خاص بآفاق البيئة والتنمية
يتوقع العديد من خبراء المناخ تفاقم العواقب المناخية الناجمة عن الزيادة الكبيرة والمتسارعة في إنتاج واستهلاك اللحوم، وبخاصة إذا تحققت التقديرات القائلة بأنه حتى عام 2050 سيزداد الاستهلاك العالمي للحوم بنسبة 80-90%؛ علما أن نحو ثلث المحاصيل الزراعية التي يتم إنتاجها حاليا في العالم، تستخدم لإطعام الحيوانات. كما أن مساحة الأراضي المستخدمة لرعي الأغنام والماشية أكبر بمرتين من مساحة الأراضي المستعملة لجميع أنواع الزراعات.
ومن المعروف أن صناعة اللحوم تتسبب في آثار سلبية خطيرة على البيئة، نتيجة استنزافها الهائل للموارد، والتلوث الكبير الذي تحدثه. فغاز الميثان الذي ينتج في الجهاز الهضمي للبقر مسؤول عن نحو 18% من كمية غازات الدفيئة المنبعثة إلى الغلاف الجوي والتي تتسبب في تسخين الكرة الأرضية. أما الزراعات الهادفة إلى توفير الأعلاف لتغذية الثروة الحيوانية فتستهلك كميات ضخمة من المياه والمبيدات الكيماوية التي تتسرب إلى المياه الجوفية. وفي سياق عملية تصنيع اللحوم تتسرب كميات هائلة من الملح إلى المياه الجوفية أيضا.
كما أن إنتاج البروتين الحيواني يستلزم كمية مياه أكبر بنحو 15 مرة مما يلزم لإنتاج كمية مشابهة من البروتين النباتي. فالمزارع الحيوانية في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تنتج كمية نفايات أكبر بنحو 130 مرة مما ينتجه مجموع سكان الولايات المتحدة. علاوة على أن 70% من الحبوب التي تزرع في الولايات المتحدة تستخدم لإطعام الحيوانات. وقد تم في الولايات المتحدة وحدها اجتثاث أكثر من مليار دونم من الغابات بهدف توفير مساحات لزراعة الأعلاف.
إذن، الإنتاج الحيواني والزراعات المرتبطة به، يعدان العامل الأهم في تدمير الأنواع في الولايات المتحدة والعالم.
لذا، تركيزنا على الطعام النباتي يعني عدم مساهمتنا في تعزيز صناعات اللحوم التي ضررها على البيئة أكثر سوءا من ضرر جميع وسائل المواصلات والطائرات معا. ومن الناحية الصحية، فإن تقليل استهلاك اللحوم والتحول نحو البدائل النباتية لا يتسبب بأي ضرر لكمية البروتينات اللازمة للإنسان، ويخفض كثيرا استهلاك الدهون المشبعة التي تعد من المسببات الهامة لأمراض القلب.
وفي حال عدم قدرتنا على التحول كليا إلى نباتيين، فعلى الأقل، يمكننا التقليل كثيرا من استهلاكنا للغذاء الحيواني، وبخاصة اللحوم بكافة أشكالها. فمثلا، يمكننا الاكتفاء بأكل اللحوم مرة واحدة أسبوعيا على الأكثر، مما سيحسن ليس فقط أوضاعنا الصحية، وبخاصة حالة الأوردة والأوعية الدموية والقلب، بل سيساهم أيضا في تحسين أوضاعنا المناخية المحلية والعالمية. هذا التوجه سيتسبب في خسائر كبيرة لصناعات اللحوم والحليب ومنتجات الألبان.
وبشكل عام، من المنظور البيئي، كلما ازداد غذاؤنا النباتي وانخفض غذاؤنا الحيواني، ازدادت مساهمتنا في حماية البيئة.
استهلاك لحوم أقل = احتباس حراري أقل
إنقاذ البيئة من خلال تغيير عاداتنا الغذائية
السؤال الأساسي هو، إلى أي مدى تستطيع الطبيعة امتصاص تدخل الإنسان التخريبي ضدها؛ علما بأن النفايات التي ينتجها الإنسان المعاصر هي بمعظمها ضارة للبيئة؟
في سياق إجابتنا عن السؤال السابق، لا بد من الإشارة إلى أهمية فهم العلاقة بين عاداتنا الغذائية وتدمير البيئة، وبالتالي، إمكانية إنقاذ البيئة من خلال تغيير تلك العادات.
وبالرغم من أن تقرير الأمم المتحدة لعام 2006 حول الثروة الحيوانية يؤكد أن قطاع تربية الحيوانات مسئول عن 18% من إجمالي انبعاث غازات الدفيئة الناتجة عن نشاط الإنسان، إلا أن التقرير ذاته لم يطرح سوى حلول تجميلية للمشكلة.
لكن، الملاحظ، أنه منذ عام 2009، بدأ يحدث بعض التحول الجدي في توجه الوكالات الحكومية المتعلق بالعلاقة بين الثروة الحيوانية، الاستهلاك والبيئة. فقد أوصت بعض السلطات البيئية في العالم، بوضوح، بضرورة تقليل استهلاك اللحوم، بهدف المساهمة الشخصية الهامة في إنقاذ الكرة الأرضية.
يضاف إلى ذلك، أن الغذاء القائم على الطعام النباتي بشكل أساسي يعد خطوة أولية ضرورية للحد من النفقات الكبيرة المتفاقمة على الصحة والكوارث البيئية.
إن ثورة غذائية في هذا الاتجاه ستقود حتما، وبشكل تدريجي، إلى تقليص، ومن ثم إغلاق الصناعات المدمرة التي تعمل على إنتاج السلع الحيوانية. وبالطبع، يشكل مثل هذا التحول خطوة أساسية لإبطاء ارتفاع سخونة الكرة الأرضية، وتقليل جدي في عملية تلويث الموارد الطبيعية وتبديدها.
والمسألة الجوهرية التي يجهلها الكثيرون، هي أنه حتى لو افترضنا أن السلوك البيئي لشخص ما كان مثاليا من جميع النواحي، فإن مجرد كون وجباته تتضمن منتجات حيوانية، يؤدي إلى رفع بصمته الإيكولوجية (البيئية) بنسبة 75%.
خلاصة القول، لا بد أن يبادر جميع الحريصين على الصحة العامة والبيئة، إلى تغيير العادات الغذائية المرتكزة على المنتجات الحيوانية، فضلا عن تغيير الأنماط الزراعية.
وقد أثير مؤخرا النقاش مجددا حول العلاقة بين استهلاك اللحوم وارتفاع حرارة الكرة الأرضية، وذلك إثر نشر بحثين جديدين حول هذه المسألة، وتصريح خلافي لأحد أبرز الناشطين البريطانيين في مجال مكافحة التغير المناخي.
أجرى البحث الأول المنظمة الأميركية المعروفة باسم World Watch. وقد توصل إلى نتيجة مفادها أن صناعة اللحوم العالمية مسئولة عن نحو نصف انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، وليس عن 18% من الانبعاثات، كما ورد في تقرير الأمم المتحدة حول هذا الموضوع، عام 2006.
معدو التقرير هما مستشاران بيئيان سابقان للبنك الدولي. ويدعي الباحثان أن معطيات الأمم المتحدة السابقة قلّلت من حساب التأثير المدمر للانبعاثات الناجمة عن مليارات رؤوس الأبقار والأغنام والخنازير والطيور في المزارع المنتشرة حول العالم، ولم تعر اهتماما كافيا لمسائل مثل استغلال الأراضي، وتنفس الحيوانات وانبعاثات غاز الميثان. وحسب تقريرهما، فإن قطاع البقر وحده مسئول عن 37% من انبعاث غاز الميثان في العالم.
كما نشرت وكالة ناسا الأميركية، بحثا إضافيا، يقول بأن غاز الميثان قد يكون أقوى بـ 33 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وليس 23 مرة فقط، حسب الاعتقاد السائد حتى الآن.