شذرات بيئية وتنموية.. دروس الزلزال الغائبة وسؤال تجاهلناه لسنوات
خاص بآفاق البيئة والتنمية
زلزال شباط نابلس
(1)
نابلس 2023
ضربت فلسطين هزتان أرضيتان مساء 7 و8 فبراير/ شباط، شعر بهما مواطنو رام الله والبيرة ونابلس على وجه الخصوص.
بدوره قال د. جلال الدبيك مدير مركز الزلازل في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس إن مركز الهزة الأرضية الأولى كان على بعد 13 كم شمال نابلس، في صدع "الفارعة- الكرمل"، وبقوة 4.8 درجات على مقياس ريختر، وبعمق 10 كم.
وكانت المنطقة عرضة لزلزال ضعيف قوته 3.5 تقريبًا بمقياس ريختر، ومركزه السطحي جنوب شرق نابلس، في الساعة الرابعة و58 دقيقة مساء 8 شباط.
ندوة جنين حول الزلازل
(2)
جنين 2008
نظمت وزارة الإعلام والإغاثة الدولية في جنين، في مارس/ آذار 2008 ورشة عمل حول الهزات الأرضية والاستعداد لها، دعا فيها د. جلال الدبيك الخبير في علم هندسة الزلازل، ومدير مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح إلى الشروع الفوري في وضع خرائط علمية للمدن والتجمعات السكنية الفلسطينية، للتعامل بفعالية عقب الهزات الأرضية، ولتوضيح المناطق الحساسة، والسيناريوهات المحتملة للتعامل مع الأزمة، وتشكيل فرق الإنقاذ والإغاثة والتجمعات الآمنة ووضع خطط عمل لما بعد الكارثة.
وقال د. الدبيك نائب رئيس الهيئة الوطنية للتخفيف من آثار الكوارث، إن التعامل مع الزلازل ينبغي أن يخضع لخطوات تنفيذية، تشتمل على الاستعداد للكارثة، إذا ما وقعت لا قدّر الله، وتكون قادرة على مواجهتها في أثناء حدوثها، وتنتهي بأخذ العبر من نتائجها.
وأشار إلى أن المخاطر التي تنجم عن الهزات الأرضية وأي ظاهرة طبيعية وصناعية، تتوقف على مصدر الخطر وقابلية الإصابة، ومدى الجاهزية.
وأضاف: "لا نستطيع منع الزلازل، لكننا نستطيع تقليل مخاطرها، وهذا يرتبط بمصدرها وموقعها وقابلية الإصابة في صفوف المدنيين والأبنية على حد سواء".
وحثَ المؤسسات والأفراد وصنّاع القرار، على انتهاج سياسة الأخذ بالأسباب، والوقاية، قبل حدوث الكارثة لتخفيف أكبر قدر ممكن من تبعاتها وويلاتها.
ووصف الزلزال بأنه بمثابة "رقابة جودة على الإنشاءات البشرية"، فهو الأقدر على تمييز المناطق المعدّة جيداً من تلك السيئة، وبعد مرور 15 عامًا يبدو أن دعوته لم تّلق أي استجابة تُذكر.
كتاب الزلازال
(3)
آفاق 2008
نشرت مجلة "آفاق البيئة والتنمية" مطلع 2008، مراجعةً لكتاب "الزلازل وجاهزيتنا" للدكتور جلال الدبيك، ويقع في 138 صفحة من القطع المتوسط، وهو وثيقة مهمة وملخص علمي لظاهرة الزلازل، ويشتمل الكتاب على أربعة فصول.
استهلّ المؤلف كتابه بعبارة رائعة:" جاهزية أعلى، مخاطر أقل"، واستعرض تاريخ النشاط الزلزالي في فلسطين منذ مئات السنين، وتتمثل في السنوات 1068، و1204، و1212، و1402، و1339، و1546، و 1666
و1656
وهزات الأعوام 1759، و1834، و1837، و1854، و1859، و1872، و1873، و1896، و 1900، و1903، و1923، و1927، و1945، و1995.
وعرض صوراً وخرائط ووثائق للزلازل الفارقة، مشيراً إلى أماكنها إما في منطقة البحر الأحمر، أو في شمال فلسطين المحتلة عام 1948.
زلزال تركيا
(4)
تحقيق 2008
في تحقيق أجريته ونشرَته وكالة معًا الإخبارية عام 2008، بعنوان (الفلسطينيون يغمضون أعينهم والزلزال قادم)، وكان مما ورد فيه، حوار أجريته مع عضو في بلدية البيرة، عن استعدادات واحدة من أكبر المدن في الأراضي الفلسطينية للزلازل، فيقول لك:" لا تتعب نفسك، ليس لدينا استعدادات، حتى أن الكود "الزلزالي" الخاص بالإنشاءات والأبنية، غير متوفر مطلقاً" (الكود الزلزالي عبارة عن مجموعة قوانين وأنظمة واشتراطات تحدد كيفية تصميم مبنى آمن ضد الزلازل).
ومما أكده مهندس ومدير شركة مقاولات، أن العمارات التجارية في مدينة مثل رام الله، التي يمكن أن تصمد في وجه زلزال قد يقع، أقل من عدد أصابع اليد الواحدة.
في صيف عام 2007، سرتُ في شوارع طوكيو، وشاهدت بأم عيني عمالًا ومهندسين يعدّون العدة لتشييد عمارة تقاوم الزلازل، وحينها سقط سؤال فوق رأسي: "أي دمار هائل ينتظرنا في بلادنا لو وقع الزلزال يومًا؟".
بعد عودتي من "بلاد الشمس المشرقة"، زرت طولكرم بغرض إجراء حوار صحافي مع الناشطة النسوية ندى طوير، رنّ هاتف مكتبها، وأخبرتني أن الجهات المسؤولة قررت إخلاء المدارس والمؤسسات لأن زلزالاً سيحدث اليوم.
ضحكتُ وسألت السيدة: "هل يُعقل أن نستشعر الزلازل قبل وقوعها بساعات؟ وكيف أخرج مدرسو الجغرافيا والعلوم التلاميذ وهم على يقين أن هذا لا يحدث؟
أقطع الحوار، وأتمشى في المدينة الصغيرة، ثم أقرأ عبر شريط خدمة إخبارية محلية: "الأجهزة الأمنية تحقّق مع شخص أشاع وقوع الزلزال عن طريق المزاح مع صديقه".
ندوة آفاف التلفزيونية الأولى حول الزلازل
(5)
أول تجربة مرئية لـ "آفاق" 2011
شهدت أول نسخة متلفزة لندوات مجلة آفاق البيئة والتنمية، نقاشات ساخنة لقضية الزلازل، وحضوراً واسعاً لجمهور شمل ثلاثين شاباً في ربيع العمر، وستة مهندسين، وخبراء ومسؤولين، وممثلين عن القطاع الخاص.
وشارك في الحوار الذي انعقد في 21 أيار لعام 2011 د. جلال الدبيك "الغني عن التعريف"، ومعين عنساوي مدير مجلس الطوارئ في محافظة رام الله والبيرة، وعضو مجلس النقابة موسى قديمات، والمهندسون منتهى الجيوسي، وفاروق حسين، وماهر القرع، وحبيب امسيح، وطارق الزرو، وسمير عثمان.
ومما قاله الدبيك إن جاهزيتنا للمواجهة لا تتعدى 25% والهزة القادمة مسألة وقت.
أما عنساوي فأكد أن مخازن مجلس الطوارئ غير مقاومة للزلازل، وإمكاناته محدودة.
فيما أبدى قديمات قلقه من غياب أي سيناريوهات للأضرار التي قد تصيب المباني في فلسطين.
ندوة طوباس 2012 حول الزلازل
(6)
نموذج ياباني 2012
نظمت بلدية طوباس ووزارة الإعلام ومركز التخطيط الحضري والحد من مخاطر الكوارث في جامعة النجاح الوطنية، والهيئة الوطنية للتخفيف من أخطار الكوارث، يوماً دراسياً ناقش اشتراطات المدن لآمنة، وسبل الحد من الكوارث في مايو/ أيار 2012.
يومها، أكد عقاب دراغمة رئيس بلدية طوباس أن البلدة القديمة تعاني طبيعة صعبة، من حيث قدرتها على تحمل آثار الزلازل.
فيما انتقد واصف عريق رئيس الهيئة الوطنية للتخفيف من آثار الكوارث واللواء المتقاعد غياب ثقافة الاهتمام بالكوارث قبل وقوعها عن مجتمعنا، مؤكدًا أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه كل فرد في رفع الوعي وتطويره على صعيد إدارة الكارثة، وليس المؤسسة فحسب.
وأكد أن الحروب تحتاج إلى جيوش لإدارتها، لكن الكوارث والزلازل تحتاج إلى جيوش وشعوب للتعامل معها.
جلال الدبيك مدير مركز الزلازل في جامعة النجاح الوطنية بنابلس
ومجدداً شرح د. جلال الدبيك في محاضرة، مفهوم المدن الآمنة، والنقاط العشرة المعتمدة دولياً اللازمة لبناء قدرات المدن لمواجهة الكوارث، والتي يجب على الهيئات المحلية القيام بها للاستعداد للكوارث.
وأكد أن عمليات الحد من الكوارث تُعد منظومة شاملة، وليست عملية عشوائية، إذ يجب أن تسبق وقوع الكوارث –لا قدّر الله - سلسلة خطوات وإجراءات للتخفيف من مخاطرها.
وأوضح الدبيك طبيعة العلاقة التبادلية بين التقدم والكارثة، مشيراً إلى الأنموذج الياباني المتقدم، إذ ضربت هزة أرضية منطقة في اليابان عام 1923 أودت بحياة أكثر من 40 ألف قتيل، وتكرر الزلزال في الثمانينيات من القرن الماضي بالقوة نفسها وفي المنطقة ذاتها تقريباً، وخلّف وقتئذ عدداً من الجرحى فقط، مما يؤكد ارتفاع الجاهزية وتقدمها.
ندوة آفاق حول الزلازل
(7)
جنين 2015: الوقاية المنسية
عقدت وزارة الإعلام ندوة بالتعاون مع الحكم المحلي، في آذار 2015، حول آليات الوقاية والحد من مخاطر الزلازل والكوارث الطبيعية وتفعيل الكود الزلزالي في المباني.
وشدّد المشاركون على أهمية اعتبار الحد من الكوارث أولوية وطنية، وضرورة التوعية بمخاطر الزلازل وكيفية التقليل من الأضرار عند حدوثها، إضافة إلى سن قوانين وتشريعات وبناء قدرات المخططين للحد من الكوارث ومعرفة التعامل معها.
وأشاروا إلى أن الكوارث جزء من التنمية المستدامة ولا يجب فصلها عنها، مع التركيز على بناء قدرات المجتمع الفلسطيني لمواجهتها وتخفيف خطر الزلازل لأنها تحدث فجأة وتؤثر على المدن بدرجات متفاوتة، لا سيما أن فلسطين تقع في حفرة الانهدام وهي منطقة زلزالية، وهذا يدل على احتمالية أن تكون المنطقة عرضة لزلزال، وبطبيعة الحال لا يمكن تحديد وقته لأن الله وحده بموعده أعلم، تماماً كما لا يمكن إيقافه.
وذكروا أن تخفيف مخاطر الزلازل والكوارث هي مسؤولية وطنية، وتطرقوا إلى المسائل التي يجب مراعاتها للتخفيف من خطرها، وعلى رأسها إنشاء المباني وفق أسس تقاوم الزلازل، فضلًا عن أماكن البناء، لأن ما يزيد من الخطر إضافة إلى قوة الزلزال وطبيعة الكسر هو نوعية البناء والتربة، وأجمعوا على أهمية الجاهزية للتخفيف من الأضرار والخسائر قدر الإمكان.
لكن يبدو أننا لم نفعل شيئًا، وقد لا نفعل.
زلزال سوريا
(8)
"آفاق" 2017: استعداد مؤجل
نشرت مجلة "آفاق" عام 2017 ملفاً بـعنوان (الزلازل: الرعب الصامت والاستعداد المؤجل)، ومما كتبناه وقتها: "مع كل هزة أرضية في دول الجوار، تصل فلسطين أو لا تصلها، يُثار رعب الزلازل مجددًا، وتبرز أسئلة ثقيلة، على الأغلب لا نملك إجابات لها، حول ما الذي فعلناه حتى الآن لمواجهة الأزمة التي يمكن أن تقع في أي لحظة".
وجاء في التقرير: "بعد يوم واحد من زلزال العراق وإيران في العاشر من تشرين الثاني الماضي لعام 2017، تبدأ حمّى التحليل والتحذير في وسائل الإعلام، وعلى الأغلب نستعين بخبراء علم الزلازل في دولة الاحتلال، الذين قال أحدهم "إن مسألة حدوث زلزال كبير في فلسطين ما هي إلا مسألة وقت".
في حين حذّر مسؤول آخر من أن الهزة القادمة ستتسبب في مقتل الكثيرين ودمار كبير في المباني".
ومما نُقل عن الإعلام الإسرائيلي تصريحات أمير ياهاف مدير لجنة التوجيه في مجلس وزراء الاحتلال، وقال فيها "إن الزلزال القادم سيؤدي إلى مقتل 7 آلاف شخص وإصابة نحو 370 ألفًا آخرين، وسيدمر قرابة 28 ألف منزل ومبنى تدميرًا كاملاً، إضافة إلى التضرّر الجزئي لـــ 290 ألف منزل ومبنى، وعلى وجه الخصوص المباني التي أنشئت قبل عام 1980، مما يعني أن 170 ألف شخص سيصبحون بلا مأوى.
واختتمنا الملف بسؤال كبير: من سيتبنى عاجلاً خطة وقائية لإدارة كارثة الهزة الأرضية القادمة؟ وأي جهة يمكن أن تُلام في حال وقعت الكارثة، لا قدّر الله؟
نكرر اليوم وغدًا وكل حينٍ السؤال نفسه، وتبقى الإجابة غائبة.
زلزال نابلس 1927-مكتبة الكونغرس
(9)
بؤر فلسطينية
البؤر الزلزالية التي تمثل قلقًا باعتبارها مصدرًا محتملًا لهزات عنيفة في فلسطين:
بؤرة شمال البحر الميت، وهي مكمن الخطر الأكبر، إذ وقع فيها زلزال بقوة 6.3 درجات عام 1927، الذي يتكرر كل 100 سنة تقريبًا.
وبؤرة الفارعة -الكرمل، التي حصل فيها زلزال مدمر عام 1759، وصلت شدته إلى 7 درجات وأحدث موجات تسونامي على الساحل الفلسطيني اللبناني.
وبؤرة قريبة من صفد على تقاطع الأغوار الشمالية، ونشطت عام 1836 وأسفرت عن مقتل 5000 إنسان.
أما البؤرة الزلزالية الأعنف والأصعب، هي في إصبع الجليل شمال بحيرة طبريا، والتي حدث فيها زلزال يُعد الأسوأ في تاريخ المنطقة، وأدى لمقتل المئات.