صدر في مدينة يوكوهاما اليابانية في 30 مارس 2014 الجزء الثاني من التقرير الدوري الخامس للهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ IPCC بعنوان "تغير المناخ 2014: التأثيرات والتكيف وسرعة التأثر". ويشكل هذا التقرير نهاية جهد مجموعة العمل الثانية في الهيئة، وقد ساهم في إعداده نحو 300 كاتب رئيسي ومشارك ومراجع، واعتمد على 12 ألف مرجع من الدراسات العلمية المحكمة ونشر في 2600 صفحة قسمت إلى 32 فصلا، حيث اعتمد كمرجع رئيسي لدراسة تأثيرات تغير المناخ على الأنظمة الطبيعية والبشرية والاقتصادية خلال السنوات السبع المقبلة على الأقل، فقد رسم ملامح مستقبل محفوف بمختلف أنواع المخاطر على كل الأنظمة الطبيعية والبشرية معا. وهذا الإنذار الذي أطلقه أهم علماء العالم لم يعد قابلا للتشكيك أو التعطيل.
ولهذا السبب حذر العلماء في اللجنة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من أننا خلال هذا القرن سنرى زيادة في الأعاصير، وزيادة الأيام والليالي الحارة والباردة، وكل المظاهر الشاذة في الجو سوف تزداد حدتها ويزداد تكرار حدوثها. إذ لا يوجد بلد في العالم يمكن أن ينجو من هذا الوضع، وسوف تدفع الدول تكاليف باهظة لمواجهة أخطار هذه الظواهر.
فقد صنف الأمين العام بان كي-مون ظاهرة الاحتباس الحراري بأنها تشكل تهديداً على الأمن والسلام الدوليين، جازما بأنها ستكون سبب إشعال نيران الحروب والصراعات الأهلية والدولية مستقبلا، ومؤكدا أن اهتمام المنظمة الدولية بمهام حفظ السلام وإنهاء الصراعات العسكرية، يجب أن يقابله اهتمام مماثل في حجم الموارد والسياسات ولكن لمواجهة الأزمات المناخية بصفتها التهديد القادم.
بداية لابد من التعرف على الغلاف الجوي الذي يحيط بالكرة الأرضية ويحتضنها ويغشاها وبدونه لاتوجد أي من مظاهر الحياة على سطح الأرض، ثم التطرق لظاهرة الاحتباس الحراري وإلى الأسباب التي أدت إلى ظهورها ثم الآثار الناجمة عنها.
أولا: الغلاف الجوي للأرض طبقة رقيقة من الغازات تحيط بالكرة الأرضية
يتألف الغلاف الجوي من عدة طبقات جوية لكل منها خصائصها، أهمها التروبوسفير، الاستراتوسفير، الميزوسفير والايونوسفير. وهذا الغلاف عبارة عن خليط من الغازات والشوائب التي يزداد تركيزها وكثافتها في الطبقة السفلى من سطح الأرض بسبب الجاذبية الأرضية، ويتكون من 78% من النيتروجين و21% من الأكسجين، 0.93% من الارغون، بالإضافة إلى نسب ضئيلة من الغازات الأخرى مثل ثاني أكسيد الكربون 0.04% والهيدروجين والهيليوم والأزوت. كما يحتوي الغلاف الجوي على كميات من بخار الماء دون أن ننسى غاز الأوزون الحامي للكرة الأرضية من الأشعة فوق البنفسجية التي تمثل خطرا على الكائنات الحية.
وهذه الطبقة من الغازات تعرف بالهواء، ويمكن أن نعتبر الهواء نقيا إذا احتوى على الأكسجين بنسبة %21 والنتروجين بنسبة %78 والأرجون بنسبة أقل من %1 ولا تزيد نسبة ثاني أكسيد الكربون عن 3 من 10 من 1%. أما إذا زادت نسبة ثاني أكسيد الكربون أو تزايدت نسب الغازات الأخرى الضارة مثل ثاني أكسيد الكبريت فإن الهواء يعتبر ملوثا. وقد عرف خبراء منظمة الصحة العالمية تلوث الهواء بأنه الحالة التي يكون فيها الجو خارج أماكن العمل محتويا على مواد بتركيزات تعتبر ضارة بالإنسان أو بمكونات بيئته.
يمكن لتوازن الغلاف الجوي أن يبقى لمدة طويلة دونما اختلال وتغيرات كبيرة شرط عدم تدخل الإنسان، غير أن الأمر من الصعب أن يبقى على هذا النحو، ذلك أن كتلة الكربون في الغلاف الجوي تزداد (بمعدل 5 مليار طن /عام) نتيجة عمليات احتراق المواد القابلة للاشتعال التي يقوم بها الإنسان على سطح الأرض. ويعتقد كثير من العلماء أن زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون CO2 في الغلاف الجوي يمكن أن تؤدي إلى جعل المناخ أكثر دفئأ على سطح الأرض.
ثانيا: ظاهرة الاحتباس الحراري
تتميز غازات الاحتباس الحراري كافة بخاصية امتصاص الأشعة تحت الحمراء، وتعمل بذلك عمل البيت الزجاجي إذ تسمح للطاقة الشمسية (الضوء المرئي) بالوصول إلى سطح الأرض، إلا أنها تمتص الأشعة الحرارية طويلة الموجة الصادرة إلى الأرض، وبذلك تبقى هذه الأشعة حبيسة جو الأرض. ونظرا لأن درجة حرارة الأرض هي محصلة لتوازن دقيق بين ما يقع عليها من أشعة ومقدار ما ينعكس عنها، فإن زيادة تراكيز غازات الاحتباس الحراري وعلى وجه الخصوص ثاني أكسيد الكربون والميثان، تؤدي إلى زيادة امتصاص بعض الإشعاعات الحرارية المنعكسة عن سطح الأرض والاحتفاظ بها مسببة بذلك زيادة درجة حرارة الأرض.
وكما هو معلوم فإن درجة حرارة الأرض كانت متغيرة خلال التاريخ الجيولوجي للأرض، فقبل ثلاثة مليارات سنة كانت درجة حرارة الهواء على سطح الأرض بحدود 71 درجة مئوية، أما في بداية حقب الباليوزوي (حقب الحياة الأولى) فإن درجة حرارة هواء الأرض قد انخفضت كثيرا وأصبحت (20 درجة مئوية)، غير أن الأمر قد تغير في دور الترياسي أي قبل (225-190 مليون سنة)، حيث عادت حرارة الهواء للارتفاع، وبداية حقب السينوزوي أي قبل حوالي (65 مليون سنة) أخذت درجة حرارة هواء الأرض بالانخفاض إلى °17 مئوية.
أما في العصر الحالي، أي حوالي بعد عشرة آلاف عام، فإن درجة الحرارة الوسطية للهواء على سطح الأرض تعادل عموما 14.2 درجة مئوية، أي تعادل (15.2 درجة مئوية وسطيا) في النصف الشمالي للأرض، في حين أنها تعادل (13.2 وسطيا) في النصف الجنوبي.
ويعتقد العلماء أن تقلبات المناخ، قليلا ما كانت تتأثر بالنشاطات البشرية، لكن مع التقدم الصناعي، الذي بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأ الأمر يتغير، وأصبحت تراكيز غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الأخرى تزداد في الغلاف الجوي مسببة ارتفاعا في درجة حرارة الأرض.
بما أن غاز CO2 يوجد في الغلاف الجوي بكميات أكبر بكثير من غازات الدفينة الأخرى التي هي من فعل الإنسان، ويصنف عادة بمرتبة (مقدرة على تسخين الأرض) (GWP) تساوي واحد، أما الغازان الدفينان التاليان الأكثر أهمية فهما غاز الميثان CH4 بمرتبة (مقدرة على تسخين الأرض) 23، وغاز N2O بمرتبة 296. وذكر العلماء أن غاز CO2 مسؤول عن %70 من تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري.
ثالثا: الآثار البيئية والاقتصادية للاحتباس الحراري
من أصعب المظاهر وأكثرها حدة، جزر تختفي ويتحول سكانها إلى لاجئي المناخ. هناك 32 دولة جزيرية صغيرة يبلغ مجموع سكانها 63 مليون نسمة وتواجه أقسى مآسي تغير المناخ والكوارث الطبيعية.
الجزر الصغيرة والأراضي المنخفضة والشواطئ هي المناطق الأكثر هشاشة أمام البحار والمحيطات التي يرتفع مستواها مع الإحترار العالمي وتغير المناخ. وإذ تتقهقر الأراضي أمام هجمة المياه، تواجه الحكومات وطأة تكاليف إضافية لبناء سدود بحرية وتدبير مساكن بديلة، بل ربما أوطان بديلة، لسكان هذه المناطق.
يصور تقرير عن الآثار الاقتصادية للتغيرات المناخية على كوكب الأرض الذي أعده السير نيكولاس ستيرن- كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي- رؤية كارثية لمئات الملايين الهاربين من الفيضانات والجفاف، علما بأن تكلفة عدم التحرك قد تصل إلى فقدان دائم لـ %20 من الناتج العالمي، وهو ما يعادل 7.23 تريليون دولار أمريكي، بعبارة أخرى سيكون كل فرد على كوكب الأرض أفقر بمقدار الخُمس مما هو الآن، بينما يُخفض التحرك العاجل هذه النسبة إلى نحو %1 من الناتج العالمي. ويضيف أن أهم العقبات التي تواجه الدول في هذا الصدد تتمثل في إيجاد تحرك جماعي منسق يضم كل حكومات العالم، وتلتزم فيه الدول الأغنى بتحمل مسؤولية تخفيض 60-%80 من الانبعاثات عند مستويات عام 1990 بحلول عام 2050، ويقترح أن نبدأ بطريقتين: الأولى هي فرض الضرائب، والثانية هي ترشيد كميات الكربون المنبعثة من الصناعات أو الأفراد وخلق سوق كونية مناسبة للكربون.
وفي هذا الإطار جاء مؤتمر جنيف سنة 1989 حول تغير المناخ، وقد أصدر هذا المؤتمر عددا من التوصيات بعد دراسة كل المعلومات العلمية المتاحة، كان أهمها ضرورة بدء مفاوضات للوصول إلى اتفاقية تتضمن إجراءات محددة لتخفيض الانبعاثات الغازية، وجاءت الاتفاقية الإطارية لتغيير المناخ التي فُتحتللتوقيع في مؤتمر قمة الأرض في البرازيل عام 1992 معبرة عن التعاون في البحوث والدراسات، مع خلوها من أي نوع من الالتزامات.
وبعد توقيع هذه الاتفاقية، بدأت المفاوضات حول بروتوكول يتضمن التزامات محددة، واستمرت المفاوضات خمس سنوات انتهت إلى بروتوكول كيوتو(اليابان)، الذي ينص على أن تخفّض الدول الصناعية بحلول عام 2012 قرابة 55 في المائة من انبعاثاتها عام 1990. وهنا يجب أن نراعي أن انبعاثات معظم الدول الصناعية زاد أكثر عما كانت عليه عام 1990، على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية: وقعت هذه الأخيرة على اتفاقية كيوتو، لكنها لم تصادق عليها وكان هناك احتمال لو استمر الديمقراطيون في الحكم أن يصادقوا عليها. ولكن جاء الرئيس بوش الإبن وانسحب من اتقافية كيوتو. بعد أن كان الأمريكيون هم من ضغط على الدول النامية لإقرار الاتفاقية الإطارية عام 1992، وقد كانت الأسباب التي سوقوها لهذا الانسحاب بالاقتصادية، فيما ضغطت الشركات الكبرى ورجال الأعمال على الإدارة الأمريكية لأن تنفيذ هذه الاتفاقية سوف يحتم تعديلات في معاملهم، الأمر الذي سيكلف مئات المليارات من الدولارات، وبالتالي سيضطرون إلى رفع أسعار المنتوجات الأمريكية فتضعف قدرتهم على المنافسة في الأسواق العالمية.
لذلك، كان تحقيق هدف بروتوكول كيوتو المحدود غاية ليست سهلة، وهذا ما دفع إلى انعقاد عدة مؤتمرات بين رؤساء الدول والحكومات وجرت مفاوضات في كوبنهاغن بالدنمارك عام 2009 قُدمت فيها وعود ضخمة لم تترجم بعد إلى نصوص ملزمة. تلاها لقاء أخر في كانكون (المكسيك) عام 2010، واستمرت المفاوضات في دوريات (جنوب افريقيا) عام 2011 وفي الدوحة (قطر) عام 2012، وفي وارسو (بولندا) عام 2013، ولكن لم يصل المفاوضون إلى اتفاق بديل لكيوتو، وكذلك الأمر في اتفاق باريس عام 2015، الذي قد يبدأ تنفيذه بعد سريانه سنة 2018.