إيمان خشان... فن إعادة التدوير من زقاق المخيم
إيمان خشان الفنانة بالفطرة، تُعَرِّف إعادة التدوير بأنه الفن الذي يحتاج إلى ذكاء، وهو مثل لعبة "البازل"، تركيب قطع تالفة بطريقة ما لتصبح قطعة واحدة مفيدة وجميلة، لكن كل هذا يحتاج إلى طاقة فنية، تقول إيمان.
ورغم أن إيمان تعيش في مخيم شعفاط للاجئين، وسط الاكتظاظ السكاني الرهيب والبناء العشوائي والبنية التحتية المتهالكة والنفايات المنتشرة في كل مكان؛ إلا أن محيط منزل إيمان يبدو مختلفا تماما.
شيئا فشيئا أصبحت إيمان أكثر اهتماما بإنتاج شيء من اللاشيء، ومعظم أعمالها هي تحف منزلية جميلة مصنوعة من البلاستيك أو الكرتون أو الفخار أو الأقمشة وحتى الصدف.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
أحد أزقة مخيم شعفاظ ويظهر جليا غياب خدمات البنية التحتية |
في بيت متواضع وأنيق في إحدى أزقة مخيم شعفاط، شمال شرق القدس المحتلة، تعيد الشابة إيمان خشان تدوير كل ما يقع بين يديها من مواد، فتحولها إلى تحف فنية تزين بها زوايا المنزل، جامعةً ما بين العمل الفني والحرفي.
|
|
إيمان خشان اثناء إنتاجها إحدى قطعها الفنية |
أدوات مطبخ بدأت الفنانة إيمان خشان بتجهيزها في مخيم شعفاط لإعادة تدويرها في المخزن حيث تقضي معظم وقتها |
فن إعادة التدوير
تعرف إيمان خشان، إعادة التدوير بالفن الذي يحتاج إلى ذكاء، "هو مثل لعبة "البازل"، تركيب قطع تالفة بطريقة ما لتصبح قطعة واحدة مفيدة وجميلة، لكن كل هذا يحتاج إلى طاقة فنية" تقول إيمان.
وتستذكر أول قطعة أعادت تدويرها، كانت مؤلفة من غطاء حديدي لعلبة، وكرتون مقوى، قامت بتركيبهم على شكل غاز، مضيئةً شمعة في أسفلها، فأنتجت طباخاً منزلياً بأبسط الإمكانيات، وهكذا شيئا فشيئا أصبحت أكثر اهتماما بإنتاج شيء من اللاشيء، ومعظم أعمالها هي تحف منزلية مصنوعة من البلاستيك أو الكرتون أو الفخار أو الأقمشة وحتى الصدف.
في إحدى زوايا غرفة الجلوس داخل منزلها، أسست إيمان متحفا صغيرا كما تسميه وكما حلُمت منذ الصغر، فيه تعرض كرسيا خشبيا، نظفته حيث وجدته ملقىً في مكان ما، فقامت بتنجيده بإسفنج بشكل مربع ومن ثم غطته بأغطية مزركشة.
أما بعض مقاعد غرفة الجلوس، فهي صناديق خشبية قامت بصناعتها من مخلفات خشبية، وزينتها بقطع من القماش من الخارج، ومن ذات المخلفات الخشبية صنعت صندوقا لحفظ حاجياتها المختلفة وفي المطبخ عملت ذات الشيء.
وعلى الطاولة وسط الغرفة، صحن ملوّن كان عبارة عن ثريّا معلقة في أحد المنازل، قام أصحابها بإلقائها بالحاوية، وقد ثبتت له قاعدة ذهبية أنيقة.
التحف الفنية التي اشتغلتها إيمان بعد إعادة تدويرها كثيرة، فهي تصف نفسها بأنها فنانة بالفطرة، لا تستطيع التفكير بأي شيء بعيدًا عن الفن، أحبت الرسم منذ نعومة أظفارها، وعززت موهبتها بدراسة الفن التشكيلي ملتحقة بكلية الفنون الجميلة بجامعة النجاح.
|
|
بابور وطنجرة غلفتهم الفنانة إيمان خشان بالقماش المطرز وتضعهم كتحف فنية في منزلها |
ايمان خشان داخل متحفها الخاص بمخيم شعفاط |
وفي إيطاليا، أمضت إيمان أربع سنوات التحقت فيها بدورات تدريبية تُعنى بالفن التشكيلي، تعلّمت عدة فنون متعلقة بإعادة التدوير، ومنها فن "الكورتناجوار" أو الكرتون المقوى، وفن "الفيمو" أو العجينة الحرارية، ومن هنا بدت مهاراتها بإعادة التدوير أكثر نضجا.
|
|
صحن تستخدمه الفنانة إيمان خشان كتحفة في منزلها بعد إعادة تدويره من ثريا كانت ملقاة بالنفايات |
جانب من متحف منتوجات إعادة التدوير في منزل الفنانة إيمان خشان بمخيم شعفاط |
إعادة التدوير كإستثمار معنوي
يشير علاء أبو صاع الخبير في إعادة التدوير، إلى أن أهمية هذه العملية تكمن في نقطتين أساسيتين، أولهما أن إعادة التدوير تبث الأمل في نفوسنا وتجعلنا نفكر بكيفية الاستفادة من أبسط المخلفات. والفن، كما في حالة إيمان، كان إحدى النوافذ الباعثة على الأمل فهي نموذج ممتاز.
إذا وبحسب أبو صاع، فإن لإعادة التدوير أهمية معنوية تحث على التغيير، وخاصة عندما تُستخدم كوسائل تعليمية مع الأطفال الذين يتغير تعاطيهم مع المواد التي يتعاملون معها بشكل يومي، وهذا أيضا جزء من عمل إيمان.
أما الأهمية الثانية لإعادة التدوير بحسب أبو صاع، فهي الأهمية التشغيلية من ناحية التخفيف من حدة البطالة، خاصة وأن 70% من المخلفات يمكن إعادة استثمارها في أشياء مفيدة، وهذه إذا ما تم تطبيقها فإنها أولا ستقلل من كمية النفايات وستوفر فرص عمل لكثيرين يمكن الإستفادة من قدراتهم في إعادة التدوير.
|
|
طاولات صغيرة أنتجتها الفنانة إيمان خشان بعد إعادة التدوير |
صممت الفنانة إيمان خشان هذه الاحواض عند مدخل منزلها في مخيم شعفاط مستغلة موهبتها في إعادة التدوير |
تعميم الفكرة داخل المخيم
يتركز جزء من عمل إيمان خشان في إعادة التدوير على إعداد وسائل تعليمية لطلاب المدارس، وتستفيد من خبرتها في هذا المجال بإيجاد أفكار مبدعة تكون قابلة لتطبيقها من قبل الأطفال، ولا يقتصر دورها على ذلك، حيث تعطي دورات تدريبية في موضوع إعادة التدوير لأهالي مخيم شعفاط حيث تقطن.
ويعتبر مخيم شعفاط، مخيم اللاجئين الوحيد الذي يقع داخل حدود بلدية القدس المحتلة، التي جرى ضمها بعد حرب 1967، وينتمي سكانه الذين يزيد تعدادهم اليوم عن 20 ألف نسمة إلى 55 قرية ومدينة فلسطينية محتلة، يعيشون على مساحة 203 دونما تقريبا.
ويعيش أهالي المخيم وسط أجواء سياسة العزل العنصرية، محاطين بجدار ويتحكم بتحركاتهم حاجزٌ عسكري ينكل الجنود الواقفين عليه بأهالي المخيم وأحياء راس خميس وراس شحادة والأوقاف وهي الأحياء المحيطة به والواقعة خلف الجدار. وفي المخيم يغيب التخطيط الهندسي ويسيطر البناء العشوائي، وتشكو البنية التحتية من وضع متردٍ، كما تنتشر النفايات في كل مكان، لكن في محيط منزل إيمان يبدو الأمر مختلفا.
تحرص إيمان على نظافة محيط منزلها وداخله، وهي ثقافة تسعى لأن تعممها على من يعيشون في محيطها، لكنها تقول أن الأمر يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، لكنها بدأت بذلك من خلال الدورات التي أعطتها والتي ستستكملها قريبا.
تؤمن إيمان أن أي عملية تغيير يجب أن يبدأها الشخص من نفسه، وهي طبقتها بالفعل وبدأت بتعميم الفكرة على عائلتها التي أمست تدعمها بما يتوفر من إمكانيات، وتطمح إيمان لإحراز المزيد من التقدم في مجال عملها بإعادة التدوير الذي يبعث شعورَ الفخر بداخلها.
"أثناء عملي في إعادة التدوير أفكر كيف سأساهم في حماية البيئة... أريد أن يكون عملي مساهمًا في التخفيف من العبء على حيي المليء بالتلوث، وتباعاً البيئة بشكل أعم" تقول إيمان.
|
|
قطع خشبية أعادت الفنانة إيمان خشان دويرها وتحويلها إلى صندوق للمقتنيات وزينته بالصدف |
فصلت الفنانة إيمان خشان غرفة نوم كاملة من خشب أعادت تدويره وغطته بخشب الأرضيات |