
الشرطي الأخضر غسان وشاحي يتفقد محصوله الشتوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ينتظر المساعد غسان وشاحي أوقات الاستراحة من عمله الرسمي على جمر، ليزحف نحو الصخور الصلبة، وليضم مساحات جديدة للحديقة التي دشنها منذ ثلاث سنوات ونصف، داخل المقر الذي يحرسه في محافظة طوباس والأغوار الشمالية.
يرعى وهو يرتدي زيه الأزرق ويمتشق سلاحه الرشاش، أحدث مساحة صغيرة زرعها بالعكوب، ويترقب المطر لترتوي البقوليات والخس والشومر والبصل والبطاطا والبازيلاء والبقدونس والميرمية، وأصناف أخرى كثرّها بنفسه من محاصيل العام الماضي، وتنتظر رحمة السماء.
يروي: "دخل عشق الزراعة إلى قلبي منذ الطفولة، وبدأت حين استلمت عملي في مقر المحافظة، باستصلاح محيطها، فقد كانت الصخور لا تنبت غير الأشواك، واليوم زُرعت عشرات الأصناف، وعما قريب سأضاعف المساحة، بعد أن شجعني كثيرًا المحافظ اللواء ربيح الخندقجي".

الشرطي الأخضر غسان وشاحي
أمل
يبدو وشاحي المولود عام 1974 في قمة السعادة وهو يسترق النظر من نافذة العمل إلى الحديقة، وينتظر ساعة الفراغ ليعهد مزروعاته، ويضيف إلى بهو المحافظة المزيد من الأشجار والأزهار الجديدة، بعد اقتلاع جرافة المزيد من الصخور العصية على الأيدي.
وتتشابك حديقة وشاحي من أعلى بناية المحافظة بأشكال هندسية متفاوتة الألوان، بين الأخضر الداكن والفاتح، وعن قرب تكشف بعض بقايا محاصيل الصيف عن جهود حارسها، كالفلفل والبامية واللوبياء.
يتابع: "حين قدمت إلى العمل أول أيار 2013، كانت الأرض مليئة بالقمامة، وخالية من زينتها الخضراء، فبدأت بإزالة النفايات، وتأمين التراب والبذور، وتغيير المشهد."
يعمل غسان في مناوبات مسائية وليلية، لكنه يفضل النهار ليرعى في الفراغ نباتاته، ويستصلح المزيد من الأرض القاحلة، ويفرح كثيرًا وهو يقطف المحصول الخالي من الكيماويات ويوزعه على زملائه والعاملين معه.
يقول: "أجمل شيء أن تزرع بيدك ما تأكله، وأن تقرر فعل شيء يتوقف الناس عنده، وحتى لو لم تمتلك الأرض فبإمكانك أن تحول سطح المنزل إلى حديقة مُعلّقة، وكل ما علينا أن نفعله الاقتراب من الأرض والمحافظة عليها."
وينحدر وشاحي من قرية إجزم ( 28 كيلو مترا جنوب حيفا)، وعمل والده رسلان المولود عام 1930 في أرضه وكروم زيتونه، قبل أن تقتلعه النكبة منها، ليقيم في مخيم الفارعة.

الشرطي الأخضر غسان وشاحي يسير مستمتعا وسط محصوله الشتوي
خطط
تسكن في لائحة وشاحي الكثير من الأحلام القريبة، إذ سيكون الربيع القادم فرصة لتحويل المزيد من المساحات الفارغة إلى جنائن جديدة، سترتدي ثياب الورد الجوري، والأشجار المثمرة، ومحاصيل حقلية أخرى، يتم إنتاج معظمها في مشتل متناهي الصغر ابتدعه غسان.
ويحمل الراوي شهادة الثانوية العامة عام 1991، ويعمل في الأجهزة الأمنية منذ 21 عاما، وكبر معه حلم دراسة الجغرافيا، إلا أن الحظ لم يبتسم له. ويتذكر أول أشتالٍ زرعها في طفولته بوعاء صغير على سطح منزله بمخيم الفارعة، ليكمل اليوم حراسة دار المحافظة من ثلاث جهات بالخضرة.
نقل وشاحي شغف الأرض إلى ابنه محمد (5 سنوات)، وسيغرسه مستقبلاً في رضيعه عبد الله، الذي لم يتعدَّ الثلاثة أشهر، فيما يطيل التفكير بحديقته خلال إجازاته بعيدًا عنها.
ويشير مسؤول الأمن في المحافظة النقيب رامي حجازي، إلى أن مبادرة وشاحي وجدت منذ البداية التشجيع من المحافظ ربيح الخندقجي، ولاقت الاستحسان من الموظفين، الذين يسارعون إلى التقاط الصور بين الأزهار والخضرة، ويسرّون بالهدايا التي يقدمها غسان لهم من منتجات طبيعية، لم تمسسها الأسمدة والمبيدات الكيماوية.
ويضيف: "الجديد في تجربة وشاحي أنه شرطي يقدم أثناء عمله رسالة الحفاظ على الأرض وعدم هجرتها، ويعمل بزيه العسكري، ولا يفارقه سلاحه، وفي ذلك رسالة لكل من يشاهده وسيسمع عنه".
وقد أرسل مدراء الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، موظفين للتعلّم من تجربة غسان، وتحويل محيط المقرات إلى جنائن، وتقديم رسالة هامة تثبت تميز رجال الأمن وتمسكهم بأرضهم.
يختتم غسان حديثه بتكرار مقولة ذائعة الصيت: "غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون"، ويتمنى أن تتفشى العدوى الحميدة، ويبرز الاهتمام بالأرض لدى كل مواطن بغض النظر عن مهنته.
aabdkh@yahoo.com