هدد عوزي لانداو وزير البنى التحتية الإسرائيلي بتقليل كمية المياه التي تعطيها إسرائيل للسلطة الفلسطينية، بسبب تدفق المياه العادمة من مناطق السلطة إلى إسرائيل، ولأن الفلسطينيين، حسب ادعاء لانداو، لا ينشئون محطات لمعالجة المياه العادمة وبالتالي استغلالها في الري الزراعي.
وفي مؤتمر إسرائيلي خاص بالمياه، لوح لانداو قائلا: "إذا استمر الوضع الحالي؛ فلن تمنح إسرائيل الفلسطينيين مياهً أكثر من الكمية الدنيا الملزمة لإسرائيل في إطار الاتفاقات".
ووفقا لاتفاقات المياه بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ عام 1995، التزمت الأولى بتزويد الأخيرة بـِ 28.6 مليون متر مكعب من المياه سنويا فقط، ومنها خمسة ملايين متر مكعب سنويا إلى غزة. وتدعي سلطة المياه الإسرائيلية بأن إسرائيل وفَّرت للسلطة الفلسطينية أكثر من 65 مليون متر مكعب سنويا؛ أي أكثر بمرتين من الكمية الملزمة لإسرائيل؛ وذلك عبر تزويد السلطة مباشرة بالمياه أو من خلال منحها تصاريح حفر آبار جديدة،.
وقال لانداو إن إسرائيل تطالب منذ مدة طويلة، بأن ينشئ الفلسطينيون محطات لتنقية المياه العادمة؛ إلا أنهم لم يفعلوا شيئا. وتقول وزارة البنى التحتية الإسرائيلية إن الفلسطينيين التزموا في الاتفاقات الموقعة عام 1995 بإقامة مثل هذه المحطات، وإن الدول المانحة خصصت أموالا لهذه الغاية.
الجدير بالذكر أن إسرائيل تعد من الدول الرائدة في مجال معالجة المياه العادمة؛ إذ إنها تعيد استخدام أكثر من 70% من مياهها العادمة المعالجة في الري الزراعي.
وبالرغم من أن مسألة معالجة المياه العادمة في مناطق السلطة الفلسطينية أثيرت مرارا وتكرارا، إلا أن إسرائيل تتجاهل تماما أنهار مياه المجاري المتدفقة بوضوح نحو الأراضي الزراعية الفلسطينية من المستعمرات والقواعد العسكرية التابعة لجيش الاحتلال؛ علما بأن تدفق المياه العادمة غير المعالجة نحو الطبيعة وفي الأراضي المفتوحة والوديان تتسبب في أذى بيئي خطير، وبخاصة تلويث المياه الجوفية.
ووفقا لتقرير منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية الذي نشرت مجلة آفاق البيئة والتنمية مقتطفات منه (أيلول 2009)، فإن كميات هائلة من المياه العادمة تتدفق من المستعمرات الإسرائيلية إلى الوديان والجداول في مختلف أنحاء الضفة الغربية، مما يتسبب في تلويث البيئة والمياه الجوفية الفلسطينية. ويتدفق سنويا، من أكثر من ثلث المستعمرات، نحو 6 ملايين متر مكعب من المياه العادمة الخام غير المعالجة إلى الوديان والجداول في الضفة الغربية؛ مما يتسبب في أذى شديد في مختلف أنحاء الضفة، وتلويث المياه الجوفية الجبلية التي تعد أهم مصدر للمياه وأكثرها جودة. يضاف إلى ذلك أكثر من 10 ملايين متر مكعب من المياه العادمة تتدفق دون أي معالجة نحو جنوب شرق القدس، حيث تتسرب تلك المياه إلى خزان المياه الجوفي الجبلي الذي يعد حساسا للتلوث، مما يتسبب في أذى صحي وبيئي خطير.
ومن الواضح أن تلويث مصادر المياه قد يفاقم أزمة مياه الشرب الفلسطينية، علما بأن الفلسطينيين يعتمدون بشكل أساسي على المياه الجوفية.
ومن المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي أهمل طيلة عشرات السنين إقامة البنية التحتية اللازمة لمعالجة المياه العادمة، علما بأن ما يسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية لا تزال تضع العراقيل الكثيرة أمام تطوير شبكات المجاري ومحطات المعالجة، وتعيق إصدار التصاريح اللازمة لإنشاء محطات معالجة.
وقد نشاهد، هنا وهناك، تدفق المياه العادمة الفلسطينية في الوديان، وذلك، أساسا، بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين إنشاء محطات معالجة النفايات السائلة، لأنها تقع في ما يسمى مناطق C الواقعة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة. وتتمثل الحالة الوحيدة التي قد توافق فيها سلطات الاحتلال على إنشاء محطات تنقية، في قبول السلطة الفلسطينية استخدام المستوطنين أيضا لمثل هذه المحطات.
دوافع سياسية وأمنية استراتيجية
ويكمن خلف "الحماسة" الإسرائيلية لحث الفلسطينيين على معالجة مياههم العادمة، دافع سياسي-أمني-استراتيجي يتمثل في ضمان إسرائيل مواصلة نهبها شبه المطلق للمياه الفلسطينية العذبة، وبالتالي مطالبة الفلسطينيين بسد عجزهم المائي الخطير الناجم عن السرقة الإسرائيلية المفتوحة للمياه، من خلال استعمال المياه العادمة في الزراعة؛ وبالتالي تكريس النهب الإسرائيلي للمياه.
ويقدر حجم المياه المنهوبة إسرائيليا من مصادر تقع خارج نطاق الأرض المحتلة عام 1948 بنحو 1103 مليون متر مكعب سنويا، منها حوالي 453 مليون متر مكعب من أحواض الضفة الغربية، والباقي، أي نحو 650 مليون متر مكعب، من حوض نهر الأردن الذي يشمل بحيرة طبريا. وتعادل هذه الكميات ما يقارب 57% من مجمل الاستهلاك الإسرائيلي.
وحاليا تنهب إسرائيل نحو 80% (453 مليون متر مكعب سنويا) من المياه الجوفية في الضفة الغربية، لتغطية نحو 25% من استعمالات المياه في إسرائيل، تاركة 20% فقط (118 مليون متر مكعب سنويا) لتلبية جميع الاحتياجات المائية الفلسطينية. وبالطبع، يحرم الفلسطينيون من حقهم في استخدام ثروتهم المائية المتمثلة في نهر الأردن والتي كانوا يستخدمونها جزئيا قبل حزيران عام 1967.
والجدير بالذكر أن إسرائيل لا تمتلك كميات كبيرة من الموارد المائية في نطاق حدود الأرض المحتلة عام 1948، وإنما تعتمد على مصادر مائية خارج هذه الحدود، وتحديدا في الضفة الغربية وحوض نهر الأردن ولبنان وسوريا، مما يعني أنه مع تفاقم أزمة المياه ستزداد عملية النهب الإسرائيلي للمياه الفلسطينية. وهذا يعني أيضا، أن الفجوة الكبيرة القائمة بين كميات المياه المتوافرة للمواطنين الفلسطينيين وبين احتياجاتهم المائية الفعلية ستتعاظم بشكل أخطر.
|