"الملش الزراعي".. إما أن نُغذي التربة أو ندمرها!
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يترك البلاستيك المتراكم في التربة (من الملش البلاستيكي) ضرره على صحة الإنسان، إذ أن البلاستيك خلال تحلله يتحول لجزيئات دقيقة تنتقل من التربة إلى النباتات، ولاحقاً إلى الإنسان عبر الغذاء. الدراسات أثبتت أنه سنويا ينتقل إلى الإنسان نصف كيلو إلى 2.5 كيلو غرام بلاستيك، وما يترتب على ذلك من تبعات خطيرة. أصل المشكلة يعود لقلة التوعية والمعرفة، إذ يحتاج المزارعون إلى معرفة أهمية ومزايا الملش العضوي، فهم لا يتلقون تدريباً حوله رغم بساطته، ويعتقدون أنهم بحاجة لشرائه، بينما يمكن تشكيله من بقايا المحاصيل. المطلوب تنفيذ حملات توعوية للمزارعين، تتناول أضرار الملش البلاستيكي على التربة، وتشريع قانون يحد من استعماله.
|
|
ملش عضوي |
تغيّرت وجهة الشابة بيان اقطيط من قرية رابود في دورا جنوب الخليل، من العمل في مجال دراستها؛ المهن الطبية المساندة، إلى الزراعة البيئية، عندما اشترت خضروات وحاولت طبخها، لكنها لم تنضج خلال عملية الطهو. وافترضت بيان أن السبب يعود إلى أن تلك الخضراوات تنمو في مزارع تعتمد أساليب كيميائية غير طبيعية، وبالضرورة تحتوي محاصيلها على كيمائيات وهرمونات، فقررت منذ تلك اللحظة (عام 2017) البدء بزراعة حديقة منزلها، بعد أن تلقّت تدريباً حول الزراعة البيئية.
مزرعة بيان البيئية
توسّعت مزرعة بيان البيئية لتشمل دفيئة بلاستيكية ومزرعة تعليمية ومحلاً (قيد الإنشاء) لبيع محاصيلها، في حين تنتج بيان بحسب ما أفادت به لـ "آفاق"، ضعفي الكمية التي تنتجها المزارع التي تعتمد الزراعة بأساليب كيميائية، وهي بذلك تبيع محاصيلها للناس من المزرعة مباشرة، وعبر صفحة المزرعة على موقع فيسبوك، كما توزع محاصيلها لحسبة الخليل المركزية، معتمدة في جميع مراحل الإنتاج على أساليب الزراعة البيئية، ومن ضمن أساليبها؛ الملش العضوي، فما هو؟ وما مزاياه؟
غطاء عضوي يتحول إلى سماد
بحسب المزارعة في مزرعة أم سليمان في قرية نعلين شمال غرب رام الله، أنغام منصور، فإن الملش العضوي هو غطاء يتكون من قش (بقايا المحاصيل)، يتم توزيعه على مساطب التربة التي يخلط معها الكومبوست (سماد عضوي) والزبل، مع مراعاة عمل فتحات فيه تسمح بزرع البذرة أو الشتلة.
ومن محاسن الملش العضوي، أكدّ المهندس البيئي يحيى بشارة لـ "آفاق"، أنه يحافظ على رطوبة التربة، ويحميها من التفكك والتشقق، ونتيجة لذلك يقلل كمية المياه المطلوبة للري. مضيفاً، أن الملش العضوي يمنع نمو النباتات الضارة التي تنافس المزروعات على الغذاء والمياه، وعند تحلله يتحول في نهاية المطاف إلى سماد عضوي مجاني، وهذا بالضرورة يزيد من جودة التربة وخصوبتها وتهويتها، ويعزز من وجود الأحياء الدقيقة فيها.
ملش عضوي من مزرعة بيان البيئية
ولأن الملش العضوي يقلل كمية مياه الري المطلوبة، ويوفر بعد تحلله للتربة سماداً عضوياً، ويتم تحضيره أصلاً من بقايا المحاصيل التي انتهى موسمها، فإنه بذلك -وفقا للمزارعة منصور- يقلل التكلفة على المزارعين، وهذا ما لمسته المزارعة اقطيط قائلة: "الملش العضوي يحافظ على رطوبة التربة، ما يقلل كمية مياه الري المطلوبة، ويتحول لسماد".
الملش الكيميائي: سهولة مدمرة
على الرغم من المزايا التي يقدمها الملش العضوي، إلا أن مزارعين يعتمدون الخيار الصناعي منه؛ الملش البلاستيكي. وبهذا الخصوص أفاد المهندس البيئي، يحيى بشارة، أن المزارعين الذين يعتمدون الأساليب الكيميائية في الزراعة يستخدمون الملش البلاستيكي غالباً، ذلك لأن طريقة تجهيزه أسهل، فبينما يحتاج الملش العضوي إلى تجميع القش وفرمه وتجفيفه وتوزيعه على المساطب، يمكن فرد الملش البلاستيكي بواسطة التراكتور في ظرف ساعة أو أكثر قليلاً.
ملش بلاستيكي
وأكد بشارة أن استسهال استخدام الملش البلاستيكي له ثمن، بل له تبعات مدمرة على التربة والمحاصيل، فعلى الرغم من أن الملش البلاستيكي يحافظ على رطوبة التربة ويمنع الأعشاب الضارة من النمو كما الملش العضوي، لكن بالمقابل فإنه يزيد من حرارة التربة، ما يؤثر على الأحياء الدقيقة الموجودة فيها مثل الميكروبات والفطريات والبكتيريا، أو العكس؛ إذ يزيد من تكاثر تلك الأحياء الدقيقة بشكل مفرط، وهذا له ضرر مباشر على المحاصيل.
وأضاف بشارة، أن المياه المتبخرة من التربة تتكاثف على السطح السفلي للبلاستيك، ثم تتساقط على التربة مجددا ما يؤدي إلى خلل في ملوحتها. كما أشار إلى أن الملش البلاستيكي أكثر تكلفة، فهو يحتاج لميزانية خلال كل موسم على خلاف الملش العضوي.
تبعات التخلص من الملش البلاستيكي
لا تقتصر أضرار البلاستيك على الموسم الزراعي والإنتاج، إنما له أضرار طويلة الأمد، الأمر الذي أكده مدير دائرة الضغط والمناصرة في اتحاد لجان العمل الزراعي مؤيد بشارات، قائلاً لـ "آفاق"، إن للتخلص منه تبعات إضافية، وأوضح أن المزارعين في السابق كانوا يزيلون الملش البلاستيكي بعد انتهاء الموسم، لكن بعضهم اليوم يحرث الأرض مع البلاستيك!
وبأفضل الأحوال يتم إلقاء مخلفات الملش البلاستيكي في الوديان، وحتى عندما جرت محاولة لإعادة تدوير البلاستيك وفقا لبشارات، رفضت شركات تصنيع البلاستيك استقبال تلك المخلفات لأنها مليئة بالأتربة، وإعادة تدويرها أعلى كلفة من شراء بلاستيك خام.
وحول أضرار تقليب التربة مع البلاستيك، بين بشارة أن البلاستيك يحتاج مئات السنين ليتحلل، ووجوده يرفع درجة حرارة التربة ويستنزف مغذيات التربة وعناصرها الأساسية، كالنيتروجين المسؤول عن النمو الخضري، والبوتاسيوم المسؤول عن عملية الإزهار، والفسفور الذي يؤدي اختلال نسبته في التربة إلى مشاكل في شكل الثمرة. وبذلك تصبح التربة ملوثة وفقيرة بالأسمدة الطبيعية والعناصر الأساسية.
ملش بلاستيكي
ويترك البلاستيك المتراكم في التربة ضرره على صحة الإنسان، فقد أوضح المهندس الزراعي والخبير في الزراعة البيئية سعد داغر، أن البلاستيك خلال تحلله يتحول لجزيئات دقيقة تنتقل من التربة إلى النباتات، ولاحقاً إلى الإنسان عبر الغذاء، مشيراً إلى دراسات أثبتت أنه سنوياً ينتقل إلى الإنسان نصف كيلو إلى 2.5 كيلو بلاستيك، وما يترتب على ذلك من تبعات خطيرة.
وأكد داغر لـ "آفاق"، أن أصل المشكلة يعود لقلة التوعية والمعرفة، إذ يحتاج المزارعون إلى معرفة أهمية ومزايا الملش العضوي، فهم لا يتلقون تدريباً حوله رغم بساطته، ويعتقدون أنهم بحاجة لشرائه، بينما يمكن تشكيله من بقايا المحاصيل. وأوصى داغر بتنفيذ حملات توعوية للمزارعين، تتناول أضرار الملش البلاستيكي على التربة، وتشريع قانون يحد من استعماله.