تخنقهم في بحرهم.. صيادو غزة متى تدعهم إسرائيل وشأنهم؟
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تُفسد الزوارق الحربية الإسرائيلية جمال البحر، ويسلب صوت القذائف وإطلاق النار طمأنينة أمواجه. فيما يهرع صيادو غزة كل صباح إلى البحر، باحثين في عرضه عن قوت يومهم، وتستمر تلك الزوارق في مطاردة هؤلاء المساكين بحقد لتضيِّق عليهم الخناق في رزقهم. منذ عام 2007 وحتى يومنا هذا، لم يتغير شيئًا من حال الصيادين، أمام هدير محركات مراكبهم الصغيرة يعلو ضجيج محركات الزوارق الضخمة، يُصاحبها إطلاق نار مباشر وكثيف، وفي الحين نفسه تحاول القذائف الصوتية التغطية على أصوات مناشدات الصيادين للاحتلال بتركهم وشأنهم. ولا يتوقف اعتداء الاحتلال عند رش المياه داخل المراكب، بل يمتد لاعتقالات متكررة للصيادين.
|
|
إخراج أسماك من بركة الإستزراع السمكي وقد انتشرت تلك البرك في قطاع غزة إثر التضييقات الإسرائيلية على الصيادين ومهاجمتهم في عرض البحر |
تُفسد الزوارق الحربية الإسرائيلية جمال البحر، ويسلب صوت القذائف وإطلاق النار طمأنينة أمواجه.
فيما يهرع صيادو غزة كل صباح إلى البحر، باحثين في عرضه عن قوت يومهم، وتستمر تلك الزوارق في مطاردة هؤلاء المساكين بحقد لتضيِّق عليهم الخناق في رزقهم.
منذ عام 2007 وحتى يومنا هذا، لم يتغير شيئًا من حال الصيادين، أمام هدير محركات مراكبهم الصغيرة يعلو ضجيج محركات الزوارق الضخمة، يُصاحبها إطلاق نار مباشر وكثيف، وفي الحين نفسه تحاول القذائف الصوتية التغطية على أصوات مناشدات الصيادين للاحتلال بتركهم وشأنهم.
ولا يتوقف اعتداء الاحتلال عند رش المياه داخل المراكب، بل يمتد لاعتقالات متكررة للصيادين، ولا حيلة في يدهم إلا أن ترتفع إلى السماء متضرعةً "فرجك يا رب".
أضرار مزرعة العطار بسبب القصف الإسرائيلي
يعانون غياب الحماية
أشكال عدة تبتدعها قوات الاحتلال الإسرائيلي لتُسوّد حياة الصيادين، فتارة تحاربهم في المساحة المسموح لهم بها للصيد، وتارة أخرى تلاحق مراكبهم، فضلًا عن محاولتهم إغراقها بالمياه.
التضييق يزداد يومًا بعد يوم، ففي يوليو/ تموز الماضي قلَّص مساحة الصيد في قطاع غزة من 12 ميلًا إلى 6 أميال، كما أنها تمنع إدخال معدات الصيانة لمراكب الصيادين، بينما في الشق الآخر من فلسطين يُسمح للإسرائيليين بالصيد بحريّة تامة ولمساحات تصل حتى المياه الإقليمية، كما تصيد سفنهم كميات كبيرة من خيرات بحر غزة، ما يهدد أعداد الأسماك وتنوعها فيه، وبذلك مَنيت هذه المهنة في غزة بخسارتين فادحتين، إحداهما مادية ويتكبدها الصياد المغلوب على أمره، والأخرى في الموارد البحرية.
إذن الحقيقة مُرة، حتى لو عدَّها بعضٌ "أسطوانة مشروخة" ممن يستخّفون بحجم الكارثة، فقطاعات الأعمال في غزة ومن دون استثناء، تطالها ممارسات وحصار الاحتلال، ما سبَّب خسائر فادحة لأصحاب المشاريع والمزارعين إضافة إلى الصيادين، والنتيجة على الأرض: كساد اقتصادي فوق طاقة الجميع.
ومع أن القوانين الدولية والإنسانية تحث الاحتلال على ضرورة فك الحصار عن القطاع، وتسهيل عمل الصيادين والمزارعين على وجه الخصوص، إلا أن الاحتلال يضرب هذه القوانين بعرض الحائط.
استوقفنا عائد النجار، فقلبه كان قد فاض بالأسى. محملًا برائحة البحر كان كغيره من سكان معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة.
حكى النجار لمراسل "آفاق البيئة والتنمية" عن جزء يسير من وجع الصيادين، فقال: "أعمل في مهنة الصيد منذ كان عمري 17 عاما، وكذلك الحال أسرتي، إلا أن جميعنا نشهد أننا لم نر مثل هذا التدهور الذي يعانيه الصيادون في الوقت الراهن".
هذا الشاب الثلاثيني أب لطفلتين، كان سابقًا يُحصّل نحو ـ2000 شيكل شهرياً، ولكن منذ عام 2008 أخذ العائد يتناقص حتى أصبح لا يزيد في أحسن حال على 700 شيكل شهرياً، حسب قوله.
وأضاف: "عملنا فيه مشقة ومخاطرة كبيرة قد تنتهي باستشهاد بعضنا وإغراق المراكب، فيما لا يُسمح لنا بالصيد سوى في مساحة لا تتعدى بضع كيلومترات مقارنة بالسابق، إذ كانت تصل مساحة الصيد إلى عشرات بل مئات الكيلومترات، وما نحصّله من بيع الأسماك لا يغطي تكلفة وقود مراكبنا التي نصطاد بها".
ويخبرنا عن تجربة الاعتقال التي لا يسلم منها عدد لا بأس به من الصيادين: "يُقتاد الصياد من قبل "البحرية الإسرائيلية" للتحقيق معه حول الأذرع العسكرية للمقاومة، ولسؤاله عن أفراد من المناطق المحيطة بسكناهم، أما الابتزاز فهو وسيلة رخيصة لا ينفكون عن استخدامها من أجل الحصول على معلومات أمنية".
ويضيف: "ينال الصياد المُعتقل حظه من سوء المعاملة والإساءة اللفظية والجسدية قبل إطلاق سراحه، وقد يُحتجز مركبه".
ومُجدداً، هذه الصنوف من الاعتداءات تتنافى مع ما تنص عليه القوانين الدولية وحقوق الإنسان، بما فيها الحق في الحياة، واحترام الضمانات بما تمليه من إتباع الإجراءات القانونية التي يكفلها القانون الدولي".
التخريب الإسرائيلي لمزرعة العطار
الاستزراع السمكي طوق نجاة
يحاول الصيادون بكل ما لديهم من قوة التمسك بحبل نجاة، لذا بادر بعض منهم إلى إنشاء مزارع سمكية للحد من خسائرهم داخل البحر، وقد أثبتت جدواها، بِرك تربية الأسماك التي تتطلب الدخول في عمق البحار حتى يتسنى لهم صيدها، في محاولة منهم للتغلب على القيود التي فرضها الاحتلال على الصياد، و من أجل سد حاجة السوق للكميات المطلوبة.
وتقوم هذه العملية على إنتاج أنواع محددة من الأسماك - بخاصة التي تبيض- داخل أحواض ضخمة مصنوعة لهذا الغرض، يصل عمقها إلى أكثر من ثلاثة أمتار، وتُضخ المياه إليها من الآبار وتعمل وفق آلية محددة، فينتظر المزارع أن "يفقس" البيض، ويحظى بأسماك صالحة للأسواق.
علمًا أن دورة زراعة الأسماك تستغرق عامًا ونصف العام، حتى يصبح حجمها مناسبًا للاستهلاك الآدمي.
سألنا المهندس وليد ثابت، مدير عام الثروة السمكية في وزارة الزراعة في قطاع غزة، عن الدافع للتوجه نحو الاستزراع السمكي، فقال: "يرغب الصيادون في تعويض النقص في الإنتاج البحري مع تراجع كميات الأسماك التي تُصطاد، وبالتالي تلبية حاجة السوق المتزايدة للأسماك".
وأشار م. ثابت في حديثه إلى إنشاء مزرعتين إضافيتين في السنوات الماضية. تمكن العاملون بها من تطوير العمل، كما نجحوا في إنشاء وتجهيز مزارع لتفريخ الأسماك، وإنتاج بيوض ذات جودة عالية على المستوى المحلي، بحيث تُنقل لاحقًا إلى المزارع السمكية، وهناك يجري تكبيرها وتسمينها والعناية بها، تمهيدًا لتصديرها وبيعها في الأسواق المحلية، إذ بلغت الكميات التي تمكنت من إنتاجها هذه المفارخ نحو ثلاثة ملايين بذرة سمكية في السنة، تبعًا لقوله.
لافتًا إلى أن المَزارع من هذا النوع تنتج سنويًا 600 طن من الأسماك، ويُصدر من هذه الكمية ما يعادل ـ320 طنًا لأسواق الضفة الغربية، في حين تُباع الكمية المتبقية في أسواق غزة.
سمك الدنيس من مزرعة البحار في غزة
المزارع السمكية تُستهدف
لم تنج المزارع السمكية في العدوان الإسرائيلي الأخير في أيار الماضي من دائرة الاستهداف، فدمرت طائرات الاحتلال مزرعة إياد العطار (46 عامًا) وبذلك فقد مصدر رزقه تماماً، بعد أن كانت المزرعة تُعيل 10 أفراد، من بينهم اثنين متزوجين.
يقول العطار إن ما حل بمزرعته السمكية مأساة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. "أنا واحد من المدنيين في هذا البلد، لماذا اُستُهدفت مزرعتي طالما أنها لم تشكل أي خطر أو تهديد على الاحتلال. هل من مجيب؟".
ويمضي في حديثه قائلًا: "قبل تدميرها، كنا ننتظر بفارغ الصبر موسم السمك هذا العام من أجل تغطية الديون والنفقات، وكذلك لعلاج أحد أبنائي حتى يتمكن من الإنجاب، لكن الاحتلال أبى إلا أن يقتل أحلامنا البسيطة".
وبلغت قيمة الأضرار في المزرعة نحو 35 ألف دولار أمريكي، وأصبح الرجل مثقلًا بالديون، فقد توزَّعت الخسائر بين نفوق عدد كبير من الأسماك، وتكلفة إعادة ترميم البرك المتضررة، وكذلك إصلاح البنية التحتية.
مضخات المياه داخل برك الأسماك في غزة
الغزيون يشتهون السمك
يبدو المواطن خليل المدهون (50 عاماً) غير راضٍ عن أسعار وكميات الأسماك.
فقال: "مدينة ساحلية مثل غزة يفترض أن تتوفر فيها أنواع الأسماك كافة، وبكميات وأسعار مُرضَية كما باقي المدن الساحلية في الدول الأخرى، لكن بسبب الاحتلال وممارساته بحق الصيادين يحدث هنا العكس تماماً، فالبحر مُغلق في وجه الصيادين".
ويضيف: "غالباً إن حالف الصياد الحظ، تكون الأسماك قليلة، ما يضطره إلى بيعه بسعر مرتفع، فكيف لنا نحن أصحاب الدخل المحدود أن نشتري أسماكًا بهذه الأسعار؟".. يتساءل بحرقة.