراقب تداعيات التقلبات الجوية العنيفة لشهر أيار الانتقالي، فمن حبات البرد، إلى العواصف الرعدية، والأمطار الغزيرة، والأجواء المعتدلة، إلى الحر الشديد، ووصول الحرارة في جنين إلى 49 درجة مئوية.
جفاف ايار
انقلاب
يترك هذا التقلب الحاد تأثيراته على المحاصيل المختلفة والأشجار، فقد تسببت في تساقط ثمار الزيتون، وحرقت الكثير من أوراق النباتات، وجفت أعشاب الربيع بسرعة، وصار يمكن القول إن ما بناه الشتاء بموسم كامل، هدمه أسبوع واحد من الحر.
تواصل رصد تداعيات الحر الربيعي هذا، وتدوّن الكثير من المشاهدات، فالكثير من أشجار اللوز تضررت أوراقها، فقد أصفرت وجفت بعض قممها النامية، وذبلت ثمارها، وتكاثرت عليها آفات صمغية، أما ثمار التوت فانتهت قبل موعدها، وكذلك الإسكدنيا. (من التجربة الموثقة كانت ذروة الموسم عام 2001 في جنين يوم 28 أيار، لكن ثمار هذا العام نضجت نهاية نيسان وانتهت بحدود منتصفه).
أما الأوراق الغضّة للكثير من الأزهار والأشجار، فقد تعرضت لحروق الشمس، ولم تصمد أوراق الفستق الحلبي طويلاً تحت ضربات الشمس. وتضررت الكثير من المحاصيل الصيفية، فقد اختفى الندى عدة أيام، ولم تحظَ المزروعات بربيع معتدل، وضاعف المزارعون من ري حقولهم.
مما لا يغادر ذاكرتنا كل حر، الوصف البارع للمحاضر د. هشام عورتاني قبل نحو 30 عامًا: لا تصدقوا ما يُقال لكم في الكتب عن مناخ فلسطين المعتدل صيفًا، بلادنا جهنم.
حر ايار
فيما يقول المحاضر في قسم البيئة والزراعة المستدامة، أسامة خلف لـ (آفاق) أن حر أيار تسبب في جفاف الكثير من الأشجار التي زرعت هذا العام، حيث بدأ المزارعون بريٍ يومي لحقولهم، في محاولة للحد من تداعيات الجفاف.
والمفارقة التي يرصدها خلف، غياب الندى مدة طويلة، ما يتسبب في تأثيرات سلبية على المزروعات، ويضر بثمارها، ويقصر عمليًا من فترة إنتاجها.
فياض فياض
خسائر
وبحسب إفادة مدير عام مجلس الزيت والزيتون، فياض فياض لـ (آفاق)، فإن أجواء أيار هذا العام أضرت بالزيتون، فبعد تساقط ثماره بفعل أمطار بداية الشهر، جاء الارتفاع الكبير في الحرارة ليكمل المس بالشجرة.
وعادة، والكلام لفياض، فإن منتصف حزيران يكون الفيصل لمعرفة نسبة ثبات المحصول، ولكن الحر المبكر وبدرجات عالية في نيسان، يعني القضاء الكامل على الأزهار، وبالتالي انعدام المحصول. ولو شهدنا حرّ أيار في تموز لما تضرر الزيتون.
وكان فياض يتوقع أن تساهم أمطار هذا العام الوفيرة بالقضاء بنسبة كبيرة على ذبابة ثمار الزيتون المتبقية من العام الماضي، وبالتالي الحصول على زيت فاخر، ومنح الأشجار "فرصة هدوء" من الذبابة، خاصة أن الزيتون يشهد فترتي نمو خضريين في الربيع والخريف عكس معظم الأشجار.
وقال: قدّرنا بعد شتاء أيار فقدان 70% من المحصول، ونتوقع بعد هذا الحرّ خسارة المزيد من الثمار، وربما يبقى لدينا 10-15 % من المحصول، مقارنة بالعام الماضي، وقد تحظى الخليل بنسبة زيت مرتفعة نظرًا لطبيعتها وظروفها الجوية.
وتبعًا لفياض، فإن شجرة الزيتون أُنهكت الموسم الماضي، ولم يرعاها الفلاحون كما يجب. داعياً إلى الحفاظ على مخزون الزيت، والحرص على تخزينه بعبوات غير بلاستيكية وفي أماكن باردة؛ نظرًا للشح المتوقع الموسم القادم.
زيتون ايار
وأفاد بأن الري التكميلي بدأ هذا العام مبكرًا؛ لتفادي جفاف الأشجار وتضررها من موجات الحر، لكن البداية المبكرة تعني زيادة نمو نواة (عجم) الزيتون، ما يرفع نسبة الجفت على حساب الزيت.
وقارن فياض بين تأثيرات ما تشهده دول الجوار من طقس وأمطار في الربيع والصيف على الزيتون، وما نشهده نحن، فقال: الفارق أن أنواع الأشجار عندهم تتطلب الري المتواصل، أما أشجارنا، وأغلبها من الصنف البلدي النبالي، فتصمد بوجود كميات أمطار أقل، بما في ذلك أمطار الربيع المتأخرة.
وكان مدير عام مجلس الزيت والزيتون جزءًا من فريق بحثي سعى إلى توفير إجابة حول مستقبل أشجار الزيتون البلدية في فلسطين، وحاجتنا إلى التحول لأصناف جديدة أكثر قدرة على مواجهة التغير المناخي والتقلبات الجوية الحادة.
وحسب أرقام المجلس، فإن الأعوام من 2010-2018 كانت متشابهة في إنتاج الزيت، وفي عام 2019 كان الموسم الأعلى، لكن الإنتاج سيهبط إلى الحضيض في 2020.
أمطار ايار في جنين
سجل
تتلقى العام الماضي من دائرة الأرصاد الجوية بيانات مطر أيار، فتدون التساقطات العليا المسجلة في الدائرة منذ بداية تدوين الهطولات المطرية، ففي القدس هطلت عام 1878 (32 ملم) متجاوزة معدلها المعتاد (3,1 ملم). وأما في جنين فسجلت أعلى قيمة عام 2014 بواقع ( 22,5 ملم)، مع أن معدلها السنوي (2,4 ملم). ووثقت في نابلس عام 1986 (65,1 ملم) متجاوزة كثيرًا معدلها السنوي (7,3 ملم). وهطلت على الخليل عام 2001 (53,9 ملم) مبتعدة عن معدلها الموسمي (3,1 ملم). أما في أريحا فشهدت عام 2014 هطول (31,5) مع أن معدلها السنوي (1,9 ملم). وفي رام لله، كان حضور عام 2014 لافتًا بـ (29 ملم)، وفوق المعدل الاعتيادي (3,3 ملم).
وأفاد المهتم بمتابعة الطقس ورصده محمد العيايدة إن بلاد الشام لها فصلان أساسيان، الصيف والشتاء، وفصلان انتقاليان الربيع والخريف. والفصول الأساسية تكون أكثر استقرارًا، أما الانتقالية فتكون متقلبة. وأمطار شرق المتوسط لها موسم محدد يقسم إلى ثلاثة أقسام: مبكرة (الخريف)، وفصلية (الشتاء)، ومتأخرة (الربيع).
وقال إنه خلال الفصول الانتقالية الخريف والربيع، تتحول الرياح في المحيط الهندي إلى شرقية، فتدفع بالرطوبة نحو بحر العرب والسودان، وذلك في فترة نشاط وذروة منخفض البحر الأحمر، وينشط هذا المنخفض نتيجة الفروقات الحرارية بين الماء واليابسة المحيطة، فيصبح هذا المنخفض مصيدة للتيارات الرطبة المتواجدة في بحر العرب، وجنوب السودان، والقادمة في الأساس من المحيط الهندي نتيجة نشاط الرياح الشرقية هناك.
وأضاف بحكم انتقال التيارات الهوائية الرطبة دائمًا من الضغط المرتفع نحو الضغط المنخفض ستستقر ضمن نطاق تأثير منخفَض البحر الأحمر، الذي حين ينشط يتمدد فيصل أحيانا إلى إيران، والعراق، وجنوب تركيا، وشمال مصر، وبلاد الشام. ومنخفض الربيع حراري رطب، حين ينشط يتمدد فيؤثر على بلاد الشام بأمطار ربيعية نتيجة الاستجابة للتيارات الشمالية الأقل حرارة أو الباردة.
aabdkh@yahoo.com