خاص بآفاق البيئة والتمية

جدارية في بيت النساء
تستلقي "قلعة الحمد الله" في منطقة مرتفعة من عنبتا القديمة بمحافظة طولكرم، وتتلاصق الحجارة التاريخية المُعاد ترميمها بعدة جداريات داخلية للفنان إياد زيدان تمثل أحلام المرأة ونضالها، وتشخص واقعها، فيما تطلق فتاة في إحدى المشاهد طيورًا نحو الشمس، وترفع في أخرى علم فلسطين، بينما ترك الفنان علاء أبو صاع مجسمًا فنيًا صنعه من مواد كان مقررًا لها أن تذهب إلى حاوية القمامة.
وأعادت القلعة المملوكة لعائلات الحمد الله: حافظ، ورفيق، وتوفيق تقديم حكاية المنازل العتيقة في فلسطين، فهناك العلّية والحوش والليوان والسدة، أما داخل الحجرات فتحجب الجدران السميكة حر الصيف غير المعتاد هذا العام، وتنشط مديرة المركز جهاد سبوبة، والناشطات: رشا قحمش، وفائدة ظافر، وسلافة عبدو، وآمنة ذواية، ودعاء سنجق، ورغد فقهاء، ودلال كايد، ومنتهى ذوابة، ولينا مخلوف في التحضير لنشاط بيئي للمنتدى نسوي عنبتا، الذي أطلقه مركز التعليم البيئي لتمكين النساء بيئيًا، وتشجيعهن على الضغط لتغيير الواقع الذي تعانيه بلدتهن.

جدارية في قلعة الحمد الله في عنبتا القديمة بمحافظة طولكرم
قلعة وتماسك
وصمدت صخرة ضخمة من الناحية الشرقية للبيت، وقد حافظت مؤسسة "رواق" خلال الترميم الذي امتد لعام عليها لتكون رمزاً يدلّ على صلابة وتماسك المرأة الفلسطينية. أما وسط الساحة فتستقر شجرة ليمون يانعة تجلس في ظلها نساء يحتسين قهوة الصباح، وينسقن لفعاليات قادمة، وتتشابك في بهو البيت أغصان فاكهة البسفلورا أو "البورجو" في مشهد جميل.
وتباهت جهاد سبوبة بتدشين المقر الجديد وقالت وهي تتنقل بين ردهات القلعة حكاية المركز الذي يقدم تجربة جديدة للنساء: يمثل هذا البيت حلمًا للنساء وللمجتمع أيضًا، فقد انتقينا البيت القديم لعائلة الحمد الله، والمسمى بـ (القلعة) ليكون عنوانًا للمرأة والفتاة، يوفر لها مساحة تمنحها اللقاء والتدريب وممارسة الرياضة وتعلم الرسم والمهارات واللغات، والأهم التعرف على حقوقهن، في وقت لا تجد النساء مكانًا خاصًا بهن، ولا يوفقن في فرصة للقاء والنقاش والتعلم وتنفيذ أنشطة تراعي خصوصية المرأة في مجتمع محافظ.
وتابعت: انطلقنا مطلع عام 2013، ودشنا المقر الجديد نهاية أيلول 2016، واليوم نشعر بالسعادة لأننا أسسنا فضاء خاصًا بنا، يدمج التعليم والتثقيف والتسلية وتعبئة الفراغ والنقاش.

قلعة الحمد الله في عنبتا قضاء طولكرم
حراك محلي
وأبصرت سبوبة النور عام 1958 في عنبتا، وتخرجت من الجامعة الأردنية في علم الاجتماع عام 1984، وحين عادت إلى مسقط رأسها عام 1990، لم تجد أي متنفس للنساء، أو مكاناً يمكن للمرأة أن تجلس فيه بحرية، دون الاستماع إلى تعليقات لا تحصى.
ووفق الراوية، فإن 4000 سيدة وفتاة في عنبتا يمكنهن الآن الإستعانة ببيتهن الجديد لتطوير مهارتهن، والدفاع عن حقوقهن، والانخراط في أنشطة مجتمعية.
وأضافت: لا نميّز ضد الرجال، ففي تشكيلة هيئتنا الإدارية اثنان من الرجال من أصل تسعة أعضاء، وفي هيئتنا العامة ذات الـ 35 انتسب إلينا متطوعون ومناصرون من الرجال، لكننا سنحافظ في الدرجة الأولى على "خصوصية البيت للمرأة، فكل الأمكنة مفتوحة أمام الرجال في بلادنا".
واستدركت: بحكم عاداتنا وتقاليدنا نجد قيودًا على النساء في التنقل الحر، أو دخول الأماكن العامة التي يستأثر بها الرجال. ولا نريد أن تظل المرأة "حبيسة لأعمال المنزل"، فمن حقها أن تلتقي في مساحة خاصة بها، وتطوّر مهاراتها، وتملأ وقت فراغها بأنشطة إيجابية تخرجها من الدور والصورة النمطية المرتبطة بها. واستنادًا للسيدة جهاد، فقد بذلت هي وزميلاتها جهودًا كبيرة مع الأهالي لإقناعهم بالسماح لبناتهن بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة للإنخراط بكورال المركز، وقد نجح الأمر حيث بدأن ينخرطن في إحياء فعاليات وأنشطة تراثية.

لوحة فنية جميلة في بيت النساء
حقوق خضراء
وتحلم سببوة أن تنتقل فكرة "بيت النساء" إلى كل التجمعات في فلسطين. وقالت:" بالإمكان استثمار طاقات النساء الكبيرة، ورعاية إبداعتهن، وتوجيههن وتأهيلهن وتثقيفهن للدفاع عن حقوقهن التي لا يحصلن عليها بسبب التمييز".
وزادت: افتتح البيت بمشاركة كبيرة شعبية ورسمية، وأعدنا التذكير بأهدافنا كالإسهام في زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاندماج الاجتماعي، وتعزيز المعرفة والوعي بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وتعميق التواصل وتبادل الخبرات بين النساء، وتعزيز المعرفة المجتمعية في حقوق الإنسان لمحاربة العزلة الاجتماعية المفروضة على النساء، إضافة إلى توكيد الذات وتنمية الثقة بالنفس، وخلق الوعي الذاتي والايجابي بالقدرات لدى النساء، والتفريغ النفسي بالدراما، عدا عن تعزيز مهارات المرأة الريفية في القيادة والاتصال والضغط من أجل الحفاظ على الحقوق، كما يوفر بيتنا الإرشاد والاستشارات القانونية والإرشاد النفسي لدعم ورفاه الريفيات وتطوير وعيهن وقدراتهن.
ومضت سبوبة: أطلقنا بالشراكة مع مركز التعليم البيئي منتدى عنبتا النسوي، وفيه نظمنا لقاءات وورش عمل حول قضايا البيئة، فحاورنا مدير سلطة جودة البيئة في طولكرم عصام قاسم، وأحتفلنا بيوم البيئة، وغرسنا الأشجار في أحراش البلدة، ونفذنا حملة نظافة، وعقدنا محاضرات توعية حول الاستخدام الأمثل للمياه، وأخيراً استضفنا عضوات بلدية عنبتا المنتخبات في المجلس الجديد عرفان كنعان ونداء القبج، ونقلنا لهن مطالبنا بتغيير الواقع البيئي في بلدتنا.

نشاطات نسوية في بيت النساء بقلعة الحمد الله
فيما لخّص المدير التنفيذي لـ"التعليم البيئي" سيمون عوض أهداف المنتديات النسوية: "أطلقنا هذه الأجسام الخضراء لتحريك المياه الراكدة في مجتمعنا، ولتشجيع التوجه نحو قضايا البيئة التي لا تأخذ حظها في غالبية زوايا حياتنا وممارساتنا."
وأضاف: للمنتديات أهداف ثلاثة، فهي بدأت بتمكين النساء والشباب في الشؤون الخضراء من خلال التعريف بالتحديات البيئية، وانتقلت لمنح هاتين الفئتين فرصة الالتقاء بمسؤولين وصناع قرار للمطالبة بالحقوق الضائعة وحل الأزمات، وتتواصل الخطة نحو منح الأعضاء فرصة للتعريف بوجه فلسطين الجميل وتنوعها الحيوي عبر جولات ومسارات بيئية."
ووفق سبوبة فإن منتدى نسوي عنبتا، الذي يضم نحو 20 سيدة وناشطة مجتمعية يشجع النساء على زيادة مشاركتهن في مناقشة وحل التحديات البيئية، وخاصة أن عنبتا تعاني جراء وادي الزومر، الذي تحول منذ سنوات طويلة لمجرى للمياه العادمة، إضافة لانتشار البعوض والروائح الكريهة من مسلخ للدواجن في محيط البلدة، عدا عن النفايات العشوائية.
وانتهت: نظم "بيت النسـاء" الدورات المجانية وشبه المجانية في الدراما، والأشغال اليدوية، والرسم ومسرح الدمى والموسيقى، والتثقيف المدني، وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، والرياضة والحاسوب وغيرها.

مجسم فني من مخلفات صلبة معروض في قلعة الحمد الله
نضال ناعم
فيما قالت المتطوعة سلافة عبدو: جئت من حقل الزيتون إلى ورشة "بيت النساء"، وأعتقد أن المشاركة في أنشطة البيت تقوي من شخصيتنا وقدراتنا، وهي مهمة وتجعلنا نشعر بقيمة ما نملكه، وأهمية الوقت.
وزادت: "أفضّل أنشطة هذا البيت على الجلوس في المنزل، فهنا نستمع إلى وجهات نظر مختلفة، ونتدرب على فنون حرفية ومهارات، والأهم أن نجلس في بيت تاريخي قديم يذكرنا بأجدادنا، ويجعلنا نفكر في تراثنا."
وأنهت عبدو: في المنزل غالبًا ما يضيع الوقت دون تنفيذ عمل إيجابي، وهنا بدأنا بتعلم أشياء جديدة، ولا زلنا في بداية الطريق، فهناك نساء لا يشاركن في أنشطة "بيت النساء" لأن أزواجهن لا يسمحوا بخروجهن إلى الحياة العامة، ويصرون على اقتصار عمل المرأة في المطبخ وتربية الأبناء فقط.

نشاطات نسوية في بيت النساء بقلعة الحمد الله في عنبتا قضاء طولكرم
رجال في بيت النساء!
وقال عضو الهيئة الإدارية في "بيت النساء" نهاد سبوبة إن "بيت النساء" لا يميز ضد الرجال، بل هو يكرم النساء، وبدأت أنا وهاشم راجح عمرو في العمل والتطوع ضمن الهيئة الإدارية، رغم أننا رجال، وفي الهيئة العامة معنا د. سمير عبد الله، وم. حمد الله حمد الله.
وتابع: استمعت إلى تعليقات سلبية كثيرة، تنقص من عمل البيت، لكنني لم أتوقف عندها، فأنا أعلم أن كل شيء في مجتمعنا يتعرض لنقد حاد وعنيف، هناك صورة نمطية للمرأة تحصر دورها، وتجعلها حبيسة في المطبخ، وهذا الأمر ليس صحيحًا فجداتنا في الماضي كن عماد الاقتصاد، ولعبن دورًا كبيرًا في الحصاد وقطف الزيتون وحتى بناء البيوت.
وأضاف سبوبة، وهو رئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية عنبتا: يصوّب بيت النساء النظرة الخاطئة والممارسات المجتمعة غير المنصفة للمرأة، وهو لا يضع الرجال على قائمة سوداء، بل يعطي الأولوية للواتي لا يحصلن على حقوقهن، ويرحب بالمتطوعين من الشباب والرجال في أنشطة عامة.
ويدعم الراوي زوجته ومديرة المركز جهاد سبوبة، وأنهى: "الغلبة للعنصر النسوي في بيتي فهن: ثلاث نساء مقابل رجلين: الأم جهاد، وابنتي المحامية المتدربة منى، ودارسة الفرنسية ابنتي رنا، وأنا وابننا محمود الذي يعمل في الولايات المتحدة الأمريكية".
aabdkh@yahoo.com