
مما لاشك فيه أن الجهود التي تبذل في مجال حماية البيئة، وصيانتها في إطار التشريعات والقوانين الوطنية لا يمكن أن تؤتي ثمارها، وذلك ما لم تقترن بجهود أخرى على مستوى الصعيد الدولي، وذلك لأن البيئة من المجالات، التي نجد فيها ارتباطاً وثيقاً إلى أقصى مدى، بين القانون الوطني والقانون الدولي.
إن المحافظة على البيئة وصيانتها مسئولية المجتمع الدولي بأسره، وإن حدوث أي خلل في البيئة في أي مكان من دول العالم تنعكس آثاره السلبية على الجميع دون تفرقة، مثلما حدث في حرب العراق والكويت أوائل التسعينيات حيث تلوثت مياه الخليج بالبترول، وأيضًا ما حدث من تسرب إشعاعي من مفاعل تشيرنوبل عام 1986 في أوكرانيا، حيث تأثر المجتمع الدولي من كل ذلك.
لقد أدركت دول العالم أن الأخطار البيئية التي تهدد العالم ليست خاصة بدولة دون الأخرى، وإنما يجب أن تتعاون الدول مع بعضها من أجل التصدي للأخطار البيئية، ولذلك بدأت المبادرات الوطنية بسن تشريعات وقوانين داخلية في كل دولة من أجل حماية البيئة، وجديرٌ بالذكر أن الجهود الرامية إلى حماية البيئة على الصعيد الداخلي، وفي إطار التشريعات الوطنية لايمكن أن تؤتي ثمارها بمفردها مالم تقترن بجهود أخرى مكملة لها على الصعيد الدولي.
إن المسئولية القانونية عن الأضرار أصبحت جزءاً أساسياً في كل نظام قانوني وفي نطاق قانون حماية البيئة نصت المادة 235 فقرة أولى من قانون البحار لسنة 1982 صراحةً على أن " الدولة مسئولة عن الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بمجال حماية البيئة البحرية، وهي مسئولة وفقًا للقانون الدولي ".
وحريٌّ بالذكر أن القضاء الدولي لم يغفل أن يلعب دوره في تدعيم وتعزيز أسس مبدأ المسئولية عن الأضرار البيئية ففي قضية مصنع صهر المعادن في مدينة " Trail " بكندا، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعويض عن الخسائر الناجمة التي لحقت بالممتلكات والأشخاص في ولاية واشنطن من جراء الأدخنة السامة التي ينفثها المصنع في الهواء، وتنقله الرياح بعد ذلك عبر الحدود .
حيث قررت محكمة التحكيم التي شكلتها الدولتان بحكمها الصادر في 11 مارس 1941 أنه " وفقًا لمباديء القانون الدولي، ليس لدولة الحق في أن تسمح بأنشطة على إقليمها على نحو يسبب الضررعن طريق الأدخنة لإقليم دولة أخرى أو للممتلكات أو للأشخاص فيه، عندما تكون الحالة ذات نتائج خطيرة، ويثبت الضرر بأدلة واضحة ومقنعة " .
وأكدت المحكمة مسئولية كندا عن الأضرار التي أحدثتها أنشطة المصنع الكائن بأراضيها، وألزمت كندا بدفع مبلغ 78 ألف دولار كتعويض.
ونجد أيضًا أنه بغرض تدعيم مبدأ المسئولية الدولية عن الأضرار البيئية فقد تطرقت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة إلى موضوع المسئولية عن الأضرار البيئية، وذلك بمناسبة مناقشتها للمسئولية الدولية بصفة عامة، فقد ورد بأحد تقاريرها أن القانون الدولي قد وصل إلى الإدانة النهائية للتصرفات التي تهدد البيئة، بهدف صيانتها من الأخطار التي تهددها.
وفي الختام لقد أصبحت الأفعال والتصرفات التي تخالف المباديء التي أصبحت راسخة في وجدان الضميرالدولي بمثابة قواعد جوهرية للقانون الدولي عمومًا، ونجد أنه قد أصبح من الجدير أن تتكاتف دول العالم بأسرها من أجل مواجهة الأخطار البيئية التي تهدد البيئة، والاعتراف أن التلوث لا يصيب مكاناً واحداً فحسب بل تنتقل آثاره الفتاكة، والمدمرة لتنال من الدول الأخرى المجاورة، لذلك لابد من بذل المزيد من الجهد من أجل سن المزيد من التشريعات والقوانين الوطنية والدولية المنظمة من أجل حماية البيئة، والمحافظة عليها.