تعاني المدارس الفلسطينية، خصوصًا في المناطق التي تكون عرضة لاجتياحات متكررة من قبل قوات الاحتلال، تحديات جسيمة تؤثر على سير العملية التعليمية واستقرار الطلبة والمعلمين؛ فبدلاً من أن تكون المدرسة بيئة آمنة للتعلم، تصبح ساحة مواجهة تتسبب في اضطراب الدراسة، وخلق حالة من الخوف والقلق المستمرين. تؤدي هذه الاقتحامات إلى تعطيل الدوام المدرسي، حيث تجبر الطلبة على المغادرة قبل انتهاء الحصص، أو يُمنعون من الوصول إلى مدارسهم من الأساس، ما يعيق سير العملية التعليمية المعتاد.
اهالي الطلبة بالتعاون مع الصليب الاحمر يخلون مدرسة بعد ان اقتحم جيش الاحتلال البلدة القديمة في نابلس
تعاني المدارس في فلسطين، خصوصًا في المناطق التي تكون عرضة لاجتياحات متكررة من قِبل قوات الاحتلال، تحديات جسيمة تؤثر على سير العملية التعليمية واستقرار الطلبة والمعلمين؛ فبدلاً من أن تكون المدرسة بيئة آمنة للتعلم، تصبح ساحة مواجهة تتسبّب في اضطراب الدراسة وخلق حالة من الخوف والقلق المستمرين.
تؤدي هذه الاقتحامات إلى تعطيل الدوام المدرسي، حيث تجبر الطلبة على المغادرة قبل انتهاء الحصص، أو يُمنعون من الوصول إلى مدارسهم من الأساس، ما يعيق سير العملية التعليمية المعتاد.
معلم يحاول مواجهة الاحتلال
يواجه المعلمون تحديات صعبة جراء هذه الظروف، إذ يقع على عاتقهم مسؤولية استكمال تدريس المناهج رغم الانتهاكات الأمنية.
يقول المعلم "س. ص": "كل صباح، أستيقظ قبل الفجر، أُعد حقيبتي، وأودّع أطفالي وهم نائمون، ثم أسلك الطريق الوعرة نحو مدرستي في الأغوار الشمالية، لكن رحلتي إلى المدرسة ليست كرحلة أي معلم في العالم، فهي تبدأ بقلق، وتمتلئ بالمخاطر، وتنتهي إما بالوصول إلى الطلبة، أو بالعودة إلى المنزل قسرًا بعد ساعات من الانتظار على الحواجز العسكرية".
وحين يصل إلى الحاجز، ينضمّ في وقفته إلى زملائه المعلمين، جميعهم ينتظرون، والجنود يتفحصّون الهويات ببطء متعمّد، وأحيانًا بلا سبب واضح، يطلبون منهم التراجع أو الانتظار لساعات فتفوتهم الحصص الأولى.
ويشير المعلم المذكور إلى أنه في بعض الأيام، يستيقظ على خبر اقتحام عسكري، ومدرسة محاصرة، وطلاب في بيوتهم خائفون، ويتساءل حينها: "هل سيجد المدرسة سليمة؟ هل سيرى طلابه جميعهم؟ أم أن أحدهم سيتغيب اليوم بسبب الاعتقال، أو الإصابة، أو ربما الأسوأ؟
ويواصل حديثه: "كيف يمكن أن أشرح لطلابي أن مدرستهم، التي من المفترض أن تكون مكانًا آمنًا، أصبحت ساحة مستباحة للاحتلال؟ وكيف أقنعهم بأن يستمروا في الحلم والتعلم، في حين أن الواقع يخبرهم يوميًا بأنهم أهداف للاحتلال؟
ويرى أن التعليم في فلسطين "ليس مجرد مهنة، إنه صمود ومقاومة، وإيمان بأن الغد سيكون أفضل".
ومن تجربته، فإن كل يوم يصل فيه إلى مدرسته هو انتصار صغير، وكل درس يلقيه هو حجر جديد في بناء المستقبل، وكل ابتسامة على وجه طالب رغم القهر، هي دليل أننا لم ولن نستسلم.
إطفائية بلدية نابلس
طواقم اطفائية بلدية نابلس تعمل على اخلاء روضة اطفال داخل البلد القديمة وتعمل الفرق على تأمينهم الى اهاليهم في حارة حبس الدم
التعليم في طوباس
من صنوف المعاناة في محافظة طوباس، انتهاكات الاحتلال المستمرة، التي تؤثر تأثيراً مباشرًا على واقع التعليم في المنطقة؛ فالعدوان الإسرائيلي الأخير خلَّف آثارًا كارثية على العملية التعليمية برّمتها، حيث كانت المدارس والمؤسسات التربوية عرضة لسلسلة من الانتهاكات التي أعاقت سير التعليم، وخلقت بيئة غير مستقرة للطلبة والمعلمين.
ولا يقتصر الأمر على استهداف المدارس، بل يمتد ليشمل اقتحامات ليلية متكررة للمنازل، واعتقالات تطال الطلبة وأفراد أسرهم، ما يفاقم الأوضاع النفسية والاجتماعية للطلبة، ويهدّد حقهم الأساسي في التعلم، كما أن اعتداءات المستوطنين المتصاعدة تفاقم حدة الأزمة، حيث يواجه الطلبة صعوبات في الوصول إلى مدارسهم بسبب الحواجز العسكرية والمضايقات المستمرة.
الطالب آدم علي، الذي لم يكمل الثامنة من عمره يخشى الذهاب الى المدرسة لأن جنود الاحتلال يأتون باستمرار إلى منطقته، ويقتحمون المنازل، فيسمع أصوات انفجارات مرعبة.
يقول آدم: "أحيانًا لا أود الذهاب الى المدرسة، حتى وإن كنت أحبها، خوفًا على أمي التي تبقى بالبيت بمفردها، وخوفًا أن يحدث لي شيئًا إذا ما اقتحم الجيش المنطقة، إنهم يقتلون حتى الأطفال كما حدث في بلدة طمون".
استهداف ممنهج
من جانبه، يقول عزمي بلاونة مدير التربية والتعليم في محافظة طوباس، إن الاحتلال فرض تحديات يومية على سكان المحافظة، وجعل استمرار العملية التعليمية أشبه بــ "صراع يومي من أجل البقاء والصمود".
وتشهد محافظة طوباس، خاصة منطقة الأغوار الشمالية، انتهاكات مستمرة، تؤثر تأثيراً مباشرًا على العملية التعليمية، وأحد تلك الانتهاكات وضع حواجز تعزل هذه المناطق عن مدينة طوباس ومديرية التربية والتعليم، ما يعطل وصول الطلبة والمعلمين إلى مدارسهم.
وعن تدمير البنية التحتية التعليمية في الآونة الأخيرة يخبرنا بلاونة: "هدمَ الاحتلال أسوار وبوابات مدرسة طمون الأساسية العليا عند اقتحام البلدة، وكذلك حين اقتحمت قوات الاحتلال مخيم الفارعة لمدة 11 يومًا، حيث يوجد أكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة، كان هناك منع للتجول وتعطيل تام للدراسة.
ويضيف: "لم يسلم حتى الأطفال الصغار، فقد اقتحم الاحتلال أيضاً روضة الفارعة الحكومية، وكسر أبوابها وكاميرات المراقبة، ودخل الجنود إلى غرفة الإدارة، رغم وجود لافتات تشير بوضوح إلى أنها روضة أطفال".
تخريب مؤسسات تعليمية قيد الإنشاء
ويشير مدير التربية والتعليم في محافظة طوباس، إلى أن الاعتداءات لم تتوقف عند المؤسسات القائمة، بل امتدت إلى مدرسة الفارعة قيد الإنشاء، حيث اُقتحم المبنى، وكُسّرت الأبواب، وعُبث بوثائق المهندسين، إضافة إلى كتابة شعارات تحريضية على جدرانها.
كما تواجه مدرسة المالح في الأغوار الشمالية صعوبات جمة، حيث يُمنع حتى إقامة مظلة أو غرفة للمعلمين، ما يضطرهم إلى الجلوس في كرفان صغير مخصص للمطبخ.
استهداف على الحواجز العسكرية
وتستمر المضايقات، حيث يقف جنود الاحتلال أمام بوابات المدارس، ويعيقون دخول الطلبة، بل يحاولون اعتقالهم أحيانًا، كما يُمنع بعض المعلمين وحافلات الطلبة من الوصول إلى المدارس، خصوصًا في المناطق البدوية والريفية.
ولا تقتصر الانتهاكات على الأضرار المادية، بل تترك آثارًا نفسية خطرة على الطلبة والمعلمين، فالاقتحامات الليلية والاعتداءات المستمرة تزرع الخوف في نفوس الأطفال، الذين يصلون إلى مدارسهم في حالة من التوتر والقلق، فضلاً عن إذلال المعلمين على الحواجز العسكرية، وإجبارهم على الانتظار لساعات في البرد أو الحر، وسحب هواتفهم، مما ينعكس سلبًا على الطلبة الذين يشاهدون أساتذتهم في هذه الظروف المهينة، وهذا يؤدي لصدمات نفسية تؤثر على تركيزهم وتحصيلهم الدراسي، كما يقول بلاونة.
قوات الاحتلال اثناء محاصرتها لمنزل، تمنع طلبة مدرسة في قباطية من الخروج منها وتلقي عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت...ثم بالتنسيق مع الهلال الاحمر تسمح باخلاء الطلاب في باصات
التحصيل العلمي مُهدد
وفي السياق نفسه، يؤكد بلاونة أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهج سياسة ممنهجة لقتل إرادة التعليم لدى الطلبة، ما يؤدي إلى فاقد تعليمي كبير، معقباً: "التعليم حق أساسي ومقدس، وما يقع في حق طلبة طوباس من انتهاكات يستدعي تدخلاً عاجلاً لحماية العملية التعليمية، وضمان استمرارها رغم الظروف القاسية".
"إذن ما هو المطلوب برأيك؟".. يجيب: "أمام هذا الواقع المأساوي، نحتاج تدخلات عاجلة على عدة مستويات، تشمل حماية المدارس من الاقتحامات والاستهداف العسكري، ودعم برامج الإرشاد النفسي والتربوي لمساعدة الطلبة والمعلمين على تجاوز الأثر النفسي لهذه الانتهاكات، وتوفير الدعم اللوجستي للمدارس، وتمويل مشاريع البنية التحتية التعليمية لضمان استمرارية التعليم في المناطق المتضررة، وتسهيل وصول الطلبة والمعلمين إلى مدارسهم، حيث يضطر بعضهم إلى قطع مسافات طويلة مشيًا على الأقدام؛ بسبب الحواجز العسكرية والطرق الوعرة.
ويلفت بلاونة إلى أن استمرار الاحتلال في استهداف العملية التعليمية في محافظة طوباس يستدعي جهودًا محلية ودولية مكثفة لحماية حق الأطفال الفلسطينيين في التعليم، وضمان بيئة تعليمية آمنة ومستقرة.
ويحزن لما آل إليه حال الطلبة من الشعور بعدم الأمان، حتى داخل مدارسهم، وملازمة القلق والخوف لهم، وكذلك للمعلمين، ما يؤثر تأثيراً مباشرًا على معنوياتهم واستقرارهم الدراسي، ويؤدي إلى تراجع التحصيل العلمي وصعوبة التركيز.
ويضيف: "بعضٌ منهم فقدوا أصدقاءهم وزملاءهم بسبب الاعتقال أو الاستهداف المباشر من قبل الاحتلال، كما أن المعلمين فقدوا أيضًا أحبة لهم، ما يترك أثراً نفسيا عميقًا على كليهما".
ويخشى أن يستمر الاحتلال في انتهاج سياسة تهدف إلى خلق بيئة غير مستقرة للطلبة والمعلمين، عبر الاعتقالات المتكررة للمعلمين، ما يجبر وزارة التربية والتعليم على توفير مدرسين بدلاء في منتصف العام الدراسي، وهذا التغيير المستمر في الكادر التعليمي من شأنه أن يؤثر على الطلبة، حين يجدون صعوبة في التكيف مع معلمين جدد، بعد أن تعودوا على أسلوب تدريسي معين.
ويسلط بلاونة الضوء على اضطرار الوزارة نتيجة لهذه التحديات، إلى تبني نظام الطوارئ في التعليم، حيث تتابع الأوضاع الأمنية صباح كل يوم، وفي حال وقوع اقتحامات أو مواجهات عسكرية، تعلن "التعليم عن بعد" عبر نظام المهمات، لضمان استمرار العملية التعليمية رغم الظروف القاسية.
شحّ التمويل وتأثيره على المدارس
وبخصوص مصادر الدعم التي تتلقاها المدارس، يفيد أنها كانت تتلقى دعمًا من المؤسسات والجمعيات الخيرية، إضافة إلى تبرعات الأهالي، ما ساهم في عمليات الصيانة والتطوير، مستدركاً حديثه: "لكن التدهور الاقتصادي الذي يعانيه الفلسطينيون اليوم أثرّ تأثيراً كبيرًا على حجم هذا الدعم، حيث باتت المدارس تواجه صعوبة في توفير احتياجاتها الأساسية، وصيانة مرافقها، وتمويل المشاريع التطويرية".
وحول سجّل الغياب والحضور للطلبة، يلاحظ بلاونة في الأعوام الأخيرة انخفاض نسبة التزام الطلبة بالحضور مقارنة بالسنوات الماضية، حيث يُفضل عديد من الأهالي إبقاء أبنائهم في المنازل عند تصاعد التوتر الأمني خوفًا على حياتهم، ومع استمرار حالة عدم الاستقرار والمواجهات الصباحية المتكررة، تزداد نسبة الغياب، ما يزيد الفاقد التعليمي وينعكس على مستقبل الطلبة.
أمام هذه الظروف القاسية، بات من الضروري توفير دعم دولي ومحلي عاجل لحماية "الحق في التعليم"، سواء عبر تأمين المدارس من الاعتداءات، أم تقديم دعم نفسي للطلبة والمعلمين، أم تعزيز التمويل اللازم لضمان استمرارية التعليم في بيئة آمنة مستقرة.