خاص بآفاق البيئة والتنمية

المفكر والمؤرخ الفلسطيني محمد غوشة

أجِدُني دائمًا أبحث عن الأشياء والتفاصيل الدقيقة التي قد لا يلتفت إليها أحد، أستغرق وقتًا طويلًا في خوض التجربة حد الانغماس، ولم أندم قط على جهدٍ بذلته من أجل مدينة القدس وتاريخها؛ فمع كل إنجازٍ أحققه أظن أنني بواسطته بررت وجودي على هذه الأرض.

واستمرارًا لهذا المسير الذي جعل اسمي مقرونًا بالقدس، كشفتُ مساء يوم الأحد الموافق 26 يونيو/ حزيران من العام الجاري عن أربعة مجلدات بموسوعتين علميتين، أوثق فيهما باللغتين العربية والإنجليزية، فسيفساء قبة الصخرة المشرفة، و"قاشاني" القدس، ليكون أول وأضخم عمل أكاديمي مصور في التاريخ المعاصر.

بدأت العمل لإنجاز هاتين الموسوعتين منذ عام 2019 بإجراء المسح والبحث الميداني بمفردي، أما التصوير الفوتوغرافي فقد باشرته برفقة آخرين في وقت مبكر من عام 2012، مرفقًا بالرسوم الهندسية التي تغطي واجهات المسجد الداخلية والخارجية كافة.

وفي التفاصيل يا أصدقاء، تجمع أولُ موسوعة المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، والمسجد الأقصى المبارك، عن طريق توثيق كنوز المساجد الثلاثة بتصوير خلاب وفائق الدقة والمواصفات، بما يليق بمكانة هذه الأماكن المقدسة.

أما العمل الثاني، فقد وُصف بأنه "نصر عالمي" للقدس، ويضم مجلدين من الحجم الكبير، الأول يتضمن رفعًا معماريًا وتوثيقيًا وتاريخيًا وفوتوغرافيًا شاملًا لكل المساحة الفسيفسائية لقبة الصخرة المشرفة (1800 متر مربع)، وهذا لأول مرة في التاريخ.

بينما يشمل المجلد الثاني رفعًا معماريًا شاملًا لـ "قاشاني" قبة الصخرة، والقدس (الزخرف العثماني الذي يُزين الجهات الخارجية للقبة)، إضافة إلى جميع أنوع "القاشاني" الأرمني الموجودة في كنسية دير الأرمن، أيضًا لأول مرة في التاريخ.

وما يُميز هذا الإنجاز، أنني أقدم للقارئ عملًا أكاديميًا حضاريًا مميزًا بمواصفات فنية قياسية، في إطار البحث العلمي البحت، وهذا يكفل إعادة ترميم وبناء أي جزئية من المساحات الزخرفية التي تتميز بها قبة الصخرة في المستقبل على نحو غير مسبوق.

فيما استأنست بآراء عدد من الزملاء الأكاديميين والمختصين بالشأن المقدسي، ووجدت منهم استحسانًا كبيرًا لهذا العمل، إذ وصفوه بأنه "جهد مؤسسي أنجزه شخص واحد"، وهذا شرف كبير لي، ولمؤسسة التراث العربي التي ترعى هذا العمل.

الدكتور محمد غوشة/ مدينة القدس

مفكر ومؤرخ فلسطيني