خاص بآفاق البيئة والتنمية

(1)
قمم بلا نتائج
يُشكل التغير المناخي حالة قلق عالمية، يتسبّب بها الأثرياء ويدفع الفقراء ثمنها من دمهم وصحتهم، وتعقد الدول لقاءات ومؤتمرات سنوية لمناقشة انعكاساتها، وينفقون الكثير من المال، ويساهمون في حرق الوقود وهدر الطعام بلا طائل.
أظن أن دول الأرض وكياناتها السياسية لن تتفق يومًا على شيء من مخرجات قمم التغير المناخي، حتى لو وصلت من الرقم 28 المنوي عقده في الإمارات إلى الاجتماع رقم 100.
ببساطة؛ لا إرادة سياسية لذلك، والاقتصاد والصناعة والعوائد المالية والتصنيع العسكري والحروب وحتى الرياضة والأزياء والمشاهير مسائل أهم من الانتصار للبيئة.
 |
 |
| خربة جباريس 2022 |
خربة جباريس عام 2022 |
(2)
جباريــــس بين عامين

ناشطون بيئيون وباحثون فلسطينيون في الحياة البرية والتنوع الحيوي أثناء جولتهم الميدانية في خربة جباريس بالأغوار الشمالية
في 26 آذار 2022 نفذّنا مسارًا بيئيًا بصحبة ثلاثة أصدقاء إلى خربة "جباريـــس" التاريخية، وهم د.عماد دوّاس المهندس الشغوف بتوثيق الحياة البرية، ود. خالد أبو علي الباحث المهتم بتوثيق التنوع الحيوي، و د. عبد الله العمري المهندس الزراعي والمحاضر الجامعي.
 |
 |
| جباريس 2022 |
جباريس 2022 |
في 4 آذار 2023 عاودنا الكرّة وأضفنا رفيقًا خامسًا وهو الباحث في التنوع الحيوي م. أحمد العمري، في المسارين وجدنا الكثير من الفوارق، رغم تبكير جولة هذا العام بـ 22 يومًا.
حسناً الفارق الأول، في السنة الماضية غرقت سيارة الدفع الرباعي التي أوصلتنا لبدايات الجولة في الوحل، بينما وصلت المركبة إلى نقطة بعيدة هذا العام، وسارت في أرض جافة بكل رشاقة.
بين عامين تغيرت ملابسنا، فذهبنا في النسخة الماضية بثياب شتوية ثقيلة، أما هذه السنة فكنا نسبح في عرقنا وبملابس ربيعية وصيفية.
كان غطاء جباريس السابق وفيراً ويانعًا، وكنا نختفي بين نباتاته الطويلة، أما هذا الموسم فكان حزينًا، عطِشًا قصيرًا منهكًا يوشك على الجفاف.
 |
 |
| جباريس في آذار 2023 |
جباريس في شباط 2023 |
في المسار السابق لم نلاحظ ظاهرة "ظل المطر" بوضوح، لكن في هذه الجولة شاهدنا تلالًا شبه جرداء وفقيرة الغطاء النباتي في النواحي الشرقية، فيما هي بحال أفضل في الجهة المقابلة.
في النسخة الماضية كانت أشجار الرتم ونباتات شقائق النعمان وقرن الغزال في كامل عافيتها، أما هذا الموسم فبدت في نهاية إزهارها، وشاهدنا أعشابًا مرشحة للجفاف تمامًا، كحال حقول خربة يرزا التي بدت غالبيتها مصفرة يتحسر عليها فلاحوها ورعاتها.
راقبنا طيورًا في المسار الماضي أكثر، لكن طيور هذا العام كانت أقل حضورًا.
رأينا تجمعات وتجويفات صخرية مُنعمّة مُكرّمة بالمياه، لكنها هذه السنة كانت جافة، بسبب أربعة أسابيع من الجفاف المتواصل، ومربعانية خجولة جدًا.
كانت سماء 2022 ملبدة بالغيوم، بعد منخفض ماطر، لكنها استمرت في زرقتها هذه السنة طويلًا في أربعينية الشتاء وخمسينيته.

جباريس عام 2022
في خربة " جباريـــس" الساحرة، التي تستلقي في مكان جبلي بين بزيق وبردلا في الأغوار الشمالية، والزاخرة بتنوعها الحيوي، بحثنا عن سوسنة الشفا الساحرة التي شاهدناها العام الماضي، ولم نجد لها أثرًا ولا زهرًا.
وثّقنا في المسارين، البطم الأطلسي، والزعرور، والزيتون، واللوز البري المقاوم للأمراض وفق المهندس العمري، الذي كان يُستخدم "أمهاتٍ لتطعيم أصناف جديدة" مقاومة للأمراض.
اِنحاز د. عماد للطيور والفراشات وغزال الجبل، ولم يساعده الغطاء النباتي الخجول على التواري عن الأنظار، ونصب "كمائنه" لأهدافه، فيما لاحقتُ مع د. خالد ود. عبد الله وم. أحمد الزواحف ورصدنا التنوع الحيوي، ونال منا التعب قليلًا هذا العام، واحتجنا كميات مياه إضافية، كيف لا وحرارة آذار بدت متطرفة.
 |
 |
| جباريس في كانون ثاني 2023 |
جفاف 2023 في الأغوار الفلسطينية |
في نهاية مسار 2023، قال لنا ثلاثة أخوة من عائلة فقهاء، وُلد أصغرهم في جباريس، إن المستعمرين صعّدوا هذا العام من عدوانهم وعربدتهم في الخربة ومحيطها مقارنة بالعام الماضي، وهاجموا الأبقار والأغنام، وأطلق جيشهم قذائفه صوب بيوت عائلتهم المتبقية، التي ما زالت أبوابها ونوافذها وجدرانها وآبارها وقناطرها صامدة.

التعطيش الإسرائيلي لأطفال فلسطين
(3)
مطر خجول
توّقف هطول المطر في فلسطين التاريخية من 7 شباط حتى 13 آذار، هذا يعني أننا خسرنا معظم شهور الشتاء التي كانت بلا غيث.
أوثق انعكاسات الانقطاع الطويل للمطر، في موسم لم يُشهد فيه سوى ثلاث فعاليات مطرية شاملة، كانون الأول، وكانون الثاني، وشباط، بعض حالات عدم الاستقرار الجوي.
في حقول مرج ابن عامر مثلًا، اضطر بعض المزارعين لري القمح، وبدأ مزارعون في سقاية محاصيلهم الشتوية الأخرى، واحتاجت الزراعات الربيعية كميات كبيرة من الأمطار.
أما التنوع الحيوي فقد تشوّه هذا العام، خاصة مع تدني الهطولات (67% من المعدل السنوي في جنين حتى 13 آذار).
لقد أزهر مبكرًا وأصفّر وبدت عليه آثار العطش، وانتشرت الحشرات والقوارض في وقت مبكر، وتأثرت المحاصيل الشتوية كثيرًا، وبعضها جفّ، أو تضررت أزهار ونسبة عقد ثماره.

عطش الاغوار الفلسطينية
(4)
الاستخدام الأمثل للمياه
في حالتنا، ووسط نهب المستعمر لأكثر من 85% من مصادرنا المائية، لا يمكن أن ندعو إلى توفير استخدام المياه أو ترشيدها، لأننا لا نحصل على الحد الأدنى من المعدل الذي تحدده منظمة الصحة العالمية.
الحل يكمن في استخدام تعبير (الاستخدام الأمثل للمياه)، وهو الاستفادة من الماء بأقل كمية وبأرخص التكاليف، وإدارة اقتصاد الأسرة المائي باقتدار، مع عدم القفز عن حقوقنا المائية المنهوبة، وتكرار الحديث عنها في كل فرصة ومنبر.
علينا في هذا الصيف الساخن، وفي كل مناسبة صيانة شبكات المياه العامة والخاصة، وإصلاح كل تسريب؛ لأن ما تسرّبه قطرة واحدة كل ثانية يؤدي إلى هدر 0.85 م3 في الشهر، وبالتالي هدر 10,22 أمتار مكعبة سنويًا.
من المنطقي التوقف عن تسويق أحواض الاستحمام (البانيو)، فهي تستهلك في المتوسط حوالي 136 لترًا من الماء، وتكون مجرد ديكور في معظم بيوتنا.
علينا أيضًا التفكير في الرفاه، إذ تستهلك الجلاّية كمية تتفاوت من ( 38 إلى 45 ) لترًا في كل وجبة.
وتحتاج الغسالة "الأتوماتيك" حوالي 120 لترًا في كل غسلة، مهما كان داخلها.
من المهم التفكير في الري الفعال، وتفادي زراعة نباتات وأشجار تتطلب كميات كبيرة من المياه، وعلى الزارعين تقليص مساحات مزروعاتهم، بالنظر لتراجع الموسم المطري ولضمان القدرة على ريها.
إن الأشجار الأصيلة تقاوم الجفاف مقاومة لافتة، ولا تتطلب ريًا تكميليًا إلا في سنواتها الأولى، كما أن الأصناف البلدية من المزروعات لا تحتاج للمياه بالكميات نفسها التي تتطلبها الأنواع الدخيلة أو المهجّنة، ويكفي الإشارة مثالاً لما يحتاجه "خيار البيبي" من مياه مقارنة بالنباتات والمحاصيل الأصيلة.
الحصاد المائي يساهم في التخفيف من وطأة الجفاف، وذلك بحفر آبار جمع لمياه الأمطار في مختلف المناطق التي تعاني شح المياه، وإقامة البرك، والتخطيط لإنشاء السدود، والاستثمار الفعّال لمياه الأمطار في المنازل، وإعادة استخدام المياه الرمادية والسوداء بعد معالجتها، وخاصة في المدارس والجامعات والمؤسسات.
ووفق جهاز الإحصاء، بلغ معدل استهلاك الفلسطيني 84.2 لتر في اليوم من المياه، 82,4 في الضفة الغربية، و86,6 في قطاع غزة، وإذا ما أخذنا في الاعتبار نسبة التلوث العالية للمياه في قطاع غزة، واحتساب كميات المياه الصالحة للاستخدام الآدمي من الكميات المتاحة، فإن حصة الفرد من المياه العذبة تصل فقط إلى 26,8 لتر في اليوم في قطاع غزة. (معايير منظمة الصحة العالمية 100 لتر في اليوم).
وبحسب التقديرات، يصل معدل استهلاك المواطن الفلسطيني 135 لترًا في اليوم، بينما ينهب الإسرائيلي 353 لترًا، فيما يبلغ معدل استهلاك المستعمر الإسرائيلي في الضفة الغربية نحـو 900 لتر، أي أكثر من سبعة أضعاف استهلاك المواطن الفلسطيني.