صيف ثقيل.. النازحون يعيشون داخل "أفران" وسط تحذيرات من الأوبئة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
الأجواء الحارة حولت خيام نازحي قطاع غزة إلى ما يشبه الأفران، خصوصاً أنها تقع في مناطق كثبان رملية، لا أشجار فيها ولا أبنية ولا بنية تحتية وتفتقر للماء والكهرباء والطرق. الخيام مقامة على أراض رملية ملتهبة، والحرارة في داخلها مرتفعة بصورة غير مسبوقة. النفايات تتراكم في كل أنحاء قطاع غزة وينتشر البعوض والذباب والفئران ومعها الأمراض والأوبئة، فضلا عن أن الافتقار إلى الصرف الصحي المناسب يزيد الوضع سوءا. وتتوالى التحذيرات من انتشار الأوبئة في مدينة غزة، بعد تراكم كميات كبيرة من النفايات وتجمع مياه الصرف الصحي في الطرقات.
|
 |
أشخاص يسيرون بجوار بركة مياه راكدة في مخيم يأوي نازحين جنوب القطاع |
"داخل الخيمة تتصبب عرقاً، وإذا خرجت منها، فالشمس أمامك مباشرة بحرارتها الملتهبة"، هكذا بدأ الصحفي محمد سليمان وصف حياة النازحين، مع استمرار الحرب على قطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
الأجواء الحارة حولت خيام النازحين إلى ما يشبه الأفران، خصوصاً أنها تقع في مناطق كثبان رملية، لا أشجار فيها ولا أبنية ولا بنية تحتية وتفتقر للماء والكهرباء والطرق. الخيام مقامة على أراض رميلة ملتهبة، والحرارة في داخلها مرتفعة بصورة غير مسبوقة، وفق وصف سليمان الذي عايش هذا الأجواء بعدما نزح من منزله في خانيونس، إلى منطقة المواصي، حاله كحال عشرات آلاف النازحين.
يقول سليمان في حديثه لـ "آفاق" نقلاً عن نازحين، إن برد الشتاء كان شديداً، لكنه أهون من الحرارة العالية، فلا مناص من الاكتواء بمرارة الحرارة لأنه لا يوجد بدائل. وزاد: "أنت في داخل الخيمة تتصبب عرقاً، وخارجها الشمس في وجهك مباشرة، وسط كل ذلك، هناك تحدي الحصول على مياه الشرب".
وصف سليمان هذا التحدي بأنه "معركة" تخضوها العائلة للحصول على مياه غير ملوثة، وهذا يتطلب الوقوف في طوابير لساعات، خصوصاً أن المياه المتوفرة للنازحين في الأجزاء الغربية من مواصي خانيونس، أو لمن بقوا في غرب رفح، مالحة غير صالحة للاستخدام بنسبة 98%، فأنت بحاجة لمياه مفلترة عبر محطات التحلية، وهذه المحطات غير متوفرة أساساً، والعائلات لا تستطيع تدبير أمورها، فسعر جالون المياه 16 لترا بخمسة شواقل، ولك أن تتخيل كم جالون مياه تحتاج العائلة يوميا.
معضلة الحرارة والأجواء الخماسينية تلهب خيام النازحين الذين يواجهون أزمة مركبة: حرارة عالية، ونقص شديد في المياه العذبة، وأكوام من النفايات تحاصر الخيام. ونحن اليوم أمام انتشار كبير للأمراض المرتبطة بالحرارة مثل الالتهابات والأمراض الجلدية في ظل تراكم أطنان النفايات بين الخيام وأمم المخيمات، ولا توجد قدرات بلدية للتنظيف. لذلك، يقول سليمان: "نجد أن معظم الأطفال الآن مرضى، لأن الحرارة مرتفعة، ولا مياه للشرب أو الاستحمام، وسط انعدام البدائل".
علاوة على ذلك، أفاد سليمان، أن هناك بعض العائلات تعيش اليوم في دفيئات زراعية، فمن لم يستطع توفير خيمة لجأ إلى دفيئات كانت مزروعة واتخذ منها مكاناً للجوء "لك أن تتخيل الأجواء داخلها".
يحاول النازحون التبريد على أنفسهم برش المياه غير الصالحة للشرب داخل الخيام، ومنهم من يلجأ للبحر والسباحة فيه، إلا أن الشمس الحارقة وملوحة المياه، تجعل هذه المحاولات بلا جدوى، ختم سليمان.

الأمراض المنقولة عبر المياه في غزة تتفشى مع ارتفاع درجات الحرارة
تفاقم أزمة مياه الشرب
تفاقمت أزمة نقص مياه الشرب إلى حد عدم قدرة الكثير العائلات على توفير احتياجاتها من المياه. فمصادر المياه لم تكن تكفي أعداد النازحين السابقين الذي كانوا يحصلون عليها بصعوبة قبل مجيء أعداد إضافية من النازحين من رفح هرباً من العدوان الإسرائيلي، واليوم بات الأمر أشبه بالمستحيل.
ويشكل الحصول على المياه جزءاً أساسياً من البرنامج اليومي للعائلات النازحة التي تضطر إلى توزيع أبنائها على أكثر من جهة لضمان توفير المياه، وحتى لا يصلون إلى نهاية النهار دون تعبئة قنينة أو اثنتين سعة لتر ونصف اللتر على الأقل.
وينقل الصحفي سليمان عن عائلات نازحة أنه لم تمر عليهم أيام أصعب من الأيام الحالية بالنسبة لأزمة المياه، كون أعداد النازحين تضاعفت، في حين بقيت مصادر المياه محدودة من دون زيادة تتناسب مع النازحين الجدد.
وتنتشر على نطاق واسع الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة بين النازحين، وفقا للسلطات الصحية في قطاع غزة، بينما تتفاقم أزمة توفير المياه النظيفة مع وضع النزوح واسع النطاق من رفح دون ترتيبات مسبقة كما كانت تزعم إسرائيل.
ويؤكد الناشط في العمل الإغاثي بمنطقة المواصي ياسين جابر، أن المؤسسات الإنسانية لم تكن مستعدة لنزوح هذه الأعداد الهائلة، سواء على صعيد توفير المياه أو الاحتياجات الغذائية الأخرى، مؤكدا أن إسرائيل فاجأت الجميع بالطلب من سكان مناطق واسعة في رفح بالنزوح دون أن تتوفر أي مقومات للحياة في مناطق النزوح الجديدة.
وتوقع جابر في حديث صحفي، الوصول إلى مرحلة العطش إذا ما استمر تدفق النازحين دون أن يقابل ذلك توفير مصادر جديدة للمياه.
تحذيرات من انتشار الأوبئة
حذرت وكالة غوث وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من انتشار الأمراض والأوبئة في قطاع غزة بسبب تراكم النفايات، لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة مع قرب حلول فصل الصيف.
وقالت الوكالة في منشور على منصة "إكس"، إن النفايات تتراكم في كل أنحاء قطاع غزة وينتشر البعوض والذباب والفئران ومعها الأمراض والأوبئة. كما لفتت الأونروا الانتباه إلى أن الافتقار إلى الصرف الصحي المناسب يزيد الوضع سوءا.
وتتوالى التحذيرات من انتشار الأوبئة والأمراض في مدينة غزة، بعد تراكم كميات كبيرة من النفايات وتجمع مياه الصرف الصحي في الطرقات.
وكان عضو لجنة طوارئ بلدية غزة عاصم النبيه قال في تصريحات صحفية، إن ما يزيد على 100 ألف طن من النفايات تتراكم في مدينة غزة، وما يزيد على ربع مليون طن في مختلف أنحاء ومدن قطاع غزة، بالإضافة إلى تسرب كميات كبيرة من الصرف الصحي في مختلف مناطق غزة إلى مياه البحر.
وتتدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع وأحياء شمال غزة، ما يضاعف معاناة السكان والنازحين في ظل تراجع مقومات النظافة والصحة العامة بسبب استمرار الحرب على القطاع.
وإلى جانب الظروف الصحية الناجمة عن تراكم النفايات يعاني سكان القطاع من كارثة صحية غير مسبوقة، بعد أكثر من 7 أشهر من الحرب، بسبب استهداف الاحتلال للمشافي والمراكز الصحية.
وكانت وزارة الصحة في غزة قد حذرت من هذا الأمر، منبهة إلى أن العدوان على غزة أخرج 32 مشفى و53 مركزاً صحياً عن الخدمة في القطاع، مضيفة أن جيش الاحتلال دمر 130 سيارة إسعاف.
وتتوالى التحذيرات من خطر درجات الحرارة العالية مع اقتراب فصل الصيف، بعد أن سجلت رفح -على سبيل المثال- درجات حرارة بلغت 39.1 درجة في 14 نيسان/أبريل، وهي أعلى بمقدار 14 درجة مئوية من متوسط الثلاثين عاماً الماضية. وعلى الرغم من انخفاض درجات الحرارة في الأيام التالية، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة من أن الصيف قد يجلب أخطار حرارة أعلى بكثير.
وحذرت منظمات الإغاثة (EPA) من أن قطاع غزة يفتقر للأدوية اللازمة لعلاج الأمراض الناتجة عن انتشار الحشرات والكلاب والأفاعي. كما قالت مسؤولة الاتصالات في الأونروا في رفح لويز ووتردج، إن الحرارة ستجلب معها الفئران والجرذان التي تنشر الأمراض، مثل الإسهال والتهاب الكبد الوبائي (أ).
وأوضحت ووتردج: "لا يوجد مكان للتخلص بأمان من القمامة. هناك أشخاص يعيشون تحت هذه الصفائح البلاستيكية في هذه البيئة غير المستقرة للغاية. لن يتحسن الأمر على الإطلاق". فيما قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الغوث، إن طفلين على الأقل توفيا لأسباب تتعلق بالحرارة.

انتشار القمامة في مخميات النازحين
وفيات وإصابات
بدوره، كشف الطبيب محمد ريّان رئيس قسم الطوارئ والاستقبال في مشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، أن الحر الشديد داخل الخيام يتسبب في العديد من الإصابات والوفيات. ولفت، في حديث لقناة الجزيرة، إلى أن قسم الطوارئ بالمشفى يستقبل يومياً إصابات بسبب ارتفاع درجات الحرارة داخل الخيام، كما تصله حالات وفاة بين كل فترة وأخرى. وذكر أنه لا يمتلك في الوقت الحالي إحصائية دقيقة لعدد الوفيات جراء مضاعفات العيش داخل الخيام وارتفاع درجات الحرارة.
وبحسب ريّان، فإن أكثر المتضررين هم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة ومرضى السرطان وفقر الدم والأطفال وأصحاب الأمراض التنفسية.
كما لفت إلى أن مشكلة ارتفاع درجات الحرارة داخل الخيام متشعبة، حيث يرتبط بها انتشار الذباب والحشرات بشكل كبير جدا كونها تفضل البيئة الحارة، ما يتسبب في زيادة الأمراض، وقد يتسبب في انتشار الأوبئة خاصة مع الاكتظاظ السكاني الكبير داخل مراكز الإيواء.
ويؤكد رئيس قسم الطوارئ والاستقبال في مشفى شهداء الأقصى أن ارتفاع درجات الحرارة خطير وقد يسبب الموت، حيث وصلتهم حالة وفاة لفتاة يوم 25 نسيان/أبريل الماضي جراء تعرضها لضربة شمس، بعد أن أجبرها جيش الاحتلال على المشي مسافة طويلة.