خاص بآفاق البيئة والتنمية
تتوزع نظرات الشاب أحمد سوالمة بين بضاعته من بطاطا الفارعة وعيون الزبائن، فيما تهتف حنجرته بالنداء على ما يعرضه:" بطاطا الفارعة تقرأ وتكتب".
يقول: أقف في مدخل مخيم الفارعة منذ سبع سنوات، وأتخصص في بيع البطاطا على مدار العام، فهي مرتبطة بمخيمنا ومنطقتنا، ويصل صيتها للدنيا كلها."
وبالنسبة لسوالمة، 21 عاماً، فإن ما تجود به سهول الفارعة، وقشدة، وسميط، والبقيعة، ووادي المرش، وطلوزة، والحقول المزروعة على طريق ياصيد، تنتج عروتين من المحصول على مدار العام.
"قبل الفارعة كانت بلدنا مشهورة بالبطاطا، وكانت أرض "الزطية" جهة الخضيرة تزرع بها، وبعض المزارعين كانوا يسقونها، وقسم منها زرع بعلا (دون ري)، وأكثر من زرَعها دار أبو هنطش".
ويؤكد قوزح أن بطاطا الفارعة لا تشبه ما كانت تنتجه قاقون من أنواع حمراء وبيضاء، والتي كانت تباع في الخضيرة وطولكرم.
|
مواسم
تبدأ قصة الراوي وغيره من شبان المنطقة، في التوجه نحو حقول البطاطا بعد أن ينهي الفلاح جمع الموسم، ويشرعون في عملية يطلقون عليها "بعارة"، وهي جمع المتبقيات من الثمار، وإعادة تسويقها.
يضيف سوالمة: "في العادة نجمع 10 صناديق من الدونم الواحد، وينتج المزارع نحو 150 صندوقًا منه، ونجد حبات كبيرة وبعضها صغير، وكل واحد منا له منطقته."
حين ينتهي أحمد والشبان الناشطون في هذه المهمة من جمع المحاصيل المتروكة بين التراب، فإنهم يتوجهون إلى السوق المحلي للتزود ببطاطا الفارعة، ولإعادة تسويقها.
ووفق الباعة، فإن أعلى سعر للصندوق يصل 45 شيقلاً وأقله يهبط إلى 20 شيقلاً، ويتسع الواحد منها لنحو 20 كيلو غرامًا في العادة.
يقول محمد حسين، البائع الشاب الذي يجلس في ركن ثانِ من باب الفارعة: "العمل صعب في الشتاء، فعلينا الغوص في الوحل للبحث عن البطاطا الضائعة، ثم ننقلها إلى سوقنا المحلي، وأجمل مرحلة في مهنتها حين نبيع حمولتنا."
يدمن حسين على تناول البطاطا في مواسمها، فلها كما يعرف استعمالات عددية كالقلي والسلق والشوي والطهي وحيدة أو مع إضافات.
يتنقل عبد الرازق حسين قوزح، الذي أبصر النور في قرية قاقون المدمرة بمحافظة طولكرم عام 1933 بين ثنايا ذاكرته، ويسرد شهرة مسقط رأسه بالبطاطا قبل النكبة.
يقول: "قبل الفارعة كانت بلدنا مشهورة بالبطاطا، وكانت أرض "الزطية" جهة الخضيرة تزرع بها، وبعض المزارعين كانوا يسقونها، وقسم منها زرع بعلا (دون ري)، وأكثر من زرَعها دار أبو هنطش".
ويؤكد قوزح أن بطاطا الفارعة لا تشبه ما كانت تنتجه قاقون من أنواع حمراء وبيضاء، والتي كانت تباع في الخضيرة وطولكرم.
حقول البطاطا في الفارعة
يضيف: نستورد التقاوي من هولندا، وعادة ما نحضر العروة الشتوية، ونأخذ منها ثمار العروة الربيعية، ولا تنجح الزراعة إلا من ثمار عروة واحدة، فنضطر للاستيراد لموسم من الموسمين، بعكس التقاوي البلدية التي فقدناها. |
تاريخ
يقول المزارع عبد الناصر عبد الرازق: "بدأت قصة البطاطا في الفارعة بعد نكسة 1967، وساعدت المياه والتربة الجيدة للمنطقة في ذلك، وبدأت تنتشر وتتوسع من استصلاح مناطق جديدة، ونقل المياه لسهول أخرى كالبقيعة والكفير، وصارت اليوم تزرع على فترتين."
واستنادًا لعبد الرازق، فإن في الفارعة وواديها ومناطقها المجاورة كالكفير والبقيعة وقشدة وسميط نحو 4500 دونم، تزرع كلها بالبطاطا الشتوية والربيعية.
فيما يعدد المزارع محمد بشير أصناف المحصول، فيقول إنها مختلفة عن الحمراء القديمة التي كانت تزرع في السبعينيات، وهي اليوم: مونديال، وسبونتا، وفالوكا، وديسريه، وهرمز، والبطاطا الحلوة، وكلها قادمة من هولندا.
يضيف: نستورد التقاوي من هولندا، وعادة ما نحضر العروة الشتوية، ونأخذ منها ثمار العروة الربيعية، ولا تنجح الزراعة إلا من ثمار عروة واحدة، فنضطر للاستيراد لموسم من الموسمين، بعكس التقاوي البلدية التي فقدناها.
"مشكلتنا في تسويق المحصول، وللأسف يغرقون أسواقنا ببطاطا إسرائيلية رديئة، ويبيعونها بثمن رخيص، مع أنها مزروعة خصيصًا لإطعام الأبقار، وخاصة نوع (تعسيا)، الذي يبلغ ثمن الكيلو الواحد منها أغورتين ويباع أحيانا بأكثر من شيقل." |
تكاليف
يعود عبد الرواق لاحتساب تكلفة الدونم الواحد من المحصول التي تشتهر به الفارعة، فيؤكد أنه يكلف بين 3500 و5000 شيقل، ويحتاج لنحو 500 شيقل ماء فقط، أما الصقيع واللفحة، والرياح، وحبات البرد فكلها تهدده.
يضيف: "مشكلتنا في تسويق المحصول، وللأسف يغرقون أسواقنا ببطاطا إسرائيلية رديئة، ويبيعونها بثمن رخيص، مع أنها مزروعة خصيصًا لإطعام الأبقار، وخاصة نوع (تعسيا)، الذي يبلغ ثمن الكيلو الواحد منها أغورتين ويباع أحيانا بأكثر من شيقل."
وبحسب عبد الرازق وبشير، فإن البطاطا تحتاج للري كل أسبوع، ويتطلب الدونم الواحد 600 متر مكعب طوال الموسم.
ويؤكدان أن وزارة الزراعة تراقب مخازن المزارع وتجار المواد الزراعية؛ للتأكد من وجود ختم الوزارة على العبوات، وأن المبيدات الكيماوية مسموح باستخدامها، وليست مهربة من المستوطنات.
وتشير تقديرات المزارعين، أن الدونم الواحد ينتج قرابة 4 أطنان من البطاطا في الموسم الجيد، فيما يبلغ مجموع إنتاج المنطقة كلها منه قرابة 160 ألف طن، تذهب للسوق المحلي، وبعضها يصدر إلى الأردن، ونجح مزارعون بتصدير شحنات قليلة منها إلى أسواق دبي.
يضيف عبد الرازق وبشير: في العادة نبيع الكيلو الواحد بين شيقل وعشرين أغورة، وشيقل وسبعين، وحين نبيع الكيلو في حالات نادرة بـ 14 شيقلاً، يبيعه بعض تجار المفرق بـ 12 شيقلًا.
نُدرة
يقول أحمد أبو الحسن، المقيم في وادي الفارعة، والذي ينحدر من قرية صبارين المدمرة قضاء حيفا، إنه كان شاهدًا على وصول خبراء أوروبيين قدموا للمنطقة، وفحصوا عينات من تربتها وعيونها، وتبين أنها من أفضل أنواع التربة؛ لوجود عدة معادن تحافظ على تماسكها، إضافة لجودة مياهها.
يضيف:" إذا ما أضفنا إلى نتائج الفحص خبرة المزارعين في المنطقة، ومناخها المميز، ستكتمل عناصر بطاطا الفارعة، التي صارت أشهر من نار على علم."
وكان المزارع بشير، قد عثر على حبتي بطاطا من حقله عام 2010 تزن كل واحدة منها 2 كيلو غرام. ويصف أهالي الفارعة البطاطا بالذهب الأبيض.
إضاءة
وبحسب مواقع زراعية مختصة، فإن الاسم العلمي للبطاطا هو Solanum tuberosum، وهي من النباتات الباذنجانية، ومن أكثر محاصيل الخضراوات انتشارًا وشهرة في العالم. ولها قيمة غذائية.
وتأخذ البطاطا المركز الرابع من حيث الأهمية بعد القمح والأرز والذرة، وتحتاج إلى رعاية خاصة عند تخزينها، إذ أنها تخزن في مستودعات باردة.
وظهرت في أمريكا الجنوبية، وكان المستكشفون الأَسبان أول من أكلها من الأوروبيين، وقد أحضرها الأَسبان إلى أوروبا منتصف القرن السادس عشر الميلادي.
والبطاطا كغذاء شعبي سهل الهضم له فوائد عديدة، وتحتوي على ألياف ملينة للمعدة، تعتبر خير واقٍ من سرطان الأمعاء، وبها نسبة من الأملاح المعدنية.
من سلبياتها أنها تحتوي كمية كبيرة من السكريات على شكل نشويات، وتعتبر سكريات بطيئة أي أنها تساعد على النشاط والطاقة. وأثبت الباحثون أن البطاطا تحتوي على مواد كيميائية تساعد في تقليل ضغط الدم الشرياني، ولكن الباحثون في معهد بوريتش في الولايات المتحدة أكدوا أن لها فوائد صحية مفيدة للجسم فيحتوي المائة غرام من البطاطا على 75% من وزنه ماء، والباقي ألياف، ونشويات، وكربون، ودهون، وكالسيوم، وحديد وفيتامين سي.
ويؤكد خبراء التغذية بأن البطاطا المسلوقة إذا أكلت مع القشر تكون أكثر فائدة؛ بسبب احتواء القشرة على نسبة عالية من الكالسيوم والفوسفور والحديد.
aabdkh@yahoo.com