سبعة ملايين ضحية في العالم سنوياً... تلوّث الهواء: القاتل المرئي
حبيب معلوف
يقتل تلوّث الهواء في العالم أكثر من مجموع الوفيات الناجمة عن الإيدز والسل والسكري وحوادث الطرق، حتى سمّته منظمة الصحة العالمية "القاتل غير المرئي". في لبنان، التلوث "مرئي" بوضوح، والسياسات الحكومية تزيد من نسبه بدل أن تخفّضه.
لا يتسبب تلوث الهواء بالسعال فقط. هو يقتل بالجملة مثل الأوبئة تماماً… لا بل أكثر منها. في كل عام، يموت سبعة ملايين شخص في العالم لأنهم يستنشقون الهواء المحمّل بالكثير من الجسيمات او الجزيئات الدقيقة. هذا ما جاء في أحدث تقرير مروع نشرته منظمة الصحة العالمية الاسبوع الماضي. تسعة من كل عشرة أشخاص يستنشقون يوميا الهواء المحمّل بالكثير من الجسيمات أو ما يسمى "الجزيئات الدقيقة" القاتلة. وهو يقتل أكثر من مجموع الوفيات الناجمة عن الإيدز (1.1 مليون)، والسل (1.4 مليون)، والسكري (1.6 مليون) وحوادث الطرق (1.3 مليون).
تصنّف منظمة الصحة العالمية تلوث الهواء باعتباره "عامل خطر رئيسياً" للأمراض غير السارية التي يعتقد أنها مسؤولة عن 70% من مجموع الوفيات في العالم. ووفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن هذا الخطر يتسبب بنحو 29% من وفيات سرطان الرئة عند البالغين، و25% من السكتات الدماغية، و24% من مشاكل عضلة القلب، وما يقارب 43% من أمراض الانسداد الرئوي (الشلل الرئوي أو الربو...).
ولفت التقرير الى زيادة الوفيات بسبب زيادة نسب تلوث الهواء الخارجي، وانخفاض الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء الداخلي، من دون أن يشرح الأسباب. وأكدَّ نتائج تقارير العام 2016 التي تحدثت عن تمركز تلوث الهواء الخارجي في كل مدن دول العالم، وأضاف إليها هذا العام بعض الأرقام، إذ اعتبر أن أكثر المناطق تضرراً هي جنوب شرق آسيا (بما في ذلك الهند) وغرب المحيط الهادئ (بما فيها الصين).
ووفقاً لأحدث البيانات التي جمعتها منظمة الصحة العالمية، فإن تسعة من كل عشرة أشخاص (91% من سكان العالم) يتعرضون يومياً للهواء الذي يحتوي على "مستويات عالية من الملوثات". وأشار الى "أن العديد من المدن الكبرى في جميع أنحاء العالم تتجاوز نسبة تلوث الهواء فيها خمسة أضعاف المعدلات التي حددتها منظمة الصحة العالمية"، ما يمثل أكبر خطر على صحة السكان.
انطلاقا من هذه النتائج المروعة، ولإقناع أكبر عدد ممكن من البلدان بضرورة إعلان الحرب على ما سماه التقرير "القاتل غير المرئي"، تنظم منظمة الصحة العالمية في جنيف، نهاية تشرين الأول المقبل، المؤتمر العالمي الأول حول تلوث الهواء والصحة.
في لبنان الذي ترتفع فيه معدلات تلوث الهواء الخارجي مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وانحباس الهواء والمطر، لم توضع استراتيجيات وخطط... ولا أية تدابير (دائمة أو طارئة)، رغم مرور أكثر من عشرين سنة على صدور عشرات التقارير التي تتحدث عن تجاوز معدلات تلوث الهواء في المدن اللبنانية، في أوقات الذروة، أكثر من خمسة أضعاف المعدلات التي حددتها منظمة الصحة العالمية.
صحيح أن مجلس النواب أقر في جلسته التشريعية الأخيرة قانون حماية نوعية الهواء رقم 78 تاريخ 13/4/2018، إلا أن هذا القانون لم يترافق مع إقرار استراتيجية تحدد مصادر التلوث الخارجي، وتقترح الإجراءات التي تخفف من هذا التلوث من المصادر كافة، لا سيما في قطاعي إنتاج الطاقة والنقل، المسببين الرئيسيين لتلوث الهواء الخارجي وتغير المناخ، مع الإشارة إلى معظم السياسات الحكومية في السنوات الاخيرة في هذه القطاعات تحديدا (لناحية زيادة عمل المولدات الخاصة وساعات استخدامها او سياسات تشجيع استخدام السيارات الخاصة وزيادة أعدادها وزيادة الازدحام المروري…)، تزيد من نسب التلوث بدل أن تخفضها!
وتنتظرنا هذا الصيف، كما في الأعوام الماضية، أجواء قاتلة، بات يمكن مشاهدتها بالعين المجردة كغمامة صفراء فوق المدن اللبنانية لا سيما العاصمة بيروت، خلافا لباقي دول العالم، حيث صنف تلوث الهواء الخارجي بـ"القاتل غير المرئي".
وإذ لا يمكن الرهان على الكتل النيابية، القديمة ــــ الجديدة، التي لم تضع هذا الملف الخطير ضمن برامجها الانتخابية، ولا على تشكيل الحكومة، حيث تترك حقيبة البيئة عادة لمن ليس لهم حقيبة، أو لمن ليس لهم علاقة... يمكن الركون الى شركات الاحصاءات التي انهت عملها الانتخابي منذ أيام، بإعلان نتائج الفائزين والخاسرين، لتبدأ بتعداد قتلى تلوث الهواء التي يفترض أن تحتل المرتبة الأولى، منافسةً ضحايا أمراض السرطان على أنواعه.