الاقتصاد القادم.. من الطحالب والبكتيريا حتى نشا البطاطا وأوراق الطماطم!
خاص بآفاق البيئة والتنمية
رغم أن الكثير من الناس لم يسمعوا عنه حتى الآن، إلا أن قيمة الاقتصاد الأحيائي economy-bio في أوروبا تُقدر حاليًا بحوالي 2 ترليون دولار ويعمل فيه أكثر من 18 مليون شخص، وهُم في تزايد. فالكثير من الشركات والمؤسسات باتت تنظر إلى ما حولنا من كُتل حيوية biomass كالطحالب والبكتريا وحتى نشا البطاطا وأوراق النباتات كالبندورة وغير ذلك من كُتل حيوية باعتبارها مصدرًا مميزًا لإنتاج العديد من المُنتجات التي كان إنتاجها يعتمد على النفط ومشتقاته بشكل أساسي، وسواء كُنا نتحدث عن إنتاج قارورة مياه أو صناعة دواء أو حتى إنتاج الوقود.. فإن كُل ذلك ممكن بالإعتماد على الطبيعة وما فيها من كنوز حيوية !
أكياس بلاستيكية.. من نشا البطاطا!
في مدينة لايبتزج الألمانية، تم مؤخرًا إنشاء مجموعة الإقتصاد الأحيائي، حيث تعمل أكثر من 60 شركة ومؤسسة على أبحاث لتطوير بلاستيك مصنوع من مواد حيوية مثل مُخلفات صناعة البطاطا أو الذرة، وذلك بدلًا من الإعتماد الكُلي على النفط. في الواقع فإن "البلاستيك الحيوي" متاحٌ حاليًا في الأسواق الألمانية ولكنه لا يُصنع إلا على مستوى محدود جدًا، ويكثر استخدامه كأكياس للتخلص من النفايات العضوية في المنازل، حيث يُمكن في بعض المناطق إلقاء هذه الأكياس في حاوية القمامة العضوية وبالتالي فإنها تتحول بعد المعالجة إلى سمادٍ يُمكن استخدامه في تحسين المنتوج الزراعي، هذه الأكياس ليست رخيصة وسعر 10 أكياس صغيرة قد يصل إلى حوالي 10 شيقل وبالتالي لا يشتريها أكثرُ الناس، هذا غير أن هناك إشكاليات تواجه بعض أنواعها بالاخص أن بعضها يستغرق تحلله 8 أشهر، بينما النفايات العضوية تتحلل خلال 12 أسبوعاً فقط. نظرًا لهذه الإشكاليات وغيرها فإن مجموعة مثل مجموعة الإقتصاد الأحيائي تعمل على تطوير هكذا مشاريع لتكون قادرة على المُنافسة في الأسواق كبديل قوي للمنتوجات التقليدية التي تُشكل عبئًا بيئيًا، ويتوقع الخبراء أنه ابتداء من عام 2020 سيتم استبدال القوارير البلاستيكية PET في اوروبا إلى قوارير من بلاستيك حيوي PEF، الذي يتميز بخصائص فيزيائية أفضل من قرينه الـPET!
مصدر الصورة: bluhmsysteme.com
أوراق البندورة.. الكيمياء البديلة!
الأكيد أن المسألة لا تنحصر في البطاطا ولا الذُرة، فللبندورة كذلك فوائد أكثر بكثير مما نتوقع، خاصة عندما لا نتحدث عن الثمرة وما فيها من فوائد طبيّة وصحيّة، بل حتى عندما نتحدث عن النبتة نفسها والأوراق بشكل خاص.. فهي تتحول غالبًا إلى نفايات تُحرق وتُشكل عبئًا بيئيا وقد يتم الإستفادة منها كسماد عضوي في أحسن الأحوال، ولكن هل هذا مُجدٍ إقتصاديًا؟
الإجابة كما يبدو "لا". الكثير من الأبحاث تجري حاليًا حول العالم لبحث ما يُسمى النواتج الأيضية الثانوية secondary metabolites وهي مواد تُنتجها النبتة بناء على الظروف المُحيطة بها كالضوء ووفرة المياه والفطريات التي تصيبها، كما نوعية السماد المستخدم وطرق الزراعة المستخدمة في زراعتها، المثير أن هذه المواد الموجودة في الثمرة وكذلك الأوراق وحتى الأغصان مُفيدة جدًا للعديد من الصناعات مثل صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل وغيرها من الصناعات الكيميائية، ولهذا فإن عُلماء الإقتصاد الأحيائي يعكفون حاليًا على تطوير طُرق تحفز النبتة على إنتاج المزيد والمزيد من النواتج الأيضية الثانوية من أوراق البندورة من خلال تعرضها إلى "ضغوطات بيئية" مُختلفة، وهكذا يُمكن لهذه المواد أن تزداد بشكل أكبر، مما يعني أن عملية استخلاصها وتحضيرها للصناعة ستكون مُجدية اقتصاديًا، فمادة مثل rutin الموجودة في أوراق البندورة يبلغ سعرها في السوق 100 يورو لكل 100 غرام، وهي أرخص بكثير من مادة solanesol الموجودة فيها والتي يصل سعرها في بعض الأحيان إلى أكثر من 200 يورو لكل 100 مليغرام، نعم 100 مليغرام وليس غرام!
مصدر الصورة: http://phenomena.nationalgeographic.com
الطحالب والبكتريا.. وصناعة الوقود
سواء كُنا نتحدث عن مُخلفات البندورة أو حتى البطاطا والذرة أو أي مُخلفات عضوية من مخلفات المطبخ مثلًا، فإن هذه كُلها يُمكن أن تتحول في الواقع إلى غاز حيوي Biogas وذلك من خلال معامل "التخمير" المتخصصة، وهذه العملية لا يُمكن أن تتم دُون مساعدة عدد هائل من الكائنات الحية التي تُسمى "بكتيريا لاهوائية" تعمل في ظروف خاصة جدًا، ولكنها تُحول بقايا الطعام وروث الحيوانات وغير ذلك إلى غاز الميثان الذي يُمكن الاستفادة منه كوقود، وهي فكرة مميزة وليست جديدة، بل إنها تُعاني من تحديات كثيرة ولهذا لا بُد من بديل. فما هو؟ إنها الطحالب الدقيقة Mikroalgen وهي مخلوقات عجيبة بالأخص لفوائدها الصحية حيث تُعتبر بعض أصنافها بمثابة Superfood ولهذا فإن المساعي لتربيتها ليست جديدة، ولكن الأبحاث التي تُجرى عليها أكثر من أي وقت مضى باعتبارها مصدرًا واعدًا لانتاج الديزل الحيوي، الذي لطالما حاول العلماء انتاجه من الذرة مثلًا وواجهوا الكثير من المشاكل، ولكن بالنسبة للطحالب فإن بعض أصنافها تحتوي على كميّات ممتازة من الدهون التي بالإمكان استخلاصها وتحضير الديزل الحيوي منها. وما يحتاجه العلماء لإنتاج كميّات تجاريّة ومُجدية اقتصاديًا هو الصبر والوقت.. فقد تكون الطحالب بديلًا عن الوقود يومًا مافي المستقبل!
المصدر : abendblatt.de