خاص بآفاق البيئة والتنمية
المعمر التسعيني صادق السعدي صاحب الذاكرة الصلبة والمتماسكة
تتماسك بصلابة ذاكرة التسعيني صادق السعدي، الشاهد على عصور عديدة، منها مجزرة بلدته عتيل، 12 كيلومتراً شمال شرق طولكرم، التي وقعت نهار الـ 5 من كانون الثاني 1938، إبان الاحتلال البريطاني.
واستنادًا إلى ذاكرة أبو حاتم، التي تحافظ على رشاقتها، فقد شاركت الطائرات البريطانية في قصف القرية من الجو، وطوقتها وحدات( الأسكوتش) من كل الجهات الأرضية، وبدأت تحصد الناس، دون أن تخبرهم بمنع التجول، ولم تسقط من ذاكرته أسماء الشهداء الثمانية، وطريقة سقوطهم القاسية.
وسرد ذكرياته العتيقة، بشعر غزاه الشيب: "ولدت عام 1919، ومعي إلى اليوم جواز سفر صادر من يافا يؤكد تاريخ ميلادي، وبعد هذا العمر تغيّرت أشياء كثيرة، واختفت من حياتنا عادات جميلة، وماتت كل أجيالي".
أرض
وتابع السعدي: كان معظم الناس في عتيل يزرعون الأرض ويعيشون من عائدها، ويتخصصون في محصول البامية، ويحرصون على أكل العدس في معظم الأيام، ولم يتعلم من البلدة كلها إلا اثنان: ابن أبو حسنة، وابن المدني، والجميع كانوا يحبون الأرض.
وأضاف أن طعام أيام زمان أفضل من اليوم بألف مرة، ولم تكن فيه أدوية أو أسمدة، وعلاجات صناعية، وكانت رائحة الخضروات تفوح من مسافات بعيدة، ويعرفها الناس في المواسم فقط، ويحفظونها من التلف بالتجفيف على الأغلب.
ووفق التسعيني، فإن الخضروات الطبيعية، والدجاج العتقي (البلدي) اختفوا بعد نكبة عام 1948، وصار يَأكل كل شيء متوفر في السوق، ولو يجد الخضروات التي كانت سائدة أيام زمان لأكلها دون غيرها، لكنه مجبرٌ.
بطيخ
وزاد: كنا نصدّر قديمًا البطيخ إلى الشام وبيروت وعمان ونابلس، أما اليوم فلم يُبقِ الاحتلال إلا على عددٍ قليل من الأراضي. وعملت أنا وعمي في 40 دونم، وتزوجت منهن، وكان عندي حصان.
وكما حلّل السعدي، فإن التحول الخطير حدث بعد عام 1948، حيث توجه الناس إلى التعليم وهجروا الأرض، التي تعرضت للمصادرة والاستيطان.
عمل الراوي مزارعًا، ثم اشترى سيارة (مرسيدس) مع صديق من قرية زيتا المجاورة، لنقلِ البطيخ والخضروات إلى الشام وعمان ونابلس، وحدثت النكسة وهو في الأردن.
أجيال
وأضاف: رزقني الله بثمانية أولاد وابنتين، أكبرهم حاتم توفي قبل سنوات، وكان ابن 73 سنة، وأصغرهم سعد عمرة 55 سنة، ولي 50 حفيدًا، ولا يعجبني تنظيم النسل، الذي يمشي به المتعلمون.
ويحرصُ السعدي على تناول فطوره اليومي من البيض والبصل الطازج، ويحب الأفاكادو، ولا يعرف على وجبة العشاء غير الفواكه، ويكثر من شرب الماء، وتجنب السجائر طوال حياته، لكنه ضعُف 40 سنة أمام (النرجيلة)، وندم عليها، ولا يعجبه تخلي الناس عن صنع خبزهم بأنفسهم، وهروبهم من الاحتفاظ بقمحهم، أو حفر بئر مياه. ويتمتع اليوم بصحة جيدة، ولا يعرف جسده أمراض الشيخوخة، ولا يتناول أي دواء، ويحافظ على مشية سليمة، ويتمتع بذاكرة جيدة.
عاصر الراوي كل فترة الاحتلال الإنجليزي، وتجرع مرارة النكبة، ووجع النكسة، وشهدَ الحكم الأردني، والسلطة الفلسطينية، وتعامل بالجنيه الفلسطيني، والدينار الأردني، والشيقل الإسرائيلي بتسمياته المختلفة.
وأنهى بابتسامة لطيفة: تزوجت مرة واحدة، ودفعت المهر مرتين، واحدة 90 جنيهًا، والثانية 150، بعد اكتشاف أهل زوجتي أن المهور ارتفعت.