خاص بآفاق البيئة والتنمية

في مقالة سابقة، تطرقنا للعادات الأكثر شيوعاً لدى الناس الأطول عمراً، خصوصاً العادات الغذائية الخاصة بالمعمرين في شتى أنحاء العالم، وعرجنا على النظام الغذائي الخاص بالبحر الأبيض المتوسط والمناطق المحيطة به. في هذا المقال، سنتعرف على هذا النظام الغذائي عن كثب، بالإضافة إلى إدراج بعض الأفكار لوجبات الطعام الخاصة بهذا النظام في العديد من الدول المتوسطية.

النظام الغذائي المتوسطي

النظام الغذائي الخاص بالبحر الأبيض المتوسط، هو أكثر الأنماط الغذائية التي تمت دراستها والمعروفة في جميع أنحاء العالم. تعود أصول هذا النمط التقليدي إلى الحضارات المحيطة بـ "المتوسط"، بحيث ارتبط هذا النمط ارتباطاً وثيقاً بالسلوكيات الاجتماعية وأنماط الحياة في تلك المنطقة. لقد اعترفت اليونسكو بنظام البحر المتوسط الغذائي باعتباره تراثاً ثقافياً غير مادي متجذر بعمق في أصله الجغرافي، الذي تتمتع ممارساته الزراعية والغذائية بتفاعل مسؤول مع البيئة.

يرتبط النظام الغذائي المتوسطي بشكل وثيق بالمناطق التقليدية لزراعة الزيتون في منطقة البحر الأبيض، وقد ارتبط تاريخياً بانخفاض معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل: أمراض القلب والسكري والسرطان وألزهايمر، فضلا عن تحسين وظائف المخ، ومدة حياة أطول.

تتمتع مناطق البحر الأبيض المتوسط بمناخ ملائم لزراعة أنواع متشابهة من المحاصيل، مثل أشجار الزيتون والعنب والفواكه والخضراوات المختلفة، ولذلك نجد تشابهاً في جميع هذه المناطق بنمطهم الغذائي المتوسطي. بالإضافة إلى ذلك، فقد ساهمت العوامل التاريخية مثل التبادل التجاري والثقافي بين دول البحر الأبيض المتوسط في انتشار واعتماد هذا النظام الغذائي، فهناك العديد من طرق التجارة التي ييسرها هذا البحر، ما يسمح بتبادل المواد الغذائية، وتقاليد الطهو بين المناطق المحيطة به.

مميزات النظام الغذائي المتوسطي

يتميز النظام الغذائي المتوسطي التقليدي بتناول كميات كبيرة من الأطعمة النباتية (الفواكه والخضروات والخبز والحبوب المختلفة والبطاطا والفاصوليا والمكسرات والبذور)، أي الأطعمة المعالجة بالحد الأدنى، والطازجة موسمياً والمزروعة محلياً. نظام تشكل فيه الفواكه الطازجة حلوى نموذجية، مع الحلويات التي تحتوي على السكريات أو العسل عدة مرات في الأسبوع. ناهيك عن تناول كميات كبيرة من زيت الزيتون (خاصة الزيت البكر) كمصدر رئيسي للدهون. ويتميز أيضاً بتناول كميات معتدلة من منتجات الألبان والبيض، واستهلاك الأسماك والدواجن بكميات منخفضة إلى معتدلة، واللحوم الحمراء المستهلكة بكميات قليلة، والنبيذ باعتدال، ويستهلك مع وجبات الطعام.

بكلمات أخرى، الهرم الغذائي لحمية البحر الأبيض المتوسط هي كالآتي: ينصح بتناول اللحوم الحمراء بشكل شهري، والسمك والبيض والدواجن بشكل أسبوعي، والخضراوات والفواكه والمكسرات والحبوب والبقوليات والرز والكسكس (المفتول) والباستا واللبن والجبنة وزيت الزيتون والخبز بشكل يومي.

الهرم الغذائي لحمية البحر الأبيض المتوسط

أفكار من المطبخ المتوسطي

يحتار البعض في اختيار وجبات طعام صحية متنوعة خلال أيام الأسبوع، وبالأخص في العائلات التي يكون فيها كلا الأبوين عاملين. وفي الكثير من الأحيان يتم الاتجاه للوجبات السريعة والجاهزة أو المعلبات من أجل اختصار عامل الوقت. التحضير المسبق لجدول الطعام الأسبوعي من شأنه المساعدة في اتخاذ خيارات أكثر صحية. وبمعرفة المكونات الأساسية التي يفضل أن تتواجد يومياً أو أسبوعياً في البرنامج الغذائي، يستطيع الشخص إعداد برنامج ملائم لاحتياجاته الخاصة.

نورد هنا العديد من الأفكار لطبخات تنتمي للنظام الغذائي المتوسطي مقسمة لوجبات فطور وغداء وعشاء. ومن المهم التنويه إلى أن المطبخ المتوسطي ليس نسخة واحدة، اذ أنه ومع تعدد بلدان البحر الأبيض المتوسط، تتعدد ثقافاتهم الغذائية، لكن يبقى الهرم الغذائي المرفق سابقاً أساساً لهذا النظام.

وجبات الفطور

هناك العديد من الأفكار السريعة والسهلة لوجبات افطار مشبعة، ومنها: كسكس حلو مع فواكه مجففة، أو زبادي يوناني مع عسل ولوز وفواكه، وربما ساندويش جبنة حلومي مشوية مع خيار وبندورة وزيتون، أو أومليت بيض مع بصل وزيتون وجبنة فيتا، أو شكشوكة بالسجق، أو وجبة "جواكامولي" (أفوكادو مع فرم بعض البصل والكزبرة والبندورة والثوم مفروم، وملح وليمون). يمكن أن تكون وجبة الإفطار عبارة عن سلطة عدس (عدس مسلوق، وبندورة مقطعة مكعبات، وخيار مفروم، جبنة فيتا، وزيت زيتون، وعصير ليمون، وحبق أخضر ورشة ملح)، أو فول مدمس (يحضر بعدة طرق)، أو حمص مع لحمة مفرومة، أو التورتيلا الإسبانية، أو بطاطا متبلة مع حمص، أو فرتاتة إيطالية، وربما عجة بيض وبقدونس، أو الفلافل مع الحمص بطحينة.

وجبات الغداء والعشاء

يوفر النظام الغذائي المتوسطي قائمة طويلة من الوجبات، مثل: مسقعة باذنجان، صيادية الطاجين، الكسكس مع الدجاج واللحوم الحمراء، الملوخية أو البامية أو الفاصوليا أو البازيلا أو اللوبيا أو الفريكة، الكبدة أو الكشري أو المحاشي بأنواعها، الشركسية، أو سبانخ، أو ورق العنب، أو المجدرة، الكبة بأنواعها، أو الشيش برك، أرز بالدجاج، المقلوبة، أو ريزوتو الفريكة مع فطر، كباب، أو لحمة بالفرن، أو شاورما، أو بطاطا مكمورة، فتة باذنجان، أو الرز مع اليخني، والشوربات بأنواعها، مثل: شوربة العدس وشوربة الطماطم، والخضار.

بما أن دول البحر الأبيض المتوسط عديدة، هناك تنوع كبير في وصفات الطعام التي بالإمكان تجربتها، والتي تتبع الهرم الغذائي ذاته، فهناك المطبخ الأندلسي، والمصري، والمغربي، والتركي، واليوناني، واللبناني، والفلسطيني، والإيطالي. والإنترنت اليوم مليء بالوصفات من شتى بقاع العالم، والمعني باتباع هـذه الحمية لن يصعب عليه إيجاد أفكار تناسب ذوقه وإمكانياته.

أغلب القراء من محيطنا العربي ربما سيجدون هـذه الحمية وهذه الأفكار بديهية لأنهم اعتادوا على هذا النمط من الغذاء، لكن في عصر السرعة، وبانشغالنا وتراكم المهمات علينا، وتأثرنا بالعديد من عادات الغرب الغذائية وحمياتهم الغذائية الشائعة، لربما تكون هذه المقالة بمثابة تذكير بأهمية نمطنا الغذائي هذا وفوائده الجمة. وأخص بالذكر الغذاء المحلي والموسمي والمعالج بالحد الأدنى، والأهم من ذلك المليء بخيرات أراضينا وبركاتها، وتنويه لوجود مطابخ عديدة ثرية تابعة لهذا النظام وفيها أفكار قد تكون جديدة علينا لوصفات طعام لذيذة ومفيدة ومنوعة. في الأسفل قائمة لمصادر الكترونية تحتوي على وصفات متنوعة وصحية من المطبخ المتوسطي.

قائمة مراجع الكترونية تتضمن وصفات متنوعة وصحية من المطبخ المتوسطي:

موسوعة الطبخ (المطبخ الفلسطيني)

TheMediterrananDish

AllRecipes

Epicurious

قائمة المصادر:

Sonoma Press. 2015. The Mediterranean Table: Simple Recipes for Healthy Living on the Mediterranen Diet. Callisto Media,Inc.

Willett, W., Guasch-Ferre, M. 2021. The Mediterranean diet and health: a comprehensive overview. Journal of Internal Medicine. https://doi.org/10.1111/joim.13333

Davis, C., Janet, B., Jonathan,H., Karen, M. 2015. Definition of the Mediterranean Diet; A Literature Review. Nutrients 7, no. 11: 9139-9153. https://doi.org/10.3390/nu7115459