إعادة التدوير والحفاظ على البيئة متى سيطبقان في الأراضي الفلسطينية؟
عمالة مقدسية تمارس الوعي البيئي عبر جمع النفايات الصلبة ولكن كمصدر رزق أولا

تقرير: ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
في القدس المحتلة وتحديداً في السنوات الأخيرة، بدأت شركات إسرائيلية متخصصة بتنفيذ مشاريع إعادة التدوير عبر تشغيل عمالة مقدسية بهدف جمع النفايات الصلبة من زجاجية وبلاستيكية، فتزايدت مشاهد العمال الفلسطينيين المنتشرين في الطرقات يقومون بعملية جمع علب المشروبات مقابل مبالغ مالية زهيدة، ومع أن الظاهرة مرتبطة بالعنصر المادي ومقتصرة على البضائع الإسرائيلية؛ إلا إنها مبشرة بوعي بيئي بدأ في القدس على أمل أن تنتقل عدواه إلى باقي الأراضي الفلسطينية.
العامل المتجول الخمسيني نافز جعافرة من سكان بيت حنينا، يعمل جامعاً للعبوات الفارغة الملقاة في الشوارع والحاويات حيث يجمع يومياً ما يقارب 400 عبوة، أي ما يعادل 80 شيقلاً. يقول عن هذه المهنة:
"لا يوجد لدي بديل نظرا لوضعي الصحي حيث أعاني من القلب، فأجد هذا العمل هادئاً ومريحاً وغير مجهدٍ"
يدرك جعافرة أن عمله يعتبر جزءاً من الحفاظ على البيئة، ويفاجأ من بعض الناس الذين يغضبون حين يرونه يجمع النفايات الصلبة من الأراضي الخراب بحجة أنها ملكٌ لهم وهم أحرار بالاحتفاظ بنفاياتها.
ينصح جعافرة المواطنين برمي النفايات في الحاويات المخصصة للحفاظ على البيئة، كيما يسّهل عليه عملية جمعها؛ ومن تجواله في القدس يجد منطقة الأشقرية في بيت حنينا الأكثر اتساخاً من حيث النفايات بالإضافة إلى قلنديا، معترفاً بأنه لا يأبه بإزالة العبوة غير المرقمة أو المشار إليها برمز التدوير لكونها لا تستبدل.
وكيل إحدى الشركات الخاصة بإعادة التدوير في مدينة الرملة، "نائل السلايمة" ممن يملكون مخزناً لجمع الصفائح والعلب البلاستيكية في القدس، يوضّح أنه يجمع يومياً ما يقارب 3000 عبوة عبر تشغيل عمال يقومون بهذه العملية، وعن هذه المهنة أشار إلى أنه تعرف إليها بالمصادفة منذ تسع سنين حين كان يعمل في محل تجاري إسرائيلي، وشاهد آنذاك عمالاً يجمعون مخلفات المشروبات البلاستيكية والزجاجية والمعدنية، فاستفسر عن الأمر ووجد أنها مهنة تحافظ على البيئة وتدر نقوداً في نفس الوقت، فوفر مخزناً ووظف عمالاً، وفي اليوم الذي يجمع فيه ما يقارب 3000 عبوة يبيع كل ثلاث منها بشيقل، لشركة إسرائيلية تعيد تصنيعها عبر الصهر وإعادة التدوير، مقابل إعطاء العامل لديه عن كل خمس عبوات شيقل.

توعية بيئية للطلبة المقدسيين عبر تدريب معلمين
وفي القدس المحتلة بدأ ينظم في المدارس الحكومية مشروع المحافظة على البيئة وسلامة التدوير من خلال تدريب مركزين من المعلمين والمعلمات يمررون عبرهم أهمية ترسيخ مبدأ إعادة التدوير للطلبة. المركزة أمل أبو حجلة من مدرسة سلوان الابتدائية للبنات تحدثت عن المشروع حيث يتم من خلاله توعية الطالبات حول أهمية إعادة تصنيع الورق وذلك بجمعه في حاويات خاصة ليعاد تصنيعه من جديد، مع الإشارة إلى ضرورة الاقتصاد في استخدام الورق لأنه يساهم بدوره في الحفاظ على الغطاء النباتي.
كما توجه أبو حجلة الطالبات لأهمية إعادة تصنيع العبوات الزجاجية الصغيرة (الماء والمشروبات)، وكذلك المعدنية منها (التنك) حيث يتم جمعها في أكياس وإرجاعها للمصانع المختصة مقابل مبلغ زهيد يتم استغلاله لصالح المدرسة، وللأسف العبوات المطلوبة هي التي تتبع الصناعة الإسرائيلية فقط والتي عليها طبعة 25 أغورة مسترجعات.
كما تعمل المركزة أبو حجلة على توعية الطالبات حول أهمية تجميع البطاريات التالفة وإرسالها إلى منطقة النقب ("رامات حوفاف") ليتم التخلص منها بطرق سليمة لا تضر البيئة. مع العلم أن البطاريات تتكون من مواد كيماوية ضارة بالبيئة والإنسان كالزئبق والكادميوم والنيكل والليثيوم والرصاص والفضة. |
متى سنرى شركات لإعادة التدوير في الأراضي الفلسطينية؟
بالرغم من بدء تعاطي المقدسيين مع مشاريع الوعي البيئي إلا أنها تظل محدودة ومقتصرة داخل حدود القدس الشرقية، مما يثير التساؤل حول ضرورة بدء هذه المشاريع في الأراضي الفلسطينية والسعي من أجل تأسيسها. وحول وجود مشروع شبيه على أجندة سلطة جودة البيئة الفلسطينية قال نائب رئيس السلطة جميل مطور إنه لا يوجد حالياً أي مشروع يتم العمل عليه لهذا الأمر، وفي المقابل تشجع سلطة البيئة أي مقترحات لمصانع تدوير النفايات الصلبة كالزجاج أو البلاستيك أو الكرتون، مع التنويه إلى أن دور سلطة البيئة لا يتمثل بالتنفيذ المباشر لمشاريع مشابهة، بل يقتصر على توفير الأرضية المشجعة والمتابعة لأي مشروع يخدم البيئة، شريطة التزامه بالمعايير البيئية، مشيرا إلى أن هذه المشاريع متروكة حالياً للقطاع الخاص المهتم بهذه الصناعات.

غياب مصانع إعادة التدوير على الأرض والورق
يضيف مطور أنه على صعيد الضفة الغربية لا يوجد أي مؤسسة حالياً مختصة بالصناعات التدويرية، هذا مع ذكر شركة ناشئة قدمت مقترحا بهذا الخصوص لكنها ما زالت تفتقر إلى الإستراتيجية والمعايير اللازمة لنجاح مثل تلك المشاريع من معدات خاصة، وتوفير طاقم فني خبير، وبنية تحتية ومخارج لتصريف المخلفات.
وعن معايير الموافقة على إنشاء شركة لإعادة التدوير عقب مطور بقوله إنها حلقات متصلة إن توافرت تتم الموافقة، فأولوية القبول تستند إلى اعتماد الشركة أو المصنع تدوير المنتجات الأكثر ضرراً على البيئة كالبلاستيك والورق، الالتزام بقانون البيئة، مراعاة شروط السلامة البيئية داخل المصنع، وتوفير دراسة تقييمية للإستراتيجية الدائمة للمصنع.
وحول الرقابة على المصانع عموماً ومدى التزامها بالشروط البيئية والصحية قال إن الموافقة على إنشاء أي مصنع لا تتم قبل التأكد من مراعاته لشروط السلامة البيئية والصحية، أما لاحقا وبعد إنشائه فمسألة مدى الالتزام بهذه الشروط ومتابعتها أمور يكثر الحديث عنها وهي وظيفة موزعة علينا وعلى وزارة الاقتصاد الوطني.
وحول دور سلطة جودة البيئة في توعية المواطنين لضرر إلقاء النفايات على الأرض، وبخاصة غير المتحللة منها، قال مطور: إن هذا نشاط دائم تشرف عليه دائرة التوعية البيئية في سلطة البيئة، ولكنه يعترف بأن الطريق طويل والتوعية ليست جهد سلطة البيئة وحدها بل تكاتف جهود مؤسسات عدة.
"مع أن سلطة جودة البيئة قادرة على إصدار قوانين تغرم خلالها من ينتهك البيئة إلا أن تسيير القوانين يحتاج إلى موظفي تفتيش مدربين، أو تأسيس شرطة للبيئة بالتنسيق مع وزارة الداخلية، ولكننا لسنا مستعدين حالياً أو ليست لدينا الدراسات اللازمة بهذا الشأن". ختم مطور.
آمل أن لا يكون هذا التقرير ترويج غير مقصود لمحاسن الاختلال البيئية وتحديدا
في مجال التدوير ...
جمال حسنى |
|